اليرموك "واليونسكو" وقاعة جمال عبد الناصر ... وسينما النجوم

بقلم: علي بدوان

سينما النجوم
  • بقلم علي بدوان

لم تكن سينما النجوم في مخيم اليرموك، الكائنة منتصف شارع فلسطين وعلى الساحة مباشرة، سوى قاعة "يونسكو" الموازية للقاعة الأصلية (اليونسكو) في بيروت، ومعها قاعة جامعة بيروت العربية، التي كانت كليهما قاعتي المهرجانات والإحتفالات السياسية لعموم الفصائل الفلسطينية، وقوى الحركة الوطنية اللبنانية قبل منتصف العام 1982.

صالة سينما النجوم، باليرموك، لم تكن االصالة السينمائية العادية التي تَعرض الأفلام العربية والأجنبية، بل كانت طوال سنواتها منذ بنائها عام 1962 مركزاً سياسياً وتعبوياً، فلسطينياً بإمتياز، إنطلاقاً من دورها في إحتضان المهرجانات الوطنية الفلسطينية التي كانت تقيمها عموم الفصائل والفعاليات الفلسطينية. حيث شهدت صالة السينما المذكورة المئات من تلك الفعاليات، والتي شاركت بها قيادات الصف الأول من الثورة الفلسطينية المعاصرة وعلى رأسها الرئيس الراحل ياسر عرفات والدكتور جورج حبش وغيرهم.

كانت دور صالة النجوم في هذا المجال شبيهاً لحد كبير بدور قاعة الرئيس جمال عبد الناصر في جامعة بيروت العربية، ودور قاعة اليونسكو... مركزاً فسيحاً لمهرجانات وطنية، ومكاناً لإعلانات سياسية لمواقف مُحددة في مسار العمل الوطني الفلسطيني، خصوصاً في سنوات النهوض الكبير في العمل الفلسطيني.

كانت سينما النجوم، الصالة شبه الوحيدة في مخيم اليرموك، فقد كان قبلها سينما الكرمل لأصحابها من عائلة (أبو غيدا) الفلسطينية من طيرة حيفا والتي بدأت العمل عام 1960 وأغلقت عام 1973، حيث كانت أولى تلك الفعاليات تقام في صالة سينما الكرمل بسبب من إتساعها أولاً، ولوجود بلكون يتسع لمقاعد اضافية كانت تخصص للنساء فقط ثانياً. لكن إغلاق تلك السينما أدى لنقل الفعاليات في المرحلة التالية لصالة سينما النجوم.

 سينما النجوم أصحابها دمشقيين، تراجع دورها في السنوات الأخيرة، فباتت الساحات المكشوفة كساحة النادي العربي الفلسطيني، ومدينة فلسطين الرياضية بمدرجها وملعبها الكبير، وساحة الوسيم قرب مسجد الوسيم وسط شارع اليرموك، هي الأنسب والأفضل لإقامة الفعاليات الوطنية الفلسطينية، فضلاً عن المركز الثقافي العربي في اليرموك، وهو مركز حكومي تابع لوزارة الثقافة السورية، وهو في حقيقته أكبر مركز ثقافي في سوريا من حيث مساحة البناء الطابقي، وتعدد قاعاته، ووجود مدرج يتسع لنحو (500) مقعد، ومن حيث تجهيزاته الفنية المتنوعة. وحتى من حيث نشاطاته قبل محنة اليرموك الأخيرة. فيما كانت قاعة مركز الشهيدة حلوة زيدان مخصصة للندوات السياسية الحوارية والمؤتمرية وغيرها.

ذكريات الإحتفالات الوطنية في صالة سينما النجوم، تحتاج لسرد طويل، ولي شخصياُ باع كبير بها، من موقعي السابق في الجهة الفصائلية التنظيمية التي كنت أنتمي إليها، في إدارة تلك الفعاليات والمهرجانات والإعداد لها، وفي تأمين تغطيتها الإعلامية على وجه الخصوص.

وهنا أستميح الناس عذراً عندما أتحدث عن نفسي بإعتباري كنت الجندي المجهول في العمل الدعاوي والإعلامي لتغطية أغلب تلك الفعاليات وإيصالها ليس للمنابر الإعلامية المحلية بل للمنابر الإعلامية العالمية من إذاعات ووكالات أنباء وخصوصاً منها (وكالة الصحافة الفرنسية + وكالة رويتر البريطانية + وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية + وكالة يونايتدبرس الأمريكية)، وصحف ومطبوعات عربية وأجنبية في وقت لم يكن فيه وجود لعالم الإعلام الفضائي. حيث كنت أعتمد في عملي على مجهودي الخاص المرفق بالحرفية والمهنية، في تلك التغطيات وفي إيصال المادة الإعلامية وضخها لوكالات دولية لم يكن لها من وجود أو مكتب بدمشق كوكالة الأسوشيتدبرس ويونايتدبرس، وهذا سر المهنة  وحرفية العمل كما يقال.

وهنا أورد مثالاً بسيطاً، ففي إحدى المهرجانات المركزية للجهة التي كنت أنتمي اليها في شباط/فبراير 1994، وكان مقرراً للمهرجان أن يبدأ الساعة الرابعة بعد الظهر، حين كنت قد قمت وبلغة الإنتهاء من المهرجان، بإعداد مادة سياسية مختصرة ومفيدة وفيها الجديد لما أعلنه قائد التنظيم، وقمت بتوزيع محدود ومحصور لها على بعض الوكالات الدولية والإذاعات العالمية بواسطة الفاكس قبل بدء المهرجان بوقت جيد، لتقوم تلك الجهات ببث الخبر كاملاً قبل بدء المهرجان بما في ذلك إذاعة مونتي كارلو التي كانت تلعب دور الفضائيات في الوقت الراهن من حيث حضورها وسطوتها عند عموم الناس، حيث بثت الخبر على نشرتها الرئيسية على الساعة الثانية أي قبل بدء المهرجان بساعتين، فعاد الكثير ممكن كان سيحضر المهرجات لمنزله معتبراً أن المهرجان قد أنتهى، وهكذا كنت قبل الحدث في هذا المجال من العمل الإعلامي الإحترافي.

فعاليات سينما النجوم الوطنية الفلسطينية، شهدت على الدوام مشادات ومشاكل كما هي العادة أثناء سيرها أو بعد إنتهائها في صالة السينما، كان منها في فترة وقوع خلافات حادة بين الصين وفيتنام ووقع إشتباكات حدودية بينهما، حيث إنسحب سفير جمهورية الصين الشعبية في مهرجان أقيم عام 1979 في صالة سينما النجوم محتجاً وبصوته العالي على ما أورده قائد ذاك التنظيم اليساري الفلسطيني في خطابه في المهرجان من عبارة "إرفعوا أيديكم عن فيتنام البطلة".  

سينما النجوم، جزء من تراث وتاريخ مخيم اليرموك، ومن تاريخ العمل السياسي الفلسطيني بعجره وبجره.

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت