شدد عبد الناصر فروانة، المختص بشؤون الأسرى، على أن استمرار الاعتقالات الاسرائيلية، وارتفاع أعدادها، وما يُمارس بحق المعتقلين الفلسطينيين من انتهاكات جسيمة وجرائم فظيعة، لم يقود إلى أي نوع من السلام أو الاستقرار في المنطقة، ولن يدفع الشعب الفلسطيني إلى الاستسلام أو التخلي عن حقوقه ووقف مسيرته الكفاحية نحو تحقيق أهدافه المشروعة، وانما عمق من كراهية الفلسطينيين للمحتل وعزّز لديهم شعور الانتقام من السجان وما يمثله، ويدفعهم يومياً الى ساحة الاشتباك والانخراط في مقاومة المحتل بكل مكوناته.
وأكد فروانة في تقرير صدر عنه، يوم الجمعة، في الذكرى الـ53 للنكسة، على أنه لا يمكن للفلسطيني أن يكون مسالما، ما لم يكن حرا، ولا حرية في ظل استمرار وجود الاحتلال، وأن الاعتقالات الإسرائيلية لم ترهب الشعب الفلسطيني، وان من دخل السجون يفخر بنيل هذا الشرف، طالما أن الاعتقال تم على يدي الاحتلال وبسبب مقاومته. وكثيرون هم الذين يعددون بفخر عدد مرات اعتقالهم.
وقال فروانة وهو أسير سابق لأربع مرات: ان الاحتلال الاسرائيلي اعتمد الاعتقالات سياسة ثابتة منذ احتلاله لباقي الأراضي الفلسطينية في الخامس من حزيران عام 1967، وغدت الاعتقالات سلوكا دائما وظاهرة يومية في تعامله مع الفلسطينيين وجزءاً أساسياً من منهجية الاحتلال في السيطرة على الشعب الفلسطيني، والوسيلة الأكثر قمعاً وقهراً وخراباً للمجتمع الفلسطيني.
وتابع: لا يكاد يمضي يوم واحد الا وتسجل فيه اعتقالات والتي تتم وفقا لمجموعة اوامر وإجراءات عسكرية ، حتى غدت الاعتقالات جزءا من حياة الفلسطينيين اليومية ووسيلة اسرائيلية للعقاب الجماعي والانتقام من كل من هو فلسطيني. وفي أحيانا كثيرة استخدم الاحتلال الاعتقال والاحتجاز للإذلال والاهانة، أو للضغط والمساومة والابتزاز.
وأضاف: أن الاعتقالات الإسرائيلية، لم تتوقف يوما، وانما سارت بشكل متعرج منذ "النكسة1967" ومورست بأشكال عدة، وطالت كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني، ومن جميع المستويات والطبقات الاجتماعية، ذكورا واناثا، صغارا وكبارا. فلم تعد هناك عائلة فلسطينية واحدة، إلا وقـد ذاق أحد أفرادها مرارة السجن. وفي حالات كثيرة اعتقلت العائلة بكامل أفرادها. حتى باتت فلسطين بأكملها خلف القضبان، وجميع الفلسطينيين عانوا مرارة الاعتقال، بشكل مباشر أو غير مباشر. ويُقدر عدد حالات الاعتقال في صفوف الفلسطينيين منذ العام1967 _لا توجد احصاءات دقيقة- بنحو (1.000.000) حالة اعتقال، وأن من بينهم (17.000) حالة من الفتيات والنساء والأمهات، واكثر من (50.000) من الأطفال.
واشار فروانة إلى وجود تلازم مقيت وقاسي، بين الاعتقالات والتعذيب، حيث أن جميع من مرّوا بتجربة الاعتقال، من الفلسطينيين، وبنسبة (100%) كانوا قد تعرضوا - على الأقل - إلى واحد من أحد أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي والإيذاء المعنوي والمعاملة القاسية، مما يلحق الضرر بالفرد والجماعة، ويعيق من تطور الإنسان والمجتمع.
وشدد فروانة على سلطات الاحتلال تلجأ إلى الاعتقالات بمعزل تام عن قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وأنها لا تلتزم بالضمانات الخاصة بحماية السكان المدنيين، ولا تلتزم كذلك بالقواعد الناظمة لحقوق المحتجزين وأوضاعهم، وتُصر على معاملتهم وفقاً لقوانينها العسكرية وإجراءاتها الأمنية ورؤيتها السياسية، ومفهومها لهم كـ"مجرمين وإرهابيين" دون الاعتراف بهم كمناضلين من أجل الحرية، مما انعكس سلباً على ظروف احتجازهم داخل السجون والمعتقلات، وحرمانهم من حقوقهم الأساسية وأبسط احتياجاتهم الإنسانية.
واوضح فروانة الى أن تصاعد الاعتقالات واتساعها بعد "نكسة67"، شكّل عاملاً ملحاً لسلطات الاحتلال لإعادة افتتاح وتوسيع سلسلة من السجون، التي ورثتها عن الانتداب البريطاني. كما وتم تشييد سجون ومعتقلات جديدة، بمواصفات وظروف احتجاز أكثر قسوة وأشد حراسة كسجون: بئر السبع وجلبوع وريمون وهداريم والنقب وعوفر وغيرها. مما جعل من فلسطين مليئة ومزدحمة بالسجون والمعتقلات، ولم تعد هناك بقعة في فلسطين التاريخية إلا وأقيم عليها سجنا أو معتقلا أو مركز توقيف.
وقال فروانة: لقد جعل الاحتلال من السجن مكانا لقمع الأسرى والتنكيل بهم وإلحاق الأذى المتعمّد بأوضاعهم الصّحّية، ومؤسسة لردعهم ومحاولة التّأثير على أفكارهم ومعتقداتهم، وإعادة صهر الوعي لجيل من المناضلين الفلسطينيين. فلقد فـرض السجن على الأسرى الفلسطينيين، حياةً لا تطاق: وأن عذاباتها لا تنتهي بمجرد الخروج من السجن، بل تتواصل آثارها إلى ما بعد التحرر، لأنها تورث أسقاما مزمنة في الجسم وفي النفس معاً.
واضاف: وجراء ما تعرض له الأسرى والمعتقلين بعد الاعتقال فإن نحو (223) اسيرا سقطوا شهداء في سجون الاحتلال منذ العام 1967، وأن (73) استشهدوا منهم نتيجة التعذيب، و(68) بسبب الاهمال الطبي و(75) نتيجة القتل العمد بعد الاعتقال، و(7) أخرين بعد اصابتهم برصاصات قاتلة وهم داخل السجن. هذا بالإضافة الى مئات آخرين توفوا بعد خروجهم من السجن بفترات قصيرة متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون جراء التعذيب والاهمال الطبي وسوء المعاملة.
وبيّن انه وبجانب هؤلاء الشهداء فان الكثيرين من الأسرى والمحررين كان السجن سببا رئيسيا في التسبب لهم بإعاقات جسدية ونفسية أو حسية (سمعية وبصرية). ومنهم من لا زال يعاني آثارها على جسده ويعاني منها نفسيا. فيما ما يزال يقبع في السجون الإسرائيلية العشرات من الأسرى ممن يعانون من اعاقات مختلفة.
وفيما يتعلق بعدد الفلسطينيين القابعين حاليا في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فان المعطيات الاحصائية الجديدة تظهر وجود قرابة (4500) اسير موزعين على نحو 23 سجنا ومعتقلا ومركز توقيف، بينهم (170) طفلاً، و(38) فتاة وسيدة، و(7) نواب منتخبين في المجلس التشريعي الأخير، و(400) معتقل اداري، دون تهمة او محاكمة، وعشرات كبار السن واكبرهم الاسير "فؤاد الشوبكي" الذي يبلغ من العمر (81) عاما. حسب المختص فروانة.
وأشار فروانة إلى وجود (51) اسيرا فلسطينيا من بين الأسرى الفلسطينيين معتقلين منذ اكثر من ٢٠ سنة، وأن (29) اسيرا منهم مضى على اعتقالهم 25سنة وما يزيد، و(14) اسيرا منهم معتقلين منذ أكثر من30 سنة، وأقدمهم الأسيران كريم وماهر يونس المعتقلان منذ 38 سنة على التوالي. هذا بالإضافة الى وجود عشرات من الاسرى ممن تحرروا في صفقة وفاء الأحرار "شاليط" واعيد اعتقالهم وابرزهم الاسبر نائل البرغوثي الذي امضى ما مجموعه عن 40 سنة في السجن على فترتين.
وأكد فروانة على أنه وبالرغم من كل ما مُورس بحق الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال، إلا أن الأسرى حافظوا على انتماءهم الوطني وسطروا صفحات مضيئة ونجحوا في انتزاع بعض من الحقوق بفعل نضالاتهم وتضحياتهم، وقدموا نماذج تُحتذى في مقاومة الاحتلال خلف القضبان، وجعلوا من السجون مؤسسة وطنية تصون الهوية الوطنية وتعزز الانتماء للوطن، وساحة للاشتباك و رافدا مهما للثورة والمقاومة. فسجلوا تجارب فريدة ومميزة، حُفرت عميقاً في الوعي الجمعي الفلسطيني.
وأوضح فروانة بأن الاعتقال و الاحتجاز لم يقتصر على الأحياء من الفلسطينيين، وإنما جعلت سلطات الاحتلال من مقابر الأموات "سجنا للموتى"، فاحتجزت مئات الجثامين لغرض الضغط والمساومة، وما زالت تحتجز أكثر من (250) جثمان لشهداء فلسطينيين وعرب، بينهم (5) جثامين لاسرى استشهدوا داخل سجون الاحتلال. في واحدة من أكبر الجرائم القانونية والإنسانية التي تقترفها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.
وفي ختام تقريره وبعد 53 عاما على "نكسة1967"، دعا فروانة الكل الفلسطيني (داخل وخارج السجون) الى:
- وقفة مع الذات وضرورة التعاون والعمل المشترك في إجراء تقييم شامل للمراحل السابقة والحالية بكل أحداثها وتفاصيلها، ووضع رؤية جديدة واعتماد استراتيجية شاملة للتعامل مع كافة ملفات قضية الأسرى والمعتقلين.
- التعاون فيما بين كافة الجهات والمؤسسات لتوثيق تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة بكل ملفاتها، وانشاء موقع الكتروني موحد بلغات عدة، بحيث يشكل مرجعا تاريخيا وتوثيقيا واحصائيا ومعلوماتيا لكل المهتمين والباحثين والمتابعين لقضية الأسرى والمعتقلين، ويخاطب الرأي العام المحلي والاقليمي والدولي. وتشرف عليه نخبة من المختصين، بما يساهم في توسيع دائرة التضامن والدعم والاسناد لقضية الأسرى والمعتقلين ويجعلها قضية رأي عام.
- اعتماد استراتيجية اعلامية تشارك فيها كافة وسائل الاعلام بما يكفل ابقاء قضية الأسرى حية ودائمة الحضور بعيدا عن العشوائية والموسمية.
- تعزيز مكانة ومساحة قضية الأسرى والمعتقلين بملفاتها المختلفة في المنهاج الفلسطيني لكافة المراحل التعليمية، أو ادراجها ضمن الأنشطة اللامنهجية. ورفع درجة الاهتمام الأكاديمي بها، وإدراجها كمتطلب أساسي، ومادة أساسية في بحوث التخرج والرسائل الأكاديمية ضمن خطة متكاملة، تساعد على تسليط الضوء أكثر على ملفاتها وتساهم في توثيق تاريخ الحركة الأسيرة.
- العمل الجاد والتحرك الحثيث والفاعل من أجل تحرير الأسرى بكل الطرق والوسائل الممكنة والمتاحة والمشروعة بما يحقق حريتهم ويكسر قيدهم ويقصر فترة معاناتهم وسنوات سجنهم.
- العمل على جعل الاعتقالات مشاريع خاسرة لدولة الاحتلال، والضغط بأدوات مشروعة تكون أكثر إيلاما ووجعا للاحتلال.
- اللجوء الى الآليات الدولية والضغط على مؤسسات المجتمع الدولي ذات العلاقة كي تتحمل مسؤولياتها وتتدخل لإنقاذ الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي وتوفير الحماية لهم.