شرع عدد من البنوك الفلسطينية في قطاع غزة (19/5) بصرف المساعدات المالية من صندوق «وقفة عز» للعمال المتضررين من جائحة كورونا بعد أربعة أيام من بدء صرفها في محافظات الضفة الفلسطينية نتيجة «خلل فني».
واصطف آلاف المواطنين المستفيدين من «وقفة عز» أمام بنكي فلسطين والإسلامي الفلسطيني في محافظات قطاع غزة لاستلام المساعدات والتي تقدر ما بين (500-700) شيكل أي ما بين (140-200) دولار، بعد تلقيهم رسائل على هواتفهم الخلوية فجر (19/5) ونشر رابط إلكتروني لفحص الأسماء المستفيدة من الصندوق.
وأثارت آلية توزيع المساعدات المالية حالة من الجدل والسخط الكبيرين في صفوف المواطنين في محافظات الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، ما دفع وزير العمل في الحكومة الفلسطينية نصري أبو جيش التعقيب على بعض التساؤلات، قائلاً إن «عدد المتقدمين للحصول على المساعدات نحو (276) ألف عامل، موزعين بنحو (172) ألفاً من القطاع، و(104) آلاف من الضفة، في حين أنه لم يكن هناك إمكانية لمساعدة أكثر من 40 ألف عامل مياومة».
وأوضح أبو جيش أن «ما تم الحصول عليه من صندوق وقفة عز في هذا البرنامج يبلغ 23 مليون شيكل، بالإضافة إلى 5 ملايين شيكل من الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، وجميعها تم توزيعها على العمال ولو كان هناك إمكانية لمساعدة المزيد لتم ذلك».
الأولويات والمعايير
ونوه إلى أن عملية وضع المعايير تمت من خلال وزارته والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، وجرى اعتماد الأسماء المسجلة عبر موقع وزارة العمل في عملية الفرز، وهي مخصصة لعمال المياومة كونهم الأكثر تضرراً والأكثر فقراً. شارحاً: «أرسلت القوائم لوزارة المالية والبالغ عددهم (40.202) عامل، واستبعد كل من يتقاضى راتب أو شبه راتب، ثم لوزارة التنمية الاجتماعية واستبعدت أعداد كبيرة ممن يحصلون على مساعدات منها، وكذلك الاقتصاد والنقل والمواصلات، كما جرى استبعاد هيئات الحكم المحلي، واستبعاد الزوج الذي حصلت زوجته على مساعدات، ثم أرسلت القوائم لوزارة الداخلية للتأكد من المعلومات».
وبين أبو جيش أن قطاع السياحة كان في المرتبة الأولى للمستفيدين سواء أعزباً أو متزوجاً بنحو (8040) مستفيدا، ويليه قطاع الإنشاءات (10051)، وقطاع الخدمات (6868) مستفيدا، قطاع النقل (5186) مستفيدا، رياض الأطفال (2694) مستفيدا، قطاع الصناعة والمهن الحرفية (2292) مستفيدا، قطاع الزراعة (1447) مستفيدا، المحاجر (563) مستفيدا، فيما الغزل والنسيج (402) مستفيد، وقطاع الصحة (161) مستفيدا، على أن يكون متزوجاً ولديه أكثر من طفلين في الضفة، وأكثر من 4 أطفال في غزة.
وأشار الوزير أبو جيش إلى أنه جرى التعامل مع الوطن كقطعة جغرافية واحدة، ولم يتم تجزئته، رغم صعوبة تحديد المستحقين في غزة كون عدد المتقدمين كبير جداً ولا يوجد تعاون مع الوزارات في غزة، حيث جرى الاعتماد على بيانات وزارة التنمية الاجتماعية والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، مستدركاً: «لا نتوقع أن تتعدى المساعدات لقطاع غزة الـ(30%) من نسبة المساعدات».
«الحماية الاجتماعية»
من جهته، أكد مدير عام التشغيل في وزارة العمل، رامي مهداوي في تصريحات صحفية، أن اللجنة الفنية التابعة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين قامت بالتحقق من القوائم قبل اعتمادها ونشرها. موضحاً: «إن كان هناك من قام بتسجيل اسمه وتم قبول طلبه بناء على تلاعبه بالمعلومات المطلوبة منه أن يدونها، فانه بذلك أحدث خللًا في المال العام وكذب معلوماتياً ويجب محاسبته ومساءلة كل من تعدى على المال العام وهذه تعتبر سرقة».
من جهته، أعرب الأمين العام للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين شاهر سعد، عن أمله أن تسعف هذه التبرعات العمال. ورأى أن الأزمة أبرزت ضرورة التفكير بمنظومة الحماية الاجتماعية للطبقة العاملة أسوة بكل عمال العالم، الأمر الذي يخفف أعباء كبيرة سواء على القطاع الخاص أو العمال أو الحكومة بشكل عام.
مشاهد غريبة
وعقب النقابي إبراهيم ذويب على صفحته الفيسبوكية بالقول: «بالمقلوب: ممثلو العمال دفعوا أموالا للحكومة، والحكومة دفعت للعمال من أموالهم (700) شيكل لتضميد جراحهم (وقفة عز). العمال دفعوا لرأس المال ضمن طرود غذائية، الحكومة والتنمية الاجتماعية بالتنسيق مع المحافظين يوزعون على العمال بعض الطرود الغذائية... مفارقات عجيبة والصمت سيد الموقف، هنا يتجذر فكر الطبقة العاملة وممثليها».
وتساءل الكاتب مصطفى إبراهيم «لماذا لم يصل المبلغ الذي جرى جمعه في «وقفة عز» إلى (30) مليون دولار؟، هل هذا عدم ثقة من المواطنين والقطاع الخاص بالقائمين على الصندوق أي السلطة؟ أم هو عدم قناعة القطاع الخاص بالتبرع أو إحجامه على التبرع وهو يريد أن يتبرع بطريقته أو أنه يعمل وفق مصالحه ولا يريد دعم السلطة واكتفى بما تحمله السلطة من ضرائب من أصحاب رأس المال؟». مضيفاً: «صندوق وقفة عز، لم يعبر عن العز والشموخ الذي يميز الشعب الفلسطيني، وهو درس للسلطة وللجميع لإعادة تقييم التجربة برمتها وما وصلنا إليه من حالة كارثية...».
فيما يضيف الناشط أبو لؤي «شاب يستأجر شقة سكنية وينتظر الـ(700) شيكل من وقفة عز حتى يدفع إيجار الشقة المتراكم عليه، وللأسف أسمه لم يستفد، وتفاجأ أن صاحب العمارة التي يستأجر فيعا مستفيد من «وقفة عز»». ويسخر ناشط آخر «اللي ما أخذ من وقفة عز سيأخذ من وقفة عرفة...».
وتساءل السائق أمجد دعيس صاحب سيارة أجرة، انقطع عن عمله لأكثر من شهرين جراء «كورونا»: «ماذا ستفعل الـ(200) دولار لسائق، هل ستكفي لصاحب السوبر ماركت وإيجار البيت وسوى ذلك من مستلزمات؟». فيما حمل الناشط الاقتصادي محمد أبو جياب المتبرعين لصندوق وقفة عز من شركات القطاع الخاص ورجال الأعمال، المسؤولية عن الاستخدام السياسي والفساد المالي والإداري في توزيع المساعدات المالية على العمال المتضررين. منوهاً إلى أنه كان الأولى تقديم المساعدات لشركائهم في القطاع الخاص وعمالهم بشكل مباشر دون المرور بأية مؤسسة حكومية.
غزة خارج الصندوق
وكشف مراقبون فلسطينيون أن الحكومة الفلسطينية لم تنصف قطاع غزة في صندوق وقفة عز، «فماذا يعني أن حصة قطاع غزة (5240) مستفيدا من أصل أكثر من (40) ألف مستفيد في الضفة الفلسطينية والقدس المحتلة ومخيمات لبنان وسوريا، في حين أن عدد المسجلين في غزة وحدها وصل لنحو (173) ألفاً؟».
وأوضح المراقبون أن ثمة تلاعب بقوائم المستفيدين في حصة غزة رغم تطابق المعايير عليهم. لافتين إلى أن هناك ظلما واقعا على القطاع رغم أن الحصة المعمول بها حسب عدد السكان هي ما نسبته (40%) من حصة الوطن، لكن الواضح في «وقفة عز» أن حصة غزة لا تتعدى الـ(15%) من حصة الوطن.
وقال المراقبون، إن «صندوق وقفة عز لم ينصف قطاع غزة منذ بداية تشكيله، حيث التمثيل غائب في مجلس إدارة الصندوق، فيما عدد المستفيدين من الصندوق أكثر من (40) ألفاً، ونصيب مخيمات لبنان وسوريا نحو (7) آلاف مستفيد، فيما نصيب غزة نحو (5240) مستفيدا، فيما الضفة الفلسطينية يتجاوز نصيبها الـ(28) ألف مستفيد، يا للمفارقة!».
واستغرب المراقبون من محاولة الجهات المتنفذة في السلطة الفلسطينية إقصاء قطاع غزة من صندوق وقفة عز، رغم تغنيهم أن غزة جزء لا يتجزأ من الوطن. منوهين إلى أن الرقم الأساسي الذي اعتمد في البداية هو (30) ألف متضرر على ألا يشمل الرقم قطاع غزة، وفيما بعد جرى زيادة الرقم بـ(5) آلاف متضرر لغزة على أن يزيد الرقم بـ(5) آلاف مماثلة للضفة على أن يصبح عدد المستفيدين في الضفة هو (35) ألفاً.
الخيارات والمقترحات كثيرة، لضمان وصول حقوق العمال والمتضررين من حالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة الفلسطينية جراء «كورونا»، والتي دفعت بالآلاف للتوقف عن العمل وتوقف مصادر دخلهم أو تضررها بشكل كامل، ويبقى السؤال: «كيف ستنصف الحكومة المتضررين؟!».