ونحن على مشارف مرحلة من أخطر مراحل القضية الفلسطينية التي ستشهد صلف أمريكي إسرائيلي غير مسبوق لمصادرة الأرض، القدس، والأغوار.
لا يخلو المرئ من مراجعات، وهذه المراجعات في عمقها محزن ومحبط، لكنها هي طريقة لصناعة الأمل مهما كان المشهد سوداويا، أنت تراجع، تستخلص العبر، إذاً أنت موجود، ومادمت موجودا، وإستخلصت العبر حتما ستصنع الأمل.
في مراجعة مجريات الزمن الطويل الذي إستهلكته مفاوضات الفلسطينيين مع دولة الإحتلال إسرائيل، كان هناك أمل لدى الشعب الفلسطيني وقيادته وفصائله، هامش من أمل لا يستهان به في تحقيق التحرر من الإحتلال وتقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية، وتصاغر الأمل وضاقت هوامشه للحد الذي إنقلبت فيه الأمور رأسا على عقب، وبدل التحرر وإسترجاع ما يمكن من أراضينا، أصبحنا في موقف الدفاع عما بأيدينا، وحالنا لا يسر عدو ولا صديق. الحل السياسي في فلسطين ، وأداته التفاوضية أو المفاوضات، فقدت منذ البدء أحد عناصر قوتها في حالة الإحتلال الخارجي للدول، وهي المقاومة والعمل العسكري والعصيان المدني والتظاهرات والمقاطعة للمحتل، ما يرفع سقف الضغط والثمن على المحتل، أي بمعنى إستخدام كل الخيارات لمقاومة المحتل والضغط عليه قد صودرت مبكرا، وهنا الذي صادرها القائد، ولم يسعى لتعدد الخيارات كما باقي الخلق، وباتت قضيتنا رهن خيار الرئيس عباس الوحيد، التفاوضي السلمي الطويل النفس، والغريب في طول نفسه وزمنه، رغم أن هناك من فاوضوا لزمن طويل، لكن لم تمثل عملية التفاوض غطاءاً وتسهيلا على المحتل، وتضليلا للرأي العام العربي والعالمي، بأننا على علاقة مع المحتل توهم العالم بأن الإحتلال يوشك على الإنتهاء وأننا كسلطة فلسطينية نمارس حقوقنا كدولة، في الوقت الذي تنهب إسرائيل الأرض طوال الوقت، وتغير معالمها، وتخرق القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة، التى تحرم تغيير الجغرافيا، والديموغرافيا للأراضي المحتلة من قبل دولة إسرائيل.
هناك فرق بين فن التفاوض، وإدارة التفاوض، رغم أنهما عنصران متلازمان في عملية التفاوض لا ينفصمان، فإذا كان فريق التفاوض يتلاعب بالبيضة والحجر وإدارة التفاوض فاشلة في إتخاذ القرار وحسابات الحالة العامة وما يتركه إستمرار التفاوض بلا نتائج وبلا حسابات من أثر الاستمرار بسلب الأرض، وتوسيع الاستيطان، وتفريغ الحالة الوطنية من السكان كما حدث في حالتنا الفلسطينية، بالتأكيد سيخسر الفريق المفاوض مهما كانت قدراته، ويخسر الطرف الذي يمثله هذا الفريق. العكس صحيح لو كانت إدارة المفاوضات، بمعنى القرار من القيادة، وتحديد الإتجاه ناجحا، وواضعا الإعتبار في محله لكل حيثيات الحالة الفلسطينية، وما يترصد له الطرف الآخر في كسبه الوقت والأرض، وكان فريق التفاوض فاشلا وغير ذكيا وتنقصه الكفاءة فسيخسر أيضا هذا الطرف الفلسطيني في عملية التفاوض.
الذي حدث لدينا نحن الفلسطينيين، منذ البدء، هو أولا عدم تقدير سوء نوايا إسرائيل، وثانيا سوء إدارة عملية التفاوض، أي بمعنى سوء تقدير القيادة السياسية الموجهة لعملية وفريق التفاوض، وهو الرئيس عباس الذي يتحمل المسؤولية عن الفريق المفاوض وإدارة المفاوضات، ولا نخلي مسؤولية الفريق المفاوض الذي طالت مدة عمله، وقد عرفت كفاءته للطرف الآخر، وهذا أيضا جزء أهمل في فن التفاوض، وكان يجب تغيير طواقم التفاوض كل فترة زمنية لسببين يدركهما الإسرائيليون وعلماء وخبراء التفاوض، السبب الأول أن الخصم قد قدر قدرات هذا الفريق، ولم تعد لديه مفاجآت، أو، دهشة.
من هذا الفريق وهي مهمة بالمناسبة، وهو يعد خططه على ما هية هذه القدرات والشخصيات، والشيء الثاني، وهو أيضا مهم، وهو الألفة التي تحدث بين فرق التفاوض، ومنها يتم استقطاب أفكار وتصرفات الفريق، ومعرفة ما يريحهم وما يحتاجونه، وقد تتم استدراجاتهم وابتزازهم، أو، حتى تجنيدهم لأفكاره، هذا علم يعرفه الخبراء، وأجهزة الأمن والمخابرات في كل الدنيا،وعلى مر التاريخ. الذي حدث لدينا، أن إدارة المفاوضات والفريق المفاوض كما تدل النتائج كانا فاشلين، ليس، فقط، بسبب الإخفاق، وعدم تحقيق نتائج إيجابية، بل الأخطر أن عملية إدارة المفاوضات قد إمتدت زمنا طويلاً، دون تغيير في نهج المفاوضات، ودون تغيير في فريق المفاوضات، والأخطر أن المفاوضات عملت على تغطية مصادرة الأرض، وتوسيع الإستيطان، الذي لم تحلم به إسرائيل، ولم تقدر عليه قبل عملية التفاوض، حتى وصلنا لتصفية القضية بصفقة ترامب، ومازال الرئيس ينتظر أحدا ما، وحدثا ما، ومؤتمرا دوليا للتفاوض من جديد، كل الدلائل والنتائج بكل تفرعاتها محزنة، وتدين صاحب القرار في كل سياساته التفاوضية سواء مع شعبه أو أحزابه أو الإحتلال أو العرب أو الإقليم أو حتى دول العالم.
يبدو أن الرئيس القائد لم يفهم ولم يعرف شعبه فإصطدم معه في الكثير وأضعفه بشقيه الحرياتي والتعبئة الوطنية، وعدم منعه الإنقسام الذي تم تنبيهه منه مبكرا من قادة، مثل القائد محمد دحلان، وبدلا من حزم الأمر لحماية غزة ذهب لتصفية حسابات شخصية وتخلص من غزة، ومن تخلص من غزة ضعف، وأضعف شعبه، وإنتهى به وبنا المآل إلى ما نحن فيه من ضعف عام تجاه قضيتنا، وما يحاك لها من مؤامرات !!!!
يبدو أن الرئيس لم يفهم الإسرائيليين كدولة إحتلال، تريد شفط كل الأرض والمقدرات الفلسطينية، وبقي يحاور ويحاول أن يثبت لهم بأنه رجل سلام، وهم يستغلون ذلك لمصالحهم، ومشروعهم، ونسي أنه قائد لشعب محتل يجب أن يغير هذا الإسلوب مع المحتلين!!!!!
يبدو أن الرئيس لم يفهم ولم يعرف الأحزاب الوطنية فتعامل معها بصلف وتبعية وإبتزاز رغم أنهم قالوا لنا أنه رجل ديمقراطي فتصورنا أنه سيكون عامل تطوير ونهوض لهذه الأحزاب والمؤسسات التمثيلية أفضل من ياسر عرفات، وعندما كان الحزم مع حماس في غزة مطلوبا، وجدناه يلم عزاله ويذهب لرام الله!!!!!
يبدو إن الرئيس لم يفهم ولم يعرف العرب، فساءت كل علاقاته معهم ولم يستقطبهم كما كان الرئيس ياسر عرفات ويأخذ منهم إيحابياتهم!!!!
يبدو أن الرئيس لم يفهم الأقليم ولم يعرفه وأبقى على علاقات شخصية مع أردوغان تركيا في وقت تزاحمه تركيا كتيار وطني لتمكين جماعة الإخوان بدلا من التيار الوطني المركزي فتح في فلسطين !!!!
يبدو أن الرئيس لم يفهم العالم ودوله وسياساته ولازال يجري وراء مؤتمر دولي وكأنه إكتشف سرا جديدا، وأن العالم لا يفهم إلا لغة المصالح التي تجيدها إسرائيل، وحتى لو ذهب بهذه الإدارة وهذا النهج الذي فشل طويلا لن يحرز أهدافا!!!!! وأخيرا والمحزن المبكي أن الرئيس يبدوأنه لم يفهم ولم يعرف الفتحاويين الذين يقودهم وكيف مزقهم إربا وأضعف حركة كانت تهز الأرض وهم ينتظرون رحيله ومجيئ قائدا آخرا يلم شملهم!!!!!
فهل يراجع الرئيس كل ذلك؟؟!!
بالمراجعة الحل السياسي جيد وهو أداة أفضل من الحرب، لكنه بحاجة لقدرات غير الرئيس عباس وفريقه.
خلاصة: الاشكالية ليست في نهج التفاوض والحل السياسي، الاشكالية كما قلت في ادارة عملية التفاوض،والوقت، وذكاء الاستنتاج مبكرا بنوايا الخصم ... الرئيس أدار كل الحالة خطأ، وليس فقط المفاوضات .. أنا شخصيا مع الحل السياسي، ولكن ليس كما حدث، فلم يدر الرئيس البلد صح، ولا فاوض صح، ولا علاقات مع القوى والأحزاب صح، ولا علاقات خارجية صح .. طيب كيف بدنا ندافع عنه؟
د. طلال الشريف
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت