يستذكر الشعب الفلسطيني هذه الأيام مناسبة وطنية أليمة أصابه في الصميم بما يسمى " ذكرى النكسة " أو " حرب أيام الستة " إلى آخره من المسمّيات ، حيث قامت دولة الاحتلال في الخامس من حزيران من العام 67 بشن عدوان همجي بربري مستخدمة كل ما لديها من ترسانة كبيرة ودعم غربي ، استمرت لمدة ستة أيام مخلفة خسائر بشرية ومادية هائلة ، حيث دمرت ما يقارب 80% من العتاد العسكري العربي والعمل على تدمير أي قوة عربية في طريقها الى النهوض والتطور والقضاء على النشاط الفدائي الفلسطيني في تلك الفترة ، ورداً على قيام م.ت.ف والمرهونة عربياً في بدايتها واحتلالها لباقي فلسطين (الضفة الغربية ، غزة ، القدس) وأجزاء واسعة من الدول العربية " سيناء والجولان " عدا عن تهجير ونزوح حسب الإحصاءات تقدر بـ 400 ألف من المدن على طول قناة السويس والجولان ومن الضفة الغربية الى الاردن ، فكانت النكبة الثانية للشعب الفلسطيني بعد عام 48 التي تضاف الى سجل النكبات التي لانهاية لها بحق الشعب العربي الفلسطيني.
أعتقد أن ما حصل يصب في إطار استكمال المشروع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين والتوسع والسيطرة على الأرض والمياه وسوق استهلاكي لمنتجاتها وجلب العمالة الفلسطينية الى ورشها ومصانعها خدمة لاقتصادها ، فمازالت نتائج العدوان مستمرة حتى اليوم ضمت القدس وتحتل الضفة وأغرقتها بالمستوطنات ، وتعمل الآن على ضم أجزاء كبيرة من الضفة وضمت الجولان على الرغم من القرارات الدولية التي طالبت إسرائيل بالانسحاب من الأراضي التي احتلت عام 67 ومنها القرار 242، 338 وغيرها من القرارات الدولية ذات الصلة ، إلا أنها لم تمتثل ، بل وأدارت ظهرها للقانون الدولي ولكل قرارات الشرعية الدولية وذلك بسبب الدعم الأمريكي اللامحدود لها ، حيث تعمل على حمايتها وتشكل غطاء لها في كل المحافل الدولية باعتبارها أحد أدواتها الهامة في المنطقة التي تحمي مصالحها وترعاها.
إن ما حصل هزيمة عربية نكراء بكل المقاييس ، وهذا يعني وبشكل واضح فشل ذريع لكل البرامج السياسية والعسكرية للأنظمة العربية الرسمية ، وعدم توفر الإرادة الحقيقية في ذلك ، وبكل أسف غياب لدور عربي فاعل ومؤثر ينطلق موقف قومي اتجاه فلسطين وقضيتها ، وهذا واضح من خلال كيان غاصب مّرت على إقامته بضع سنوات مقابل أمة عربية لها جذورها وتاريخها وحضارتها وإمكانيات بشرية ومادية هائلة وقفت عاجزة ، وقدمت نصراً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وبتفوق لهذا الاحتلال ، مما أدى إلى وسم جيشه بـ " الجيش الذي لا يقهر " الذي تحطمت مقولته في معركة الكرامة التي شكلت هزيمة مدويّة له ، وكذلك حالة الاحباط العامة التي سادت غداة العدوان وتحميلها المسؤولية للعرب لعدم قيامهم بالواجب المنوط بها .
باعتقادي أن قيادة الشعب الفلسطيني وبكل مكوناته قامت بدراسة واقعية وعملية وتقييم للواقع الفلسطيني المعاش بكل معطياته وتداعيات العدوان الوخيمة على الشعب الفلسطيني والمتمثلة باحتلال أرضه بالكامل ومصادرة ثرواته وموارده الطبيعية وضرب المقدرات العربية التي تُعد من المقومات الأساسية لشعب فلسطين وقضيتها ، مما شكل درساً كان عنوانه أن الشعب الفلسطيني تقع على عاتقه المسؤولية في دحر الاحتلال واسترجاع أرضه والحصول على حقوقه كاملة غير منقوصة ، حيث أدى إلى انطلاق العديد من الفصائل المسلحة ومنها على سبيل المثال : جبهة النضال الشعبي الفلسطيني وعلى قاعدة المثل العربيّ القائل " الارض تحرثها عجولها" في اعادة بناء م.ت.ف وتثويرها واخذت على عاتقها زمام الامور وتحملت المسؤولية في قيادة الشعب الفلسطيني وشكلت انجازا حقيقيا في تاريخه.
إن إسرائيل الدولة القائمة بقوة الاحتلال هي الدولة الوحيدة التي ليس لها حدود واضحة ومحددة وهذا حقيقة نابعة من فكر الحركة الصهيونية القائم على التوسع والاستيطان والابرتهايد والنهب والسلب ، وليس حدود لأطماعها مما يتطلب من المجتمع الدولي أن يقف أمام مسؤولياته ويضع حد لدولة الاحتلال على أن تمتثل للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية ، حيث أن قيام إسرائيل في عام 48 كان مشروطاً بالتزامها بميثاق الأمم المتحدة وبتنفيذ قرار التقسيم 181 الخاص بدولتين وبقرار 194 والخاص بعودة اللاجئين.
بقلم : حكم طالب *
عضو المكتب السياسي لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت