- د. سلامه أبو زعيتر
ما زالت الظروف الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية والنفسية تؤثر بشكل كبير على كل مقومات الحياة في المجتمع، وخاصة مهمة ودور العمل النقابي ووظيفته لخدمة الفئات العمالية وتحسين ظروف وشروط عملها، والنضال مطلبيا للنهوض بواقعها وحماية مصالحها في ظل التحديات والأزمات التي تعصف بمجتمع العمال والفئات الهشة والأكثر ضعفا في مواجهة المشاكل نتيجة الكثير من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي تحتاج لوقفة حقيقية وتدخل من كل النشطاء والفاعلين في المجتمع وخاصة النقابات العمالية؛ والتي تشكل حضور فعال بما تمثل من قطاعات عمالية، وبما تتبني قضايا حقوقيه ذات بعد اجتماعي واقتصادي بهدف حماية مصالح وحقوق العمال والدفاع عنها، وصولا لعمل لائق، وأمن وظيفي يحفظ الكرامة ويؤمن للعمال وأسرهم حياة كريمة بأجر عادل، وانطلاقا من هذه المسئولية يجب أن تتناغم الأدوار وتتكامل المهام في المؤسسات النقابية، لتحقيق هدف ومبرر وجود النقابات ووظيفتها الاساسية لتمثيل العمال بشكل حقيقي وفعال، بعيدا عن أي مؤثرات خارجية وتدخلات قد تمس باستقلالية وحرية النقابات وتفرض الوصاية عليها، فالعمل النقابي مهمة نضالية تقود العمال نحو تحقيق مكاسب وانجازات تمكنهم من العيش الكريم وتنهض بواقعهم، ولتحقيق هذه الرسالة النقابية نحتاج للسفير النقابي الديمقراطي والمتحضر والمدني والمستقل، ذلك الشخص القائد والنموذج الحسن والقدوة في تمثيل العمال، القادر على تمثيل مجتمع العمال بحكمة ودراية وبأسلوب حكيم ولبق ودبلوماسي أحيانا، ويحمل من الخبرة وحسن السيرة والسمعة الحسنة والرزين والهادئ في كل معاملاته وتفاعلاته مع الاخرين، نحتاج ذلك الانسان القوي والصنديد في تبني قضايا العمال، والمدافع الجاد عن المواقف النقابية والمناضل لحل مشاكل العمال.
لماذا نحتاج للسفير النقابي؟ وما هي أبرز المواصفات له؟ وكيف يمكن حمل الرسالة النقابية؟
لكي نستطيع تطوير الفكر والمنهج النقابي، في تبني حقيقي لهموم وقضايا العمال واستجابة الى المتغيرات والتحديات التي تعصف بالعمل، نحتاج لفهم الدور والمهمة التي يجب أن يحملها القائد النقابي لتمثيل العمال والدفاع عن مصالحهم بثقة وايمان بالحق، فهو بالإضافة لدوره ومهمته النقابية، فهو سفير نقابي يحمل أمانة العمل النقابي، ويعكس صورة لمدى تحضر وتطور العمل النقابي المطلبي والثوري، فلا ينفصل القائد النقابي عن الانسان صاحب الخلق الحسن والصادق في المعاملة والمؤمن بالقيم الجميلة والمدافع عن المبادئ الإنسانية، فهو يمثل بسلوكه في المجتمع صورة تعكس وتعبر عن طبيعة العمل الذي يقوم به ومن يمثل، فلا تستقيم المهمة مع سلوك خارج عن المألوف، أو ممارسة لا تنسجم مع الاخلاقيات المهنية والنقابية.
في ظل ما نواجه من تحديات في بيئة العمل وسياساته، نحتاج من يحمل الأمانة ويصل الصوت بصدق وإخلاص بعيدا عن الشخصنة والمصالح الضيقة والصراعات والتجاذبات التخريبية، نحتاج لسفير يحمل الرسالة بأمانة ومصداقية، وينقلها بأخلاق ومهارة وفن بما يخدم الدور والمهمة الموكلة له، وضمن شروط معايير تحفظ كرامة العمل النقابي وتدعم التماسك والوحدة النقابية والتكامل في العمل، لتمثيل العمال بشكل حقيقي، فهذا العمل يصنف ضمن العمل التطوعي لخدمة المجتمع ويكون نابع من انتماء ومشاعر صادقة بخدمة العمال في كل القطاعات الإنتاجية والخدماتية والصناعية والزراعية...الخ،
فهذا عمل يتلخص بحكمة وسلوك يحمل الكثير من التضحيات والواجبات ويقوم على الانتماء، ويتجسد بعمل يقوم على المنهجية العلمية والدراسات وحسن التعبير والمصداقية، ونبذ كل مظاهر الكذب والافتراء، والتلفيق والتدليس الذي أصبح منهج حياة لدي البعض؛ يعيشها ليسوق مصالحه وينفذ تعليمات خارجية تمرر عبر كل إنسان ضعيف ومسلوب الإرادة، وقد تضر بالعمل النقابي ودوره وأبعاده النضالية.
من أبرز المواصفات التي نحتاجها في السفير النقابي الانتماء للعمل والإخلاص به والالتزام بالأخلاقيات المهنية والصدق بالتعامل، وتبني المواقف والقضايا النابعة من مصالح العمال، والتعبير عنها بلغة متزنة ضمن مهارات الاتصال الناجحة والذكاء الاجتماعي، وحسن الاطلاع والقدرة على المحاججة بلباقة، كلسان الحال البارع، بما يمثل من قضايا وفهم حقيقي لها، ويتصف بالمرونة والحزم في إدارة المواقف، ويتسم بحسن المظهر والسمعة الطيبة، وتُمثل المصداقية والموضوعية منهج في حياته، ومؤمن بأهمية حماية زملائه والدفاع عنهم، ونقل الحقيقة وتحسين الصورة بما يخدم العمل النقابي ويحقق المكاسب للعمال، فالإنجازات تتحقق بالوحدة والتكامل بالأدوار، وبفراسة وبراعة السفير النقابي، فالرسالة التي تنقل بشكل صحيح وتصل للمستقبل بدقة لها أثر فعال ومردود يحقق هدفها، باختصار السفير يجب أن يدرك مهمته ويُحسن التصرف من أجل من يمثل، ويكون لبنة في بناء متكامل من السفراء لتشكيل جسم نقابي قوي يكون قادرا على التغيير لصالح قضايا ومصالح العمال حسين واقعهم للأفضل.
اليوم لا يخفى على أحد حجم المعاناة والمأساة التي يعيشها العمال، وطبيعة المرحلة التي يعيشها مجتمعنا انعكاسا للمؤامرة السياسية وصفقة ترامب، ومشروع الضم والاستيلاء على الارض، ومحاولات التصفية للقضية واستمرار الحصار، والانقسام، وارتفاع نسب البطالة ومعدلات الفقر وتداعيات جائحة كورونا وحالة الطوارئ، وخطط الاحتلال لفرض وقائع جديده، والتي تحتاج لاستراتيجيات وتكتيكات متطورة لحماية المشروع الوطني وتعزيز الجبهة الداخلية، بالوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، وبمساندة القيادة الفلسطينية م. ت. ف في معركة التحرر والبناء، وحماية الحقوق الاجتماعية ومصالح الناس، وخاصة العمال من أي محاولات للتغول، واستغلال مصالح العمال، لصالح فئات تزيد من منافعها وتعاظم أرباحها على حساب العمال والفئات الفقيرة والأكثر هشاشة في المجتمع، وهنا تأتي أهمية الرسالة النقابية، ودورها في حماية مصالح مجتمع العمال وقضاياهم، وتحصينهم اقتصاديا واجتماعيا، فهناك دور نقابي نضالي مطلبي، ودور تكاملي ضمن الشراكة الوطنية لمواجهة المتغيرات والتحديات بما لا يضرر مصالح العمال ويمس بكرامتهم وأمنهم الوظيفي، ويهدد علمهم، وحقوقهم بالعمل اللائق والمناسب، وهنا يأتي دور القائد النقابي وشركاؤه في النضال المطلبي لدفاع عن العمال وإيصال الرسالة النضالية النقابية، عبر سفراء العمل النقابي بما يشكلون من قوة تأثير لتجنيد الحلفاء والمناصرين والمؤمنين بحقوق العمال، حول الفكرة والبرنامج النضالي العملي، وتسليط الضوء على قضايا ومشاكل العمال بمهنية وذكاء وفطنه ومسئولية أخلاقية ووطنية.
أخيرا إن الوقائع والحاجة النقابية والعمالية تفرض ضرورة ملحة لتطوير منهجية وأساليب العمل النقابي، وتبني استراتيجيات نوعية وتكتيكات عملية لتحقيق الأهداف والحفاظ على تاريخ الحركة النقابية والمكتسبات والإنجازات الاجتماعية والعمالية، وتعزيز وحدة وتماسك الحركة النقابية، وضبط سلوك وأداء النشطاء والفاعلين في العمل على قاعدة التكامل في الأدوار وتنسيق المهام وتصنيف الوظائف وتقسيم العمل، ضمن النظام والقانون واللوائح الناظمة له، وضمن أدبيات وأخلاق المهنة في إطار مدونة سلوك تحكمها قيم ومبادئ أصيلة وعميقة، فالعمل المتكامل والهادف الذي يسوده الاحترام والتعاون والشراكة، وتنظمه قواعد ومهام وظيفية واضحة، ويقوده نقابيين كسفراء منضبطين وحكماء، حتما سيحقق النجاح وينهض بواقع ومصالح العمال ويساهم في التطوير السياسات والقوانين التي تحميهم، وتحفظ كرامته وإنسانيتهم بشكل حقيقي وفعال، ويخفف من معاناتهم واستغلال ظروفهم في ظل عدم اتزان قانون العرض والطلب وضعف المصادر وقلة الحيلة ومحدودية التدخل في رعاية الأفكار الإبداعية والمبادرات الفعالة.
• عضو الأمانة العامة في الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت