- بقلم : د. أماني القرم
الموقف الاوروبي من قضية سرقة الاراضي الفلسطينية (خطة الضم) هو امتداد تقليدي للموقف الاوروبي بشكل عام من القضية الفلسطينية منذ انخراط أوروبا في العملية السلمية، حيث ينطلق من ثلاثة ركائز هي:
مبدأ حل الدولتين بناء على قرارات الشرعية الدولية 242و338، والأرض مقابل السلام ، إضافة الى يقين أوروبا بأن الاليات الواجبة لتنفيذ أي حل هي المفاوضات فقط.
وقد استمرت هذه الركائز اساس الموقف الاوروبي تجاه كل تدهور حاصل في الحالة الفلسطينية حتى هذه اللحظة . وهم يكررون نفس العبارات الطنانة في موقفهم الحالي من خطة الضم (انتهاك للقانون الدولي وتقويض لحل الدولتين)، للدرجة التي تشعر معها بأنهم يرددون هذه الجمل الناعمة لأنفسهم ولارضاء ذواتهم بأنهم يقفون بجانب القانون الدولي، أو كأنهم يوجهون هذه البلاغة المنمقة لحكومة "دريم لاند" وليس لعالم لا يعترف الا بالقوة والعقوبات. وللأسف لم تستطع اوروبا على مدى سنوات ترجمة خطابها الدبلوماسي الى واقع فعلي، فبقي الدعم الاوروبي السياسي للحقوق الفلسطينية على مستوى الخطاب، في الوقت الذي استطاعت فيه الولايات المتحدة واسرائيل اضعافه وتفريغه من مضمونه بأفعال على ارض الواقع.
والسؤال هل تستطيع أوروبا أن تصل الى أبعد منذ ذلك في الضغط على اسرائيل ؟ نعم تستطيع . فأوروبا تمتلك من الأدوات الاقتصادية والسياسية ما يمكن ان تلعب به دورا اكثر حيوية وفاعلية في تنفيذ القانون الدولي وإجبار إسرائيل على التراجع. لأن الأمر هنا لا يتعلق بالانحياز للطرف الفلسطيني بقدر ما يتعلق بانتهاك المبادئ الاساسية للقانون الدولي، ولا يوجد أفضل من هذا الوقت بالذات أمام أوروبا لتثبت أنها قادرة على اتخاذ موقف يدعم مبادئها الدولية مثلما فعلت من قبل مع دولة الفصل العنصري في جنوب افريقيا ومع روسيا حين ضمت شبه جزيرة القرم حيث اتخذت بحقهما عقوبات سياسية واقتصادية.
صحيح أن القرار الاوروبي ليس موحداً وأن هناك قيوداً تحكمه، أبرزها حسابات التكلفة الاقتصادية والسياسية والاعتبارات التاريخية في ميزان علاقاته مع اسرائيل التي برعت في استغلال عقدة الذنب الاوروبية تجاه اليهود في زرع الانقسام في القرار الاوروبي إزاء المسألة الفلسطينية، وبالتوازي استطاعت تطوير شبكة علاقات اقتصادية وعلمية وتكنولوجية رفيعة المستوى سواء مع الاتحاد بشكل جمعي أو مع دوله كل على حدة. وصحيح أن اسرائيل اعتادت على هامشية الدور الاوروبي أمام قوة الولايات المتحدة، لكن يستطيع الاوروبيون الآن (إذا أرادوا) العودة لمركز الثقل العالمي ولعب دور أساسي في المنطقة بفعل الترابط الجغرافي والسياسي والمسئولية التاريخية. فيمكنهم على سبيل المثال تعليق اتفاقية الشراكة التجارية مع اسرائيل والتي بنيت على روح اتفاقات السلام، والاعتراف بدولة فلسطينية، وربط تطور العلاقات مع اسرائيل بالتقدم في العملية السلمية.
إنه اختبار جدي لسياسة الحكومات الأوروبية أمام شعوبها والعالم فإما أن تفوق وتضع علاقاتها مع اسرائيل في ميزان مقابل الحفاظ على الشرعية الدولية، وإما أن تبقى صاحبة الخطاب الناعم جدلاً والشريك الفعلي للكيان الذي انتهك معايير القانون الدولي وضربها بعرض الحائط أو.. بعرض أوروبا .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت