الموقف المُعلن للقيادة الفلسطينية الرافض لصفقة ترامب-نتياهو وضم الأراضي والذي تم تتويجه بإعلان الرئيس أبو مازن في اجتماع القيادة أول أمس التاسع عشر من مايو بأن السلطة في حِلِّ من أمرها تجاه الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، هذا الموقف وتلك القرارات وإن كان يشوبها اللُبس والغموض كما جاءت متأخرة، إلا أنها في ظل غياب البدائل وانشغال العالم بصراعات أخرى في المنطقة وبالكورونا تعتبر خطوة يمكن البناء عليها ولكن مع توفر شروط واتخاذ خطوات من طرف كل القوى السياسية ومن الشعب وليس فقط من القيادة، وأهمها:
- استمرار القيادة صامدة أمام الضغوط التي تطلب منها التفكير بصفقة ترامب -نتنياهو أو الاشتباك معها أو العودة للمفاوضات أو طرح تصور فلسطيني كبديل عن الصفقة أو تعديل لها كما طالب وزير الخارجية الأمريكي مؤخراً.
- إزالة اللُبس في معنى وقف العمل بالاتفاقات الموقعة، ولماذا وقفُ العمل وليس الإلغاء؟ أيضاً كيف سيتم تنظيم وتحديد العلاقة بين الفلسطينيين والاحتلال بعد وقف العمل بالاتفاقات؟ وما هو مستقبل السلطة الفلسطينية وطبيعة وشكل علاقتها مع إسرائيل؟ وهي تساؤلات طرحناها في مقالنا السابق -قبل خطاب الرئيس بيوم واحد-.
- الحذر من التنفيذ الصامت للشق الاقتصادي من صفقة ترامب (ورشة المنامة في يونيو 2019 ). لأن هناك مؤشرات على تعاطي البعض معها والانزلاق نحو الحل الاقتصادي وبطريقة خبيثة.
- تصويب علاقة الفصائل الفلسطينية وموقفها مع موقف القيادة الأخير، وخصوصاُ أن الفصائل كانت تطالب القيادة بتنفيذ قرارات المجلسين الوطني والمركزي ومنها وقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع إسرائيل.
- أن تراجع حركة حماس حساباتها وتتراجع عن انقلابها وكل اتفاقاتها وتفاهماتها مع إسرائيل.
- حراك شعبي واسع يعزز ويؤكد على سياسة رفض الصفقة ولمواجهة أي إجراءات إسرائيلية لتنفيذ عملية الضم فعلياً، وحتى لا تبدوا قرارات القيادة وكأنها فوقية ولا تعبر عن رأي الشعب أو لا يأخذها الشعب بجدية.
- القيام بمراجعة استراتيجية شاملة، من خلال اجتماع وطني شامل وعاجل لإعادة بناء منظمة التحرير وتفعيلها ولإنهاء الانقسام، أو اللجوء للانتخابات لإحداث تغيير في الطبقة السياسية الحالية حيث إن استمرارها على حالها يشكل عائقاً أمام استنهاض الحالة الوطنية.
- وكحالة مستعجلة يُستحسن تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة طوارئ للتعامل مع الوضع المُستجد، لأن كثيراً من الأمور ستناط بالحكومة.
إن كنا نولي اهتماماً للموقف الأخير للقيادة بالرغم من عشرات الأسئلة التي يثيرها المتابعون بما فيهم المواطنون العاديون الذين فقد كثير منهم الثقة باي قرارات رسمية، فإنما خشية من كسر حالة الرفض الهشة، إما تحت مسمى الواقعية أو غياب البديل أو منح فرصة أخيرة للإدارة الامريكية، أو بسبب ضغوط عربية أو لارتباطات مصلحية وغير وطنية تراكمت عند بعض النافذين في الطبقة السياسية ولم يعد بالإمكان الانفكاك منها، أو لأن الضم بالنسبة لحركة حماس ومن يدور في فلكها شأن خاص بالضفة وبالسلطة الوطنية ولا يمس الوضع القائم في غزة.
إن أية ليونة في الموقف الفلسطيني أو القبول بالعودة للمفاوضات أو التلاعب في تنفيذ قرارات القيادة الأخيرة سيُضعف الموقف الفلسطيني الذي هو هش وضعيف بالأصل، وسيؤدي لأن تعيد دول العالم النظر في موقفها المعارض للصفقة ولسياسة الضم.
المراهنة الحذرة على حالة الرفض وقرار القيادة بوقف العمل بالاتفاقات الموقعة تستند إلى أن ذلك سيؤدي إلى أحد الاحتمالين:
الأول:
أن لا يؤثر الموقف الفلسطيني على إسرائيل وواشنطن ويتم تنفيذ الضم في المواعيد المقررة، وفي هذه الحالة:-
- لن يحظى الضم بأية شرعية دولية وستزداد الخلافات بين تل ابيب وواشنطن من جهة والاتحاد الأوربي وبقية دول العالم من جهة أخرى.
- سيستمر تعامل العالم مع الضفة الغربية بما فيها القدس والمستوطنات كأراضي فلسطينية محتلة.
- قد تلجأ المجموعة الأوروبية لاتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل حتى وإن كانت محدودة؟.
- سيؤدي لتوتير العلاقة بين السلطة الفلسطينية والأردن وربما مصر من جانب والإسرائيليين من جانب آخر، خصوصا إن تم وقف العمل بالاتفاقات الموقعة وحل السلطة أو انهيارها.
- سيُحرج الدول العربية المُطبِعة مع إسرائيل أو التي تسعى لذلك وسيوقف الهرولة نحو التطبيع.
- سيبقى الصراع بدون حل مما سيُفقد الصفقة قيمتها كتسوية سياسية، بل ستوَجَه الاتهامات لترامب بأنه زاد من التوتر في المنطقة وبدلاً من أن يصبح رجل السلام الذي أنهى أطول وأخطر صراع في الشرق الأوسط سيتحول لرئيس فشل في كل الملفات المتعلقة بالشرق الأوسط.
الثاني:
أن يتم تأجيل الضم، وكانت هناك مؤشرات على تأجيل الضم أو تمريره بطرق ملتوية وبدون ضجيج قبل خطاب الرئيس، وفي هذه الحالة:
- قد تحدث خلافات إسرائيلية داخلية وخصوصا ما بين الحكومة واليمين المتطرف والمستوطنين.
- سيشكل إحراجاً لإدارة ترامب وهي مُقبِلة على الانتخابات.
- التأجيل سيُظهر السلطة والقيادة بأنها حققت انتصاراً، كما أن التأجيل سيمنح القيادة الفلسطينية فرصة لتُعيد النظر وتراجع مجمل سياساتها تجاه عملية التسوية السياسية وتُعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني من جديد.
إذن، الرفض الفلسطيني ووقف العمل بالاتفاقات الموقعة خطوة في الاتجاه الصحيح وقد تؤدي لتأجيل ضم الأراضي لحين من الوقت وقد تُحرج واشنطن وتربك مخططاتها لأنه لا يمكن تسوية الصراع في المنطقة دون شريك فلسطيني، إلا أن المحك العملي للحكم على جدية الرفض هو مدى تحرك القيادة وكل القوى السياسية نحو الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام والقيام بمراجعة شاملة تؤسس لاستراتيجية مواجهة مع الاحتلال لأنه لا يبدو في المدى القريب أية فرصة لتسوية سياسية وسلام عادل.
إبراهيم أبراش
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت