غزة تتلمس فرحة العيد رغم قساوة الظروف المعيشية

لم تتغير عادات وطقوس أهالي قطاع غزة المتوارثة منذ القدم لاستقبال عيد الفطر السعيد رغم معاناتهم المتفاقمة والأزمات الاقتصادية الخانقة وافتقارهم لأبسط مقومات حياتهم مع جائحة كورونا. فالمواطن الفلسطيني يثبت في كل مرة أنه قادر على خلق أجواء الفرح والسعادة وإحياء عاداته وطقوسه التي اعتاد أن يستقبل بها أول أيام العيد بشكل يتناغم بروح الألفة والأصالة.

ومن أهم تلك الطقوس إعداد الكعك الذي لا يكاد يخلو منه بيت فلسطيني، شراء الحلوى والحلقوم والمكسرات، شراء الأسماك المملحة «الفسيخ والرنجة المدخنة»، بالإضافة إلى شراء مواد إعداد طبق السماقية «أكلة غزبة متميزة» رفيقة الأعياد والمناسبات، أكلات شعبية تتربع على موائدهم محتفظة بقيم وقوانين مجتمعية توارثتها الأجيال جيلاً بعد جيل.

منذ أن صدح المتنبي بأبياته الشهيرة «عيدنا بأي حال عدت يا عيد»، ونحن نشعر وكأن هذه القصيدة قد كتبها خصيصاً لنا، فعلى الرغم من الظروف القاسية التي يعيشها مجتمعنا الفلسطيني إلا أننا نرى الأهالي مصطحبين أبنائهم لانتقاء ملابس العيد الجديدة ومتمسكين بطقوس «العيدية» رغبة في رسم البسمة على شفاه أطفالهم وتأكيد أواصر المحبة والتكافل الاجتماعي.  

تعدد المهام

أينما تمر بشوارع قطاع غزة وأزقة مخيماته حتى تشتم رائحة شهية تنبعث من البيوت تنبئ باقتراب العيد، وما أن تدخل أحدها حتى تجد نفسك أمام لوحة تشكيلية جميلة على طاولة مستديرة لا تخلو من الضحكات وتبادل أطراف الحديث والنكت والحكايات.

هنا تتفنن «أم يوسف» مع جاراتها لمشاركتهن في صنع الكعك والمعمول قائلة «قبل عيد الفطر بأيام نجتمع نحن نساء الحارة كل يوم عند واحدة ونشكل مجموعات يوزعن الأدوار بينهن كخلية نحل لكل واحدة مهمة ودور معين في تجهيز الكعك، هناك من يجهزن العجينة وتقطيعها وأخريات يقمن بحشو العجينة بالعجوة وتجهيزها للتزيين ورصها في الصواني ولا ننسى من توكل إليهن مهمة الخبز». وتشير «أم يوسف» إلى أنه على الرغم من وجود الكثير من أنواع المسليات والشوكولاته على مائدة العيد إلا أن للكعك والمعمول طابعاً خاصاً لا يتجزأ من ثقافتنا الفلسطينية العريقة.

أكلات شعبية

تعد وجبة الفسيخ طبقاً رئيسياً وجب إحضاره في اليوم الأول للعيد، ويحل ضيفاً مرحباً به على موائد الإفطار الغزية كونه يفتح شهيتهم بعد شهر كامل من الصيام، إلى جانب طبق البندورة المقلية بالفلفل الحار والبصل.

يقول المواطن عبدالله أبو حصيرة (28 عاماً) صاحب محل للسمك، «ورثت مهنتي عن أجدادي ووالدي منذ طفولتي، والفسيخ أكلة شعبية نتناولها منذ أزمنة عديدة والاقبال على شرائها يزداد بشكل كبير، له رائحة خاصة وطعم مميز، نستخدم الأسماك العادية في عملية التجهيز والتمليح كـ«الجرع والبوري» متوسط الحجم يوضع عليه الملح بكميات كبيرة إضافة للعصفر ويخزن لمدة 6 شهور كحد أقصى».

أما المواطنة وفاء قاعود (46 عاماً) «تفضل إعداد الفسيخ بنفسها في منزلها حيث تقوم بشراء السمك الطازج وتنظيفه وتمليحه وخزنه في مكان معتم لمدة أسبوع»، معللة ذلك ضماناً لنظافته وبعدم قدراتها على شرائه جاهزاً لظروفها الاقتصادية الصعبة،حيث تنتظر شيك الشؤون الاجتماعية لتدخل بهجة العيد على أسرتها.

«السماقية» أكلة فلسطينية شعبية مشهورة لدى الغزيين فهي تتميز بطعم طيب ومذاق خاص، تنشغل «أم أحمد» في إعداد طبخة السماقية قائلة «اعتدنا ان تكون السماقية حاضرة على مائدة الفطور صباح يوم العيد كون هذه الأكلة لها بهجة ورائحة مميزة، وتُعد من الأكلات الخفيفة على المعدة وتحتوي على كافة العناصر الغذائية المفيدة للجسم».

وأشار مجدي عرفات صاحب محلات عرفات للحلويات إلى أن العيد يختلف كلياً عن باقي الأيام، فنحن نحرص على تقديم تشكيلات مختلفة من حلويات المبرومة بالفسق الحلبي والقشطة واشكال ومذاقات متنوعة من البقلاوة والكنافة غير الكعك والشوكولاتة لتلبية احتياجات الزبائن لمعايدة الاقارب والأصدقاء».
ملاذ الأطفال

تُعد الأرجوحة وركوب الخيل والسيارات المتحركة الملاذ الوحيد للأطفال في أيام العيد، فلا يخلو شارع إلا وعلى زاويته أرجوحة وأطفال يصطفون بالعشرات في انتظار دورهم. ففي زوايا مخيم رفح نصب الشاب إسلام الزاملي أرجوحة العيد أمام منزله وقام بتزيينها لجذب أنظار الأطفال الصغار باعتبارها مصدر رزق موسمي.

رغم براءتهم وطفولتهم المعذبة إلا أنهم تشربوا قسوة الظروف ومرارة الواقع الإليم، هذا حال أطفال فلسطين في أيام عيد الفطر المبارك حملوا المسدسات والبواريد البلاستيكية والمفرقعات ليعبروا عن فرحتهم بالعيد بطريقتهم الخاصة.

لمسات فنية ساحرة تتناثر من عبق التراث الفلسطيني وطقوس توارثناها جيلاً بعد جيل، وعادات مرسخة في الذاكرة لا يمحوها الزمان تعبر عن أصالة وحضارة شعبنا وتمسكه بتراثه.