- سري سمور
- كاتب ومدون فلسطيني
المقال الذي أثار بعض الضجة وردّات الفعل، والذي نشره سفير الإمارات العربية المتحدة في واشنطن (يوسف العتيبة) وهو أيضا وزير شؤون الدولة، مثّل نقطة تحوّل؛ فهو ضمنا يعني الانتقال من مربع العلاقة الغامضة، أو غير المعلنة، بين الإمارات وإسرائيل، إلى ما يمكن أن نقول عنه (اللعب على المكشوف)، ذلك أنه حين يخصّ مسؤول عربي (يديعوت أحرونوت/آخر الأخبار) وهي صحيفة إسرائيلية ربما تعتبر الأهم والأبرز في الصحف العبرية بمقالة، حتى لو كان محتواها شتما وتقريعا، فهذا يعتبر خطوة تطبيعية متقدمة.. فكيف والمقال يحوي عكس ذلك؟!
وهذا المقال لم يكن أول موقف تطبيعي للعتيبة، بل سبقه حضوره إعلان خطة ترمب المعروفة بصفقة القرن أواخر الشهر الأول من العام الجاري، مع اثنين آخرين ممثلين عن دولتين عربيتين إضافة لحضوره شخصيا باسم الإمارات، وقد نوّه إلى هذا الحضور في المقال، وقد نشر المقال المذكور يوم الجمعة 12/6/2020م تحت عنوان (إما الضم وإما التطبيع) وحمل في مضمونه تحويرا وتبديلا واضحا لأساس (المبادرة العربية للسلام) مع أنه أشار إليها؛ فالمبادرة أساسها انسحاب إسرائيلي كامل إلى حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 مقابل السلام أو التطبيع، وليس التطبيع مقابل امتناع إسرائيل عمّا تنوي فعله بضوء أخضر من ترمب، أي ضم أجزاء من أراضي الضفة الغربية التي احتلت في 1967، وكأن العتيبة يقدم ما يشبه مبادرة جديدة!
ومع أن مبادرة السلام العربية التي بعد إقرارها في 2002 اجتاحت دبابات شارون الضفة الغربية ودمرت معظم مباني المجمع الرئاسي(المقاطعة) في رام الله حيث كان الرئيس عرفات، وهدمت الجرافات الضخمة مئات البيوت في مخيم جنين، قد احتوت على عرض سخيّ غير مسبوق، بل هناك تعديل أو تطوير عليها بجعلها (إسلامية) بحيث يكون ثمن الانسحاب هو تطبيع الدول العربية ومعها الإسلامية للعلاقات مع الكيان، بعدما كانت العروض السلمية السابقة تقتصر على الدول التي لها حدود مع فلسطين المحتلة، مع هذا فإن السخاء العربي قوبل باستعلاء صهيوني لا أدلّ عليه من عدم ذكر هذه المبادرة على لسان أي مسؤول من أي حزب صهيوني، اللهم إلا برفض وغرور، فكما قلت في مقالي الموسوم بـ (حين تحولت "إسرائيل" إلى أمر واقع.. نكبة حزيران 1967) إن إسرائيل ترسخت عندها قناعة بأن التعامل مع العرب يكون بالقوة وإذا لم يتم تحقيق النتائج المطلوبة فالحل البديل، هو المزيد من القوة، وليس قبول مبادرات سلمية!
غني عن القول أن مقال العتيبة ليس وجهة نظر فردية وشخصية، فهو رجل يمثل دولته رسميا، وقد سبق نشر المقال مواقف تطبيعية من دولته منها ما هو معلن مثل ما يمكن تسميته بـ(التطبيع الجوي) ومنها ما تتحدث عنه بعض الصحف والمواقع الإلكترونية، ناهيك عن علاقات في المجال الأمني يتم نشر بعض التسريبات حولها، والتي لا يمكن الجزم بدقتها، ولكن من الواضح أن الإمارات قد سارت بالتطبيع خطوات تتجاوز روح وجوهر مبادرة السلام العربية، طبعا أنا هنا لا أدافع ولا أتبنى تلك المبادرة ولست من عشاقها ولا من الذين تأملوا بها خيرا، ولكن ما دام زعماء العرب قد جعلوها أساس علاقتهم مع إسرائيل، أمام بعضهم وأمام شعوبهم وأمام المحافل الدولية، فلماذا يتم الانقلاب عليها الآن
وليت هذا المقال أتى بردّ (إيجابي) ولو مجاملة وحفظ ماء الوجه من طرف الصهاينة؛ فمثلا مستشارة سابقة لبنيامين نتنياهو اعتبرت المقال (تهديدات فارغة) وقالت (كارولين كليغ) في مقال لها في صحيفة (إسرائيل اليوم) بأن (كل تعاون بين الإمارات وإسرائيل نتيجة لتقاسم المصالح، وإسرائيل هي الجانب القوي من المعادلة)، إضافة إلى عبارات سخرية واستعلاء واتهام ضد الإمارات وحكامها، ووصفت مقال العتيبة بأنه (بلطجي)!
أما الصحفي الإسرائيلي (إلداد باك) فردّ على العتيبة في مقال في صحيفة (إسرائيل اليوم) أيضا بأن (المطلوب منكم أكثر من مقال في صحيفة إسرائيلية لإقناع الرأي العام الإسرائيلي بتوجه الإمارات للاعتراف والتسليم بوجود إسرائيل) بل انتقد (باك) ما جاء في مقال العتيبة من أساسه، لأن على العتيبة أن يتوجه بكلامه إلى الفلسطينيين لا الإسرائيليين وختم (باك) مقاله بعبارة (مع الاحترام الشديد وعلى أمل اللقاء قريبا في محادثة أكثر عمقا في الكنيس الذي يتم بناؤه في أبو ظبي أو في أي مكان آخر). أكتفي بهذه الاقتباسات السريعة من مقالتي المستشارة والصحفي، ومعها مضي إسرائيل قدما في مخططات الضم، غير آبهة بمقال العتيبة، الذي يفاخر بوسم حزب الله بالإرهاب وبرفض ما وصفه بـ(تحريض) وعمليات حركة حماس.
تبرير العتيبة لنشر المقال هو التبرير الذي دأب عليه بعض العرب منذ عقود، وقد بدأ به بعض الكتبة والأدباء ورجال الأعمال، ثم وصل إلى الساسة والمسؤولين الرسميين ومنهم العتيبة، وهو (ضرورة مخاطبة الجمهور الإسرائيلي مباشرة) وشرح وجهة النظر العربية له، ذلك أنه وفق اعتقاد أصحاب هذا الفكر والتنظير، فإن الجمهور الإسرائيلي حين يسمع وجهة النظر العربية من العرب لا من مسؤوليه الذين (يضللونه) فسيضغط على حكومته لإعطاء فرصة للسلام والتعايش وإعادة الحقوق…إلى كل مفردات هذا الهراء، وكأن الصراع بين حماة وكنتها أو بين جيران على اتساخ سلم بناية سكنية، وليس على مقدسات وكينونة ووجود…على كل فقد ناقشت هذا الطرح قبل شهور في مقالي هنا الموسوم بـ(هل يمكن اختراق المجتمع الإسرائيلي حقا؟!).
فهل غاب عن العتيبة وهو يبرر نشر مقالته في صحيفة صهيونية أن هذا المجتمع من الطفل الرضيع وحتى الشيخ الكبير هو إما جندي مستقبلي أو حالي أو سابق في جيش معبأ بأيديولوجيا حاقدة وقناعة تامة بأن القوة والمزيد منها فقط هي اللغة التي يجب أن يخاطب بها (العربي الهمجي)؟ وبعيدا عن كثير مما قيل أو يمكن أن نقوله في معرض رفض وانتقاد العلاقات بين الإمارات وإسرائيل، وعلى قاعدة (من يدق الباب يسمع الجواب) فإن العتيبة قد نشر مقالته ثم سمع ورأى ما قيل بحقه وحق دولته في المحافل الصهيونية، فهل سنراه ينشر مقالا في صحيفة فلسطينية أو غيرها من الصحف العربية، يعلن فيها عن موقف جديد، يقول بخطأ هذا التوجه الذي لم يجلب إلا مزيدا من الصلف والكبر الصهيوني؟ هل سنرى موقفا جديدا يعيد النظر في مسار التطبيع؟ ولا أقول هل سنرى مقالا ثوريا يحيد عن مسار نهج قد تبناه النظام العربي الرسمي، فذاك محال، ولكن على الأقل التراجع خطوة أو أكثر في مسيرة التطبيع والعلاقات مع الكيان العبري!
أم ستصدق نبوءات ونظريات المسئولين والكتبة الصهاينة بأنه يمكن الجمع بين الاحتلال والتهويد والاستيطان وحاليا الضم مع علاقات دافئة علنية أو سريّة مع الدول العربية؟.. وبذلك يمكن أن يخرج نتنياهو أو غيره من قادة الحركة الصهيونية المعاصرة للإعلان رسميا عن انتصارهم النهائي على العرب! ولكن حتى لو حصل هذا فإن العرب ليسوا جميعا غساسنة ومناذرة، ومثلما وجد في مصر (شاور) وجد شيركوه وصلاح الدين.. والرائع أن الصهاينة يعون ويدركون هذه الحقيقة أكثر مما يدركها المهرولون المطبعون.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت