- محمد السهلي
من الطبيعي أن تقلق حكومة نتنياهو من الاعتراضات الأوروبية المتصاعدة على مخطط الضم، والتحذيرات التي تلقتها على لسان الاتحاد الأوروبي عبر وزير الخارجية الألماني الذي زار إسرائيل مؤخرا. وينتابها القلق أيضا من تصريحات شخصيات مسؤولة في الحزب الديمقراطي الأميركي ترفض الضم وتعتبره مضرا بالمصالح الأميركية، ويتحول القلق إلى هواجس مع التظاهرات التي تشهدها الولايات المتحدة على خلفية مقتل المواطن الأسود جورج فلويد على يد الشرطة، واحتمال خسارة ترامب في الانتخابات الرئاسية القريبة. يضاف إلى ماسبق، التظاهرة الحاشدة التي شهدتها تل أبيب مؤخرا رفضا للضم.
هذا يعني بالنسبة لنتنياهو أمرا واحدا فقط هو الإسراع في تنفيذ المخطط، وتكريسه واقعا يفرض نفسه على الأرض وعلى مواقف الآخرين، في سباق محموم مع أية تطورات يمكن أن تضع العصي في عجلات مشروعه.
يمكن القول إن تسليط الضوء في مواقف الاتحاد الأوربي على موضوعة الضم، وتصريحات «الديمقراطي» الأميركي حول ذلك تعاكست مع تقديرات نتنياهو بأن الإنشداد الدولي والإقليمي بتداعيات انتشار فيروس كورونا ستسهل تمرير الخطوات التنفيذية للضم.ومع اتساع المواقف الرافضة لهذا المخطط، اعتمد نتنياهو في مواصلة تنفيذ مشروعه الاستعماري عددا من الأساليب المتكاملة:
• تسريع إجراءات الضم، حيث ستبت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست قريبا في إجراءات الضم وفرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات والأغوار وأجزاء من الضفة الغربية المحتلة قبل الموعد المحدد لبدء هذه الإجراءات في الأول من تموز/ يوليو المقبل، كما أعلن نتنياهو سابقا، وكما نص اتفاق الائتلاف الحكومي. وهنا، وفي تبرير للتعجيل، يرى تسفي هاوزر، رئيس اللجنة أن الكنيست «لا تخضع لهذه الاتفاق، وهي مستقلة لمناقشة القضية في أي وقت تريده». ويرى قادة الليكود وأطراف معسكره أن ترسيم هذه الإجراءات في الكنيست عبر تشريع قانون يمكِّن من تسريع عملية الضم، لأن هذه الاجراءات ستنفذ باعتبارها من موجبات «السيادة» بما في ذلك، عمليات هدم المنازل الفلسطينيين ومصادرة أراضيهم في المناطق الخاضعة للضم ونقل ملكيتها إلى المستوطنين.إلى جانب ذلك، تثبيت ملكية بنية الاستيطان لصالح دولة الاحتلال ومستوطنيها. وقد ورد في تقرير إسرائيلي أن مخطط الضم سيؤدي في سياق تنفيذه إلى تسجيل 100 ألف شقة استيطانية في «الطابو»، كملك للمستوطنين.ومن مؤشرات التسريع بالضم، الشروع ببناء بنية تحتية كهربائية، ومائية وشوارع في غور الأردن، وهدم مبان سكنية للفلسطينيين في منطقة أريحا.
• اللجوء إلى المناورة، عبر اعتماد خطاب تضليلي يحاول التمويه على خريطة الضم الفعلية، وهي رسائل متعاكسة في مضمونها بحسب العنوان المرسلة إليه. فقد نشر الإعلام الإسرائيلي تصريحات لمسؤولين في الليكود قالوا فيها إن «نتنياهو سيعلن عن ضم المدن (المستوطنات) الكبرى، معاليه أدوميم وأريئيل، ومنطقة غوش عتصيون، لكنه سيتنازل عن فرض السيادة على غور الأردن وباقي مناطق يهودا والسامرة(الضفة الغربية المحتلة)»، وهذا يعني أنها رسالة إلى المجتمع الدولي ورافضي الضم من الإقليم.
فيما وجه نتنياهو رسالة إلى المستوطنين عبر تصريحات لأقطاب الليكود يستبعدون فيها أن «تنفذ خطة الضم في حال لزم الأمر اعترافا بدولة فلسطينية».وأن الحديث في الكنيست والحكومة «لا يدور عن إقامة دولة فلسطينية بل عن فرض السيادة الإسرائيلية فحسب».وتتزامن هذه االتصريحات مع استمرار معارضة رؤساء مجلس المستوطنات للصفقة.
• وفي هذا المجال، تدخل إدارة ترامب على الخط من زاوية استحضار عنوان«الرباعية الدولية» ومجلس الأمن الدولي في سياق دعوتها مؤخرا لاستئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لكن على أساس «الصفقة». وهي هنا تحاول خلط الأوراق ومنح حكومة نتنياهو المزيد من الوقت والتخفيف من الضغوط الموجهة إليها كي تواصل إجراءات الضم. وهي على كل حال دعوة ملغومة بالموافقة على «الصفقة» كأساس لـ«الحل».
وقد لفت الانتباه مؤخرا بعض التصريحات من فريق ترامب تتحدث عن إمكانية الموافقة على«ضم محدود ومعقول».وتأتي هذه التصريحات بعد ساعات من زيارة وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، لكل من إسرائيل والأردن. وحاولت هذه التصريحات الإيحاء بأنه «حتى الآن لم يتم رسم خريطة نهائية للضم».
• يضع نتنياهو غريمه السابق بيني غاتس كوزير للأمن في مقدمة مشهد يرسم صورة الموقف الموحد داخل الحكومة من مخطط الضم.وعلى الرغم مما تحدثت عنه وسائل إعلام عبرية عن تباين بين «الليكود» و«كاحول لافان» حول توقيت الضم، إلا أن غانتس أوعز لجيش الاحتلال بأن يبقى بجاهزية تامة لـ«التعامل» مع أية ردات فعل فلسطينية عملية في سياق رفض المخطط.
لقد أدى الإعلان عن الشق السياسي لصفقة ترامب ـ نتنياهو وخاصة فيما يتعلق بمخطط الضم إلى بروز ردات فعل دولية وإقليمية أشد مما كان يحصل مع كل خطوة عدوانية كان يتخذها ترامب ضد الحقوق الفلسطينية، وهي المرة الأولى التي يتباين فيها موقفا الحزبين الأميركيين «الجمهوري» و«الديمقراطي» من سياسة الحكومة الإسرائيلية بشأن التسوية إلى هذا الحد، وبحيث بات هذا التباين جزءا من الخطاب الانتخابي لكل منهما على أبواب الانتخابات الرئاسية. ويمكن القول إن التجاذب بينهما في هذا الشأن مرشح للتصاعد، وخاصة أن قيادة الحزب الديمقراطي تقرأ بتعمق ردات الفعل الأوروبية والإقليمية وفي داخل إسرائيل من مخطط الضم، وربما تسعى لأن تشمل هذه المعارضة المتسعة سياسات إدارات ترامب بما يتجاوز ملف التسوية في الشرق الأوسط باتجاه ملفات دولية متعددة، وهو عنصر مهم بالنسبة لمرشح الحزب الديمقراطي عندما يتناول بالنقد السياسات الخارجية لإدارة ترامب في سياق المعركة الانتخابية القريبة.
هذا لايعني أن الحزب الديمقراطي يملك مفتاح الحل المتوازن والشامل للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي. فمن نافل القول إن الإدارتين الديمقراطية والجمهورية تناوبتا عقودا على إقصاء قرارات الشرعية الدولية وتنكرتا للحقوق الوطنية الفلسطينية وانحازتا لمصالح الاحتلال وسياساته التوسعية.
ويبقى الحل الذي ينشده الفلسطينيون مرتبط بتنفيذ القرارات الأممية ذات الصلة عبر مؤتمر دولي في إطار مرجعية الأمم المتحدة، والذي يؤدي إلى عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها منذ العام 1948، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بحدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت