القطاع الخاص والفرصة الضائعة

بقلم: كايد ميعاري

كايد ميعاري
  • كايد ميعاري

مع كل أزمة وتحدي تُخلق فرص للجهات ذات العلاقة، وهذا ينطبق تماما على جائحة كورونا التي عايشها العالم ومن ضمنها فلسطين. إلى حد ما، نجحت عدة أطراف في الاستفادة من الأزمة لتحسين صورتها أو ترسيخ انطباعات معينة لدى الجمهور وأهم هذه الجهات كانت الحكومة الفلسطينية والأجهزة الأمنية والجهاز الطبي الفلسطيني من خلال الإجراءات الصحية المبكرة، وإدارة الاتصال خلال الازمة مع الجمهور بشكل ناجع.

وللمفارقة، فإن " القطاع الخاص" عادة ما يكون الأكثر قدرة على اغتنام الفرص، وهو ما لم يحدث خلال جائحة " كورونا" حتى الآن. وهذا يمكن تلمسه من خلال نبض المواطن الفلسطيني الذي يشعر بخذلان ناجم عن قصور عشرات الشركات الكبرى في حمل مسؤولياتها تجاه التداعيات الاقتصادية الناشئة عن جائحة كورونا.

ولابد من الإشارة هنا، إلى أن معظم الشركات المسجلة في فلسطين هي شركات عائلية صغيرة كانت الأكثر تأثرا بالجائحة، بينما تقل حدة الازمة في الشركات من نوع المساهمة العامة، والشركات الكبرى التي حققت أرباحا تصل إلى 2 مليار دولار خلال السنوات الثماني الماضية ولم ينعكس ذلك على حجم اسهاماتها المجتمعية إن اخذنا صندوق " وقفة عز نموذجا" الذي كان من المتوقع أن يجمع قرابة 20 مليون دينار فيما لم يجمع سوى 50% منها حتى اللحظة.

هذا الواقع، سلط الضوء مجددا على دور هذه الشركات ومسؤوليتها المجتمعية أمام ما تحققه من أرباح وتسهيلات يوفرها قانون رقم (1) لعام 1998 وتعديلاته لتشجيع الاستثمار بما يشمله من إعفاءات ضريبية وتسهيلات أخرى يمكن قراءتها وتحليلها بشكل موسع في مساحات أخرى.

لا مجال للشك، بالدور الجوهري للشركات الكبرى في الاقتصاد الفلسطيني لما توفره من إمكانات وفرص تشغيلية، ويمكن تفهم الهدف الربحي لهذه الشركات كغيرها من الشركات في كل دول العالم، لكن ما لا يمكن تفهمه القبول بفكرة الحد الأدنى من المساهمة المجتمعية في الأزمات، والاكتفاء بما توفره هذه الشركات من فرص عمل او استثمارها بفلسطين عوضا عن عواصم عربية أو دولية أخرى وتحمل المخاطرة المالية بسبب وجود الاحتلال. ذلك لان الاستثمار في فلسطين بالنسبة لهذه الشركات يعتبر واجبا وطنيا أقل خطورة عن غيره من أشكال النضال الفلسطيني. كما أنه استثمارا يدر ربحا منطقيا إذا ما قورن بحجم رأس المال المستثمر.

نجح القطاع الخاص في المملكة الأردنية بحصد السمعة الإيجابية من المواطنين عقب تجاوز صندوق " همة وطن" حاجز 80 مليون دينار ولذلك عدة أسباب تتعلق بوجود اليات ملزمة للقطاع الخاص هناك بالتبرع على العكس من فلسطين التي يعتبر التبرع فيها طوعيا 100%.

بكل تأكيد ساهمت الية وهيكلية بناء مجلس إدارة صندوق وقفة عز بتقليص قدرته في الوصول الى مبتغاه حيث قامت فكرة الصندوق وفق معادلة "من القطاع الخاص للقطاع الخاص" دون إدماج فعلي لقطاعات أهلية وغير حكومية ومجتمعية كان من شأنها تشكيل إضافة نوعية وخلق عمق مجتمعي أكبر للصندوق كمًا ونوعا. وقد تشكل هذه الحالة فرصة لإعادة تقييم الدور التكاملي لمكونات المجتمع المدني الفلسطيني الخاصة والأهلية والتعليمية والفصائلية بما ينعكس إيجابا على المبادرات والأفكار التطويرية في فلسطين.

إن الشركات الكبرى كانت امام فرصة ذهبية لتثبت لجمهورها أنها من ضمن العائلة، ومصيرها من مصيرهم بما يحسن سمعة الشركات، ويزيد احتضان المستهلك لها مما يعظم من أرباحها وقدرتها على المنافسة مستقبلا. إضافة إلى دورها في خلق استقرار اجتماعي واقتصادي يعود بالنفع والفائدة على الشركة والمجتمع على حد سواء وأقل كلفة كذلك من الحملات الإعلانية التي تنظم لهذا الغرض.

ومن المهم بمكان الإشارة، إلى ضرورة إعادة صياغة العلاقة ما بين النظام السياسي والقطاع الخاص بما يضمن هامشا أكبر من العدالة في حجم المسؤولية المجتمعية وفقا للأرباح، وكذلك وضع سلم أولويات وطنية لمجالات الاستثمار بهذه الأرباح وطنيا وليس خارجيا. كما يجب أن يكون هناك مجموعة من التدابير والسياسات الناظمة لفكرة المسؤولية المجتمعية بأبعادها التكافلية، والتنموية، والسمعة من خلال مأسسة هذه المساهمات بنسب عادلة ملزمة استنادا لقانون وهيئة وطنية تشرف عليه ليكون بمثابة خزان لأي أزمات أو خطط تطويرية للاقتصاد الفلسطيني.

 

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت