- بقلم : جبريل عوده
ما بين الوهم والحقيقة , هناك مواقف وأحداث تؤكد المؤكد وتكشف حجم الخديعة , في الساحة الفلسطينية هناك مواقف لا أستغربها وأتوقع حدوثها لأنها نتيجة حتمية للمسار السياسي الموغل في فانتازيا الوهم , لحظة مقارنة ما بين الشعارات والواقع تفضح للمتابع البون الشاسع بين ما يجعجع به المنظرين على شاشات التلفاز الرسمي وما هو معاش على أرض الواقع , مفارقات عجيبة مضحكة مبكية تضع المشهد في حالة هستيرية , هذه الحالة ليس لها دواء إلا الإفاقة على وقع الحقيقة الصادمة والتراجع الفوري عن العيش في حالة الوهم , وكسر قيد الإرتهان للأكاذيب والوعود الزائفة .
ما بين السيادة الوطنية والإحتلال , لازلنا نعيش أحداث مسلسل "الكذبة الكبيرة" إستغرقتنا حلقاتها المتلاحقة في نفق التفاوض المظلم , وإرتبط مصير البعض بإستمرار دوران عجلة تلك المكيدة المدبرة , وعلى وقع إفرازاتها حدث إنقلاب للمفاهيم الوطنية , أصبح المحتل جار , وأضحى المقاوم إرهابياً , وهدمنا بأيدنا ردما من التضحيات والشهداء كان حاجزاً مانعاً ما بين العرب والتطبيع مع الكيان الصهيوني , فلقد فتحت أبواب العواصم العربية للقادة الصهاينة برسم التوقيع الفلسطيني في أوسلو الخبيثة , هذه الحقيقة التي لا يرغب البعض بسماعها وقد يشغل باله في حياكة المبررات التي ساقته للوقوع في هذا الوحل الآسن .
مارس السيد محمود عباس ورئيس حكومته إشتيه , سيادتهم المفترضة في شوارع رام الله قبل أيام, عبر جولة لتفقد أحوال الناس في ظل جائحة "كورونا, في ذات الشوارع التي سار بها السيد عباس عصراً ترافقه عدسات الإعلام وعشرات المرافقين من رجال الأمن تحيط به من كل جانب , كانت دوريات الإحتلال تجوب فيها ليلاً وتعيث فساداً وتعتقل الشباب من بيوتهم في مشهد يتكرر يوميا بمدن الضفة المحتلة , إختفى مشهد سيادة السلطة وأجهزتها الأمنية في لحظات وكأنها لم تكن, مشهد يروي لك بإختصار مرارة الأوهام التي يتعاطها القوم ويحاولون تمريرها على الشعب الفلسطيني على أنها المشروع الوطني الذي لا مثيل له ولا بديل عنه .
لا تقنعني رواية السلطة الفلسطينية وقادتها في محاربتها المزعومة لــ "صفقة القرن " ومنها مخططات الضم المهدد بها , تصريحات قادة السلطة خير دليل , وزير خارجيتها رياض المالكي وعضو مركزية فتح محمد المدني في تصريحاتهم الأخيرة يؤكدون بقائهم في مربع التيه التفاوضي العبثي, تهديدات السلطة بالتحلل من الإتفاقيات ووقف التنسيق الأمني هي مادة دعائية للسوق المحلي ولساحة المزايدات الداخلي , وتبقى عقيدة السلطة السياسية مؤمنة بالمفاوضات كنهج حياة , كما هي الأدبيات التي تصدر عن فريق السلطة بين حين وآخر , ليس مستغرباً أن تقمع السلطة وأجهزتها أي حراك جماهيري أو فعل ثوري يواجه مخططات الضم و إبتلاع الأرض بالضفة المحتلة , ولعل يد السلطة الأمنية الثقيلة الجاثمة على صدور الفلسطينيين في الضفة تعرقل إنطلاق قطار الثورة والإنتفاضة في الضفة المحتلة , ولكن حتما سيأتي اليوم الذي تنطلق فيه جموع الأحرار دفاعاً عن الأرض والهوية من هجمة التهويد والإستيطان.
مخطط الضم الصهيوني الذي ينوي نتانياهو تنفيذه على أجزاء من أراضي الضفة المحتلة بموافقة أمريكية , يشكل عدوان جديد على الأرض الفلسطينية , وهو حلقة من حلقات العدوان والإستيطان والتهويد التي يمارسها الإحتلال على أرض فلسطين منذ ما يزيد عن سبعة عقود , فلا يوجد فرق ما بين إحتلال المثلث والنقب وإحتلال الأغوار لا إختلاف بين مخططات تهويد القدس والخليل وما بين تهويد الجليل الفلسطيني , للأسف الشديد هناك من ينطلق من معارضته لمخطط الضم في إطار صراع حدودي وإعتداء على أراضي الدولة الفلسطينية المفترضة , وهنا تكمن المصيبة , فالكيان الصهيوني عبارة عن مستوطنة إحتلالية , ليس له شرعية على أرض فلسطين ويقع إحتلاله وما يترتب عليه باطلاً بطلان مطلق بحكم القانون الدولي , الإحتلال إلى زوال حتمي , هذه توجهات الشعب الفلسطيني ورؤيته الوطنية الجامعة , وما يؤمن به على إمتداد معركته ضد الإحتلال الصهيوني الغاشم .
من يريد مقاومة مخططات " الضم الصهيونية " فالخطوات لتلك المقاومة معلومة , ومسارها واضح , بوابتها الوحدة الوطنية الجامعة , بعيداً عن شكليات اللقاءات تحت حراب الإحتلال , بعنوانها المخادع إجتماع "القيادة الفلسطينية" , في حين أن من يقرر هو شخص واحد بنهج واحد يفتقد لحالة الإجماع الفلسطيني , ولعل الإستراتجيات الأربعة لمواجهة مخططات الضم الصهيونية , التي أعلن عنها السيد إسماعيل هنية في ملتقى "نصرة القدس والمسرى" بتاريخ 13-6-2020 م وترتكز على تعزيز الوحدة الوطنية وترتيب البيت الفلسطيني , وتبني المقاومة الشاملة بما فيها العمل العسكري , وتعزيز البعد العربي والإسلامي لقضيتنا الوطنية والإنفتاح على العالم الحر وحشد الطاقات والتحالفات المناصرة لقضية فلسطين, تشكل بوابة النجاة لقضيتنا وقارب الخلاص الوطني أمام ما تتعرض له القضية الفلسطينية من هجمة عدوانية مسعورة تستهدف وجدونا كشعب وهويتنا كفلسطينيين .
كاتب وباحث فلسطيني 17-6-2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت