يدور في الاوساط الاعلامية والدبلوماسية حديث عن مبادرة روسيا لعقد لقاء امريكي فلسطيني في جنيف خلال اسبوعين لجسر الهوة بينهم على اثر قرار الاحتلال ضم مناطق شاسعة من الضفة الغربية الى دولة الاحتلال وبالتالي القضاء كليا على فكرة الدولتين اللهم الا اذا كان الحديث يدور عن كانتونات معزولة في الضفة الغربية لا توال فيما بينها الا من خلال اراضي تخضع لقانون وسلطة دولة الاحتلال بالكامل وهو ما تسعى اليه اسرائيل منذ امد بعيد وفي احسن الاحوال سيكون لنا عدة كيانات فلسطينية في الضفة وغزة ليست بينها القدس بعد ان ار موضوع ضم القدس خلف ظهورنا وظهر الى السطح موضوع ضم الاغوار والبؤر الاستيطانية الصهيونية.
الرئيس عباس والساسة الفلسطينيين تحدثوا عن عدم الاستعداد لمناقشة صفقة القرن ولا قبول وضع التعديلات ويبدو ان التدخل الروسي سيعيدنا الى المربع الاول فنحن لم نقبل الطرح الامريكي وامريكا لم تلغي صفقة رئيسها والتهديدات الامريكية لم تتوقف ... الاخبار تقول ان امريكا اشترطت ان تناتقش صفقة القرن في الاجتماعات في جنيف وان على الفلسطينيين طرح تعديلاتهم التي يريدون على الصفقة والغريب ان الاخبار تقول ان صائب عريقات رحب بالمبادرة الروسية وان لم يعطي موافقته عليها. من الذي اراد المبادرة ... اسرائيل وامريكا خوفا من تهديدات الرئيس عباس ونتائج اجتماع القيادة الفلسطينية الاخير ام انها القيادة الفلسطينية التي تبحث عن سلم للهبوط عن الشجرة وقطعا لا يوجد ما هو افضل من السلم الروسي الذي لا زال في الذهن الفلسطيني والعربي يعتبر امتدادا غير منقطع لمسيرة الاتحاد السوفياتي وصوته المؤيد للشعوب وحريتها وهو ما تستفيد منه روسيا اليوم في صراعها على النفوذ مع الولايات المتحدة والذي يظهر في كثير من الاحيان انه صراع تقاسم الادوار لا تنافس الاهداف ففي الموضوع الفلسطيني لا تنافر ولا صراع بين روسيا وامريكا كما هو الحال في الموضوع السوري والقضية السورية.
القبول الفلسطيني بالذهاب الى جنيف والجلوس على طاولة واحدة مع الولايات المتحدة أيا كان احب الطاولة والمضيف فان ذلك يعني اول التنازل واول القبول بالجريمة فمجرد التحدث عن اية افكار تجميلية او تعديلية على الصفقة أيا كانت اهميتها ما هي الا اعلان صريح بقبول مبدأ الصفقة القائم اصلا على اساس الانهاء الكلي للقضية الفلسطينية وتصفيتها كقضية شعب وحقوق لا تلغى ولا تتقادم وهو ما تسعى اليه الولايات المتحدة الامريكية صاحبة اخطر الغاء لشعب على وجه الارض ولا زال ماثل امام اعين كل البشر ثوارهم وامبريالييهم.
ان على الشعب الفلسطيني ان يدرك ان مواصلة السير خلف السراب الصهيو-امريكي ومشاريع التصفية وعلى راسها مهزلة الدولتين انما يكرس على المدى القصير قبوله بإنهاء قضيته بصمته وعجزه ولا بديل اليوم على العودة بالعالم كل العالم الى المربع الاول وان لا بديل عن فلسطين كل فلسطين دولة ديمقراطية واحدة موحدة وما دون ذلك فهي مهزلة وخرافات والاعيب ليس لها الا نهاية واحدة ان يعطي النبي الطفل للام الاذكى والاخطر والاكثر جشعا اما الام الطيبة الغبية التي لم آمنت بنبيها وما يقول دون تفكير فقد كان من نصيبها اللا شيء وعلينا اليوم ان ندرك ان امريكا لم تفرخ انبياء والا سندفع ثمن ذلك كل بلادنا ان واصلنا قبولنا بمبدأ التنازل عن سنتميتر واحد منها وتعاطينا مع أي حل يقسم بلادنا فلا خيار الا فلسطين واحدة موحدة حرة وديمقراطية.
روسيا اليوم تدير مصالحها هنا وهناك بعيدا عن قاعدة الصراع بين الاشتراكية والامبريالية فدور زعيم المنظومة الاشتراكية انتهى بانتهاء الاتحاد السوفياتي وعلى ما يبدو فان العرب وحدهم لم يصدقوا بعد ان الاتحاد السوفياتي والمنظومة الاشتراكية ومبادئ الثورة والحرب الرسمية بين الامبريالية والاشتراكية قد غابت عن ملاعب السياسة هذه الايام وبالتالي فلا خيار لنا سوى معاودة قراءة ادواتنا ومشاريعنا وادراك ما ينبغي علينا ان نفعله ومع من ولصالح من والا فان النهاية والهاوية هي ما سيقودنا اليه الجسر الروسي مغلفا بأحلامنا عن موسكو الحمراء التي لم يعد لها وجود الا في اذهاننا لأننا لم نتقن بعد كيف نتوقف عن دور التابع لهذا او لذاك.
لا مجال للمقارنة بين الدور الروسي في سوريا وفي فلسطين فهناك كان للصمود السوري الدور الرئيس في دفع روسيا لإسنادهم الى جانب مصالحها ولو انها وجدت أي تخاذل سوري لما كان لروسيا مثل هذا الدور والقدرة على تحقيق ما حققته من تمريغ للمشروع الامريكي هناك تحت اقدام سوريا وشعبها وجيشها وقيادتها وبدونهم ما كان لروسيا ان تفعل شيئا وهي حين تجد موقفا فلسطينيا حقيقيا ثابتا وواضحا ومقاوما لن تستطيع ان تدير ظهرها لشعب يعتد به وبمواقفه وارادته والشعب الروسي خبر على مدى طويل ارادة شعبنا وقدرتنا على الصمود والمواجهة.
على هذه القاعدة المطلوب وحدة الموقف الفلسطيني واستعادة المكانة والدور لمحور الصمود والمقاومة واعادة صياغة تحالفاتنا الاستراتيجية على هذه القاعدة وعدم تمكين الاحتلال منا وهو لن يتأتى الا برفع سقف مطالبنا بما يضمن عدم التنازل عنها ولا باي حال من الاحوال وان نتوقف كليا عن تقديم اقتراحات للأعداء للخروج من مازقهم فأي حل نطرحه او نرتضيه لا يضمن وحدة اراضي فلسطين التاريخية بدولة ديمقراطية واحدة موحدة سيكون حلا يقودنا بالتأكيد في نهاية المطاف الى تصفية القضية بأيدينا وشعارات الدولتين ستكون شعارات دولة احتلال يهودية لكل فلسطين وكانتونات حكم ذاتي نقيمها بأيدينا على قاعدة نحن اولى بتمزيق انفسنا من اعداءنا فهم يوحدون الارض تحت سلطتهم ونحن نمزق ذواتنا ونتنازل عن بلادنا.
بقلم عدنان الصباح
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت