صعدت السلطة الفلسطينية خطواتها ضد إسرائيل بإعلانها وقف استلام عائدات الضرائب الفلسطينية بموجب قرارها الأخير التحلل من الاتفاقيات الثنائية مع الحكومة الإسرائيلية.
وجاءت الخطوة بعد أن أوقفت السلطة الفلسطينية كافة أشكال التنسيق الأمني والمدني مع إسرائيل، احتجاجا على الخطة الإسرائيلية لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية بما فيها المستوطنات.
وتشكل هذه التطورات الدراماتيكية غير المسبوقة تحديا رئيسيا لاستقرار الأوضاع الأمنية في المرحلة المقبلة ومصير السلطة الفلسطينية نفسها التي تعاني أصلا من أزمة مالية منذ سنوات، بحسب مراقبين فلسطينيين.
تفعيل لأوراق الضغط
يقول وزير التنمية الاجتماعية في الحكومة الفلسطينية أحمد مجدلاني، لوكالة أنباء "شينخوا"، إن رفض استلام أموال عائدات الضرائب "جزء من القرار السياسي الفلسطيني بالتحلل من الاتفاقيات مع إسرائيل".
ويضيف مجدلاني "رغم الصعوبات المالية التي سنواجهها إلا أن القرار السياسي هو الأهم بالنسبة لنا، ونحن لم نغلق الباب أمام العودة للمفاوضات مع إسرائيل في إطار مؤتمر دولي وفق قرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية".
إذ من المرجح أن تتسبب خطوة رفض السلطة استلام تحويلات الإيرادات الضريبية بصعوبات اقتصادية واسعة في مرحلة حساسة للسلطة الفلسطينية التي تواجه مصاعب أزمة مرض فيروس كورونا وما خلفته من أضرار.
وتوقع البنك الدولي الأسبوع الماضي أن الاقتصاد الفلسطيني يمكن أن ينكمش بنسبة تصل إلى 11 في المائة في العام الجاري وأن تزيد فجوة التمويل للسلطة الفلسطينية أكثر من 1.5 مليار دولار في هذه الفترة.
ويعقب مجدلاني بأن السلطة الفلسطينية ستعتمد في هذه المرحلة على الموارد الداخلية وتقنين أولوية للصرف على الأولويات، مشيرا إلى أنه هذه ليست المرة الأولى التي تتفاقم فيها الأزمة المالية للسلطة.
والعام الماضي رفضت السلطة الفلسطينية استلام أموال عائدات الضرائب لعدة أشهر، احتجاجا على اقتطاع إسرائيل مبالغ منها عقابا على صرف رواتب شهرية لعائلات الأسرى والقتلى الفلسطينيين.
ووفقا لاتفاقيات أوسلو الموقعة عام 1993 بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، تجمع إسرائيل الضرائب للفلسطينيين وتحولها بعد ذلك إلى وزارة المالية الفلسطينية.
ويبلغ معدل عائدات الضرائب نحو 700 مليون شيكل شهريا (الدولار الأمريكي يساوي 3.5 شيكل) تقتطع منها إسرائيل حوالي 200 مليون شيكل مقابل خدمات يستوردها الجانب الفلسطيني من إسرائيل، خصوصا الكهرباء.
وتشكل عائدات الضرائب حوالي 60 في المائة من إجمالي الإيرادات العامة للحكومة الفلسطينية التي تواجه انخفاضا حادا في إيراداتها نتيجة توقف الأنشطة الاقتصادية بسبب أزمة مرض فيروس كورونا مع تراجع الاستيراد والاستهلاك بنسبة 50 في المائة على مدى الأشهر الثلاثة الماضية.
مرحلة كسر عظم
ويبرز اقتصاديون فلسطينيون أن السلطة وجدت في عدم استلام عائدات الضرائب وسيلة ضغط سياسي وأمني على إسرائيل، فضلا عن أن الخطوة تعد ترجمة فعلية لقرار التحلل من الاتفاقيات كونها لن تستلم الأموال بدون تدقيق في ظل وقف التنسيق المدني والأمني الثنائي.
وتشكل أموال عائدات الضرائب موردا حيويا للسلطة الفلسطينية ووقف تسلمها سيهدد قدرة الحكومة على رواتب الموظفين في القطاع العام والتزاماتها تجاه القطاع العام، بحسب المحلل الاقتصادي من الضفة الغربية طارق الحاج.
ويقول الحاج لوكالة "شينخوا" إن "الوضع الاقتصادي الفلسطيني صعب جدا بسبب تأثره بالوضع الاقتصادي العالمي والضغوط المالية التي قلصت بحدة المساعدات عن الفلسطينيين وخاصة مع أزمة مرض كورونا".
ويضيف أن "عدم استلام أموال عائدات الضرائب سيؤثر على قطاع مهم من قطاعات العمل الفلسطيني، وهو قطاع الموظفين العموميين (يقدر عددهم بأكثر من 160 ألف في الضفة الغربية وقطاع غزة) والتي تعتمد فاتورة رواتبهم على 70 في المائة من عائدات الضرائب".
ويشير الحاج إلى أن ذلك سيدفع لخسارة السوق الفلسطينية نحو 200 مليون دولار شهريا، ما سيؤدي إلى تراجع حاد في القدرة الشرائية التي سوف تتلاشى وبالتالي الحركة التجارية ستتأثر بشدة وتهديد الوضع الفلسطيني بالكساد الاقتصادي الشامل وقد تدفع الأمور إلى مرحلة كسر العظم.
خطر انهيار السلطة
وحذرت مصادر أمنية إسرائيلية من أن تفاقم الأزمة الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية قد يؤدي إلى اندلاع انتفاضة جديدة وتوتر شامل للأوضاع الميدانية، بحسب ما نشرت صحيفة "هآرتس" العبرية.
وذكرت الصحيفة أن ممثلي أجهزة الأمن الإسرائيلية حذروا مؤخرا في نقاشات مغلقة مع المستوى السياسي من مخاطر الأزمة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية ما يهدد بتصعيد الوضع الأمني وتقويض حالة الهدوء النسبي في السنوات الأخيرة.
ويعتبر مدير مركز "ماس" للأبحاث الاقتصادية في رام الله سمير عبدالله، أن احتمال خطر انهيار السلطة الفلسطينية يزيد منذ أعوام بفعل الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها إسرائيل وتنصلها من الاتفاقيات الموقعة.
ويقول عبدالله لوكالة "شينخوا" إن تصاعد الأزمة الاقتصادية للسلطة الفلسطينية يهدد بتراجع خطير لمعدلات النمو الاقتصادي، ومن شأنها تقويض ما تم إنجازه على صعيد بناء المؤسسات الفلسطينية وزيادة معدلات الفقر في صفوف الفلسطينيين.
ومؤخرا قدرت الحكومة الفلسطينية بأنه حتى نهاية مايو الماضي يتوقع أن ينضم نحو 100 ألف عائلة فلسطينية إلى دائرة الفقر، في وقت من المتوقع أن يتراجع الناتج المحلي الفلسطيني بنحو 13.5 في المائة هذا العام مقارنة مع العام 2019.
ولسنوات اعتمدت السلطة الفلسطينية على تلقي مساعدات مالية من الدول العربية ومن دول أوروبية، لكن التقديرات تفيد بتراجع كبير في حجم المساعدات بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن أزمة مرض كورونا.
وينبه عبدالله إلى أن تفاقم أزمة عدم صرف الرواتب للموظفين الحكوميين في ظل التراجع الكبير في أعداد العاملين الفلسطينيين في إسرائيل بفعل أزمة كورونا يهدد بركود اقتصادي كبير كون السوق الفلسطينية تعتمد على الموظفين والعمال.
ويعتبر أن الغرب وإسرائيل يدركان جيدا أن استمرار تصاعد الأزمة المالية للسلطة الفلسطينية وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها الحياتية سيعنى تفريغها من مضمونها وتقويض مكانتها بما قد يقود لانهيارها تدريجيا.