- د. أسامه الفرا
تعقيب المتحدث الرسمي بإسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم، حول رفض الحكومة إستلام أموال المقاصة عن شهر أيار الماضي لإشتراط اسرائيل إعادة التنسيق معها، والتأكيد على إلتزام الحكومة بتنفيذ قرار القيادة بوقف كافة أشكال التنسيق مع إسرائيل، واضح ولا يحتاج تعقيب ولا يقبل تأويل مضمونه، ولا يمكن لنا إلا أن نثني على قرار الحكومة ونشد على يدها، والمؤكد أن الفترة القادمة سشهد جدلاً كبيراً داخل الساحة الفلسطينية حول مفهوم التحلل من كافة الاتفاقيات مع أمريكا واسرائيل التي أعلن عنها الرئيس والخطوات المطلوب تنفيذها على الأرض ترجمة لذلك، سيما وأن البعض ممن يتجاهل الواقع الفلسطيني بتعقيداته سيجد في بعض السلوك المرتبط بتسيير الأمور الحياتية تراجعا عن التحلل من الاتفاقيات.
الحقيقة أن القيادة الفلسطينية لا يمكن لها بين عشية وضحاها إلغاء كل الاتفاقيات وكأنها لم تكن، وليس مطلوب منها أن تفعل ذلك خاصة وأنها ستجد نفسها مضطرة للتعامل مع بعض ما جاء في تلك الاتفاقيات، فعلى سبيل المثال رفض السلطة لاستلام أموال المقاصة جاء بسبب الشرط الإسرائيلي بإعادة التنسيق معها، وفي حال تراجعت اسرائيل عن شرطها ذلك فمن الطبيعي أن تتسلم السلطة أموال المقاصة، ولا يمكن لعاقل أن يطالبها بغير ذلك بإدعاء أن المقاصة جاءت ضمن اتفاقية باريس الاقتصادية والتي تأتي على رأس الاتفاقيات المطلوب التحلل منها، فأموال المقاصة هي أموال فلسطينية ولا تمن اسرائيل علينا بها بل تقوم باستقطاع 3% من القيمة المضافة والجمارك نظير جبايتها، ناهيك عما تمثله أموال المقاصة والتي تتراوح بين 60_70% من ايرادات السلطة.
التحلل من الاتفاقيات لا يعني أيضاً توقف السلطة عن متابعة التصاريح مع الجانب الاسرائيلي المتعلقة بالآلاف من العمال الذين يعملون داخل الخط الأخضر، لأن السلطة إن تخلت عن دورها هذا سيتجه العمال مباشرة إلى "بيت ايل" والذي فيه تكريس ليس فقط للضم بل ولدور المنسق الاسرائيلي في المناطق الفلسطينية، ومن الصعوبة أن تطالب السلطة العمال بعدم التوجه إلى عملهم داخل الخط الأخضر لغياب البديل من جهة ولتفاقم الأزمة الاقتصادية من جهة ثانية، حيث يشير تقرير البنك الدولي إلى انكماش في الاقتصاد الفلسطيني يصل إلى 11% لهذا العام واتساع الفجوة التمويلية في الموازنة العامة للسلطة والتي قد تصل إلى 1,5 مليار دولار.
إن كنا جميعاً نتفق على ضرورة تنفيذ قرار وقف التنسيق الأمني وأن نطوي صفحته سيئة السمعة، وألا نخضع تحت أي شكل من أشكال الابتزاز الاسرائيلي للعودة عن ذلك مهما كانت الكلفة، خاصة وأن التنسيق الأمني هو أكثر ما تحتاجه اسرائيل من اتفاقياتها مع السلطة، ولدينا القدرة على فعل ذلك وتحمل تبعاته، إلا أن الأمر مختلف فيما يتعلق بالشؤون الحياتية وتعقيداتها والتي تتطلب منا التعامل معها بخطة ممنهجة وإن إمتدت تفاصيلها زمنياً إلى أن توصلنا إلى الانفكاك الكلي عن الاحتلال، إن التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية تحتم علينا التعامل بدقة مع كافة التفاصيل بعيداً عن الغوغائية والمزايدة، وكي لا نقع في متاهة التشكيك ودوامة تبادل الاتهامات علينا أن نجمع حول مفهوم التحلل من الاتفاقيات، وكي نمضي بثبات للتخلص من كل الإلتزامات التي تضمنتها الاتفاقيات وتلحق الضرر بنا علينا أن نتخذ خطواتنا بعناية بعيداً عن اسلوب الاجتهاد ولغة العنتريات، لأن أسوأ ما يمكن أن نفعله أن نتخذ خطوة ثم نتراجع عنها.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت