- بقلم : محمد علوش *
بعد الجريمة العنصرية المفرغة التي تمثلت بقتل المواطن الأمريكي الأعزل " جورج فلويد " وفي الولايات المتحدة الأمريكية ، على خلفية عنصرية وطبقية واضحة ، لا مجال لإخفائها ، وتؤكد هذه الجريمة من جديد زيف الادعاء بالديمقراطية ، وزيف حقوق الإنسان والمساواة وتكافؤ الفرص ودولة المواطنة التي تدّعيها إدارة " البيت الأبيض " .
هذه الجريمة المروّعة وما نتج عنها بعد ذلك من ممارسة البطش والتنكيل بالمتظاهرين المحتّجين دليل عملي وملموس ، تم تغطيتها إعلامياً وبالمباشر ، وعلى مرأى ومسمع كل العالم على تثبت بالوجه الصريح تنامي العنصرية والفاشية الجديدة في المجتمع الأمريكي ، والتي تغذيها الإدارة الأمريكية عبر سياساتها وإجراءاتها المستبدة اتجاه الشعب الأمريكي وفق عملية تمييزية واضحة ، أسفرت بعد كل هذه السنوات من الكبت والظلم إلى خروج الشارع الأمريكي عن صمته ، ليخرج مئات الآلاف من الأمريكيين بمظاهرات صاخبة ، ومن مختلف الفئات والقوميات احتجاجاً على ما آلت إليه الأمور في بلادهم .
إن ما يجري من أحداث في الولايات المتحدة هي تجليات حقيقية للفوضى الخلاقة التي حاولت الإدارة الأمريكية تسويقها ونشرها كثقافة شعبوية في العالم العربي ، والتي نتّج عنها صراعات دموية وفوضى " خلاقة " ، أدت إلى تدمير دور ومكانة الدولة الوطنية وانهيار أنظمة حكم عربية وسقوط حكام ورؤساء دول في قبضة شعوبهم ، وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية والجهوية ، وفرض الهيمنة الأمريكية والتدخل العسكري والسياسي المباشر وهناك أمثلة صارخة في هذا المحور ، وتحريض الخلايا النائمة للعبث بمقدرات البلدان ، والاستقواء بالجماعات الإرهابية والتكفيرية التي مارست أبشع أشكال التخريب والإرهاب الظلامي ، وقتل الأبرياء بطريقة بشعة ودموية .
أحداث واضطرابات صاخبة في الولايات المتحدة وبوتيرة متصاعدة ، وهي تؤكد الرفض الشعبي الواسع لتنامي العنصرية والفاشية الجديدة التي غذتها إدارة الرئيس ترامب منذ وصوله إلى السلطة وبشكل غوغائي ، وذلك لا يدع مجالاً للشّك بأن " أمريكا " على مفترق طرق خطير ، وأن الأمور ذاهبة للتصعيد بشكل أكبر ، وسيكون لهذه الأحداث المتواصلة ما بعدها ، وربما ستكون بداية لإحداث تطورات جوهرية ودراماتيكية ملموسة على صعيد النظام السياسي الأمريكي ككل .
على إدارة ترامب أن تستخلص العبر ، وأن تراجع سياساتها الداخلية والخارجية ، ففي الداخل الأمريكي ، اضطهاد وقمع وعنصرية وبوليسية مستشرية ، وفي الخارج ازدواجية معايير وتدخل سافر في شؤون الدول والبلدان في كل مكان في هذا العالم ، في البلدان العربية ، وفي فنزويلا وكوبا وإيران ، وفي القارة الإفريقية ، وفي عداء محموم للصين وروسيا ، ومحاولة العبث معهما في هونج كونج وفي أوكرانيا ، حيث أميط اللثام عن وجه قبيح للهيمنة الأمريكية بفعل عدوانية الإدارة وغباء سياساتها ونفوذها حول العالم وعدوانها للشعوب .
مع كل أمنياتنا بالسلامة للشعب الأمريكي وهو يخوض انتفاضته من أجل التغيير ومن أجل الدفاع عن حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، والنضال من أجل إسقاط نظام العنصرية المتفشي بطريقة رهيبة هناك ، فإننا نأمل أن تحافظ على طابعها السلميّ ، وأن ينخّرط فيها الأمريكيون جميعاً من أجل صون حقوقهم والدفاع عن الحقوق والحريات التي داستها البساطير العنصرية بقرار من سيّد البيت الأبيض الذي سينتهي عهده عما قريب ، إذا ما أصر الشارع الأمريكي الثائر على الانتصار لكرامته التي أهينت من قبل الرئيس الأمريكي عبر سياساته ومواقفه غير المتوازنة التي تعبر عن رجل مريض ، مكانه الحقيقي في " مستشفى المجانين " .
هناك فرصة تاريخية للقوى والأحزاب السياسية والقوى الاجتماعية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والشخصيات الأمريكية من مختلف مشاربها ومنابتها الفكرية والسياسية لأن يكون لها شأن في تغيير جوهري وواقعي في مجمل السياسات الأمريكية ، وإعادة الأمل لشعب الولايات المتحدة التي يثور من أجل التغيير ومن أجل صون الكرامة .
دائماً وقفنا مع الشعوب في حقها العادل والمشروع في الدفاع عن قضاياها ، واليوم وبكل صدق نعبر عن وقوفنا مع مطالب المنتفضين في الولايات المتحدة ضد كل أشكال الظلم والاستبداد واللصوصية والعنصرية .
كاتب فلسطيني
عضو اللجنة المركزية لجبهة النضال الشعبي الفلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت