- بقلم علي بدوان
قامت حياة الناس في مخيم اليرموك وعموم التجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية بالكَدِ والتعب المُضني، فقد حفروا بأظافرهم مشوار حياتهم بعد إقتلاعهم من ارض الأباء والأجداد في فلسطين عام النكبة، وهو الإقتلاع الوطني والقومي الذي لم يشهده تاريخ البشرية من قبل سوى في حالة (الهنود الحُمر) في الأمريكيتين، وسكان أستراليا ونيوزلنده الأصليين، عندما أُبيدت أمة بكاملها على يد المُستعمرين البيض، وهو ما أرادوه للشعب العربي الفلسطيني كي يصبح مصيره كمصير الهنود الحُمر أخرين، مصير الشعوب الأصلية في بلادها.
قامت حياة الناس من لاجئي فلسطين في سوريا، بمُعجزات الكَدح اليومي، والشقاء المُضني لشعبٍ فَقَدَ كل مايملك مع وقوع نكبته الكبرى، فأضطرت قطاعات منه للخروج من أرض فلسطين التاريخية بإتجاه دياسبورا المنافي والشتات، في بلدان الطوق العربية، ومنها سورية، الشقيق التوئم للشعب الفلسطيني، والحاضنة لبلاد الشام.
لم تكن النكبة خياراً طوعياً أو حتى إجبارياً بالمعنى المُجاز، بل كانت مُحصلة لعملية سياسية إستعمارية كولونيالية مُعقدة إستمرت لسنوات طويلة منذ الإنتداب البريطاني على فلسطين وتقسيم بلاد الشام وسورية الطبيعية، وكان الشعب العربي الفلسطيني ضحيتها، وكانت مجمل المنطقة العربية ضحيتها أيضاً.
وفي تلك السنوات المظلمة من دياجي النكبة، كانت (الحيلة والفتيلة) أمام فلسطينيو سوريا تتمثل بالبحث عن سُبِلِ البقاء والحياة والنهوض مرة جديدة كما ينهض طائر الفينيق من بين الرماد أكثر قوة وأكثر تصميم.
كانت (الحيلة والفتيلة)، هي فلسفة الشعب الفلسطيني، قبل أن تكون مثلاً شعبياً متداولاً. فـ (الحيلة والفتيلة) هنا تتجسد في البحث عن الحد الأدنى من سُبِلِ البقاء من أجل الوقوف والنهوض من جديد.
وبـ (الحيلة والفتيلة) بنى فلسطينيو سوريا تاريخ حياتهم، وعمرهم الشقي، وبنوا مخيم اليرموك الذي بات عاصمة فلسطينيي الشتات. ولم يَدَعوا مَسرباً وطريقاً نحو الحياة الحرة الكريمة على دروب مشوارهم اليومي إلا وطرقوه، وكما يقال أيضاً، بحثوا عن كل شيء بـ (السراج والفتيلة) فكان ماصنعوه ... ولكن أين أصبحوا الآن، بعد محنتهم الأخيرة... فهل من نداء وطني، وقومي، وإنساني، وأخلاقي عميق، ومتحضر، وعاقل، وبعيد عن التوتر وعن الأصوات الموتورة، يعيد قراءة فاجعة فلسطينيو سوريا، ويقدم رؤية مُحترمة لقضاياهم وحياتهم بدلاً من روحية الرعاع والغوغاء، روحية الموتورين .. الذين إنتعشوا في مسارب الأزمة.
بعد النكبة الثانية لفلسطينيي سوريا عليهم البحث من جديد عن الحيلة والفتيلة بسراج و فتيلة لعلهم لا يبدؤون من تحت الصفر.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت