أصيبت عائلة الرضيع الفلسطيني عمر ياغي البالغ من العمر ثمانية أشهر بصدمة إثر وفاته متأثرا بمرض في القلب رافقه منذ الولادة بعدما تعذر نقله لاجراء عملية جراحية في اسرائيل بسبب وقف التنسيق الأمني بين الجانبين.
لم يتمكن والدي الرضيع الذي توفي الخميس الماضي من الحديث لوكالة فرانس برس فالعائلة في غزة "منهارة" بحسب وصف عمه محمد ياغي.
يقول محمد أن شقيقه أحمد وهو أب لثلاثة أطفال "إنهار تماما لحظة تسلمه جثمان طفله لدفنه"، مضيفا أن الأم (رنين) كذلك، لا تقوى على الكلام ولا الأكل منذ ثلاثة أيام".
يحمل محمد إسرائيل المسؤولية ويقول لفرانس برس "عاقبنا الاحتلال بإعلان السلطة وقف التنسيق الأمني، نحن ضحية الصراع".
وقد أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في العشرين من أيار/مايو المنصرم وقف اتفاقيات التنسيق الأمني مع إسرائيل بسبب مخططها ضم مستوطناتها في الضفة الغربية المحتلة ومنطقة غور الأردن الاستراتيجية.
وبحسب العم الذي تابع ملف التحويلات الطبية الخاص بالرضيع، "كان من المفترض أن يخضع لعملية جراحية كبيرة في 24 أيار/مايو، لكن أخبرونا بمنع سفرنا لإسرائيل بسبب وقف التنسيق" ويقصد إدارة الشؤون المدنية الفلسطينية.
ونجحت ضغوط مارستها عدة مؤسسات حقوقية، في إعطاء العائلة موعدا جديدا لإجراء العملية على نفقة جمعية "شبات أحيم" الإسرائيلية، لكن عمر توفي في 18 حزيران/يونيو، قبل الموعد المحدد بثلاثة أيام.
يقول محمد "حركتنا نحن كأسرة وأي شخص يعيش في غزة مقيدة، الاحتلال هو المسؤول عن المنفذ الوحيد للقطاع".
وتفرض إسرائيل حصارا شاملا على قطاع غزة منذ أكثر من 13 عاما، قيدت من خلاله حركة نحو مليوني نسمة، وكذلك حركة البضائع.
وأضاف "كل مواثيق حقوق الإنسان تكفل حق الحركة (...) هم من أوقفوا التنسيق".
وفي ردها على قضية وفاة الرضيع عمر ياغي، قالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية "كوغات" إنها تسمح للحالات الطارئة بالدخول للعلاج في إسرائيل.
وأضافت "كسياسة، تواصل وحدة تنسيق الأنشطة الحكومية في المناطق السماح في هذه الأوقات أيضا بدخول سكان قطاع غزة للعلاجات الطبية المنقذة للحياة وفي الحالات الإنسانية الأخرى".
-"انقطاع النفس"-
ولد عمر في التاسع من تشرين أول/أكتوبر 2019، مع مشاكل معقدة في القلب، وبعد شهر بدأ رحلة العلاج في مستشفى "تل هشومير" الإسرائيلي لتخفيف آلامه ومساعدة قلبه على الصمود.
يقول محمد "انقطع نفس عمر بعد منتصف ليل الأربعاء، أخذناه إلى المستشفى حيث خضع لإنعاش للقلب ووضع على جهاز التنفس الصناعي".
قال الأطباء "إن الوضع خطير جدا". ساعات معدودة أمضاها محمد يحاول الحصول على تنسيق طبي لنقل عمر إلى داخل إسرائيل وفي "الساعة العاشرة صباحا، اتصلت إدارة المستشفى وأخبروني بوفاته".
جاء وقع الخبر على أحمد ياغي، والد عمر الذي وصله خبر وفاة طفله أثناء مغادرته المنزل نحو المستشفى، كالصاعقة.
-منظومة بيروقراطية-
في بيان لها، قالت منظمة أطباء لحقوق الإنسان الإسرائيلية إن عمر توفي بسبب تأجيل العملية لمدة شهر.
وأضافت المنظمة التي ساهمت في حصول عمر على موعد جديد للعملية "سبب التأجيل توقف اللجنة المدنية الفلسطينية عن العمل".
واللجنة المدنية الفلسطينية هي الهيئة الموكلة من قبل السلطة الفلسطينية في مسائل التنسيق في الشؤون المدنية مع إسرائيل.
وتؤكد غادة مجادلة من أطباء لحقوق الإنسان أن "إسرائيل هي المسؤول الأول، وأن السلطة الفلسطينية لم تعط بدائل ولم تأبه بالمرضى".
وتضيف "منظومة التصاريح الإسرائيلية عموما بيروقراطية وتعسفية فيها إشكالية وكثير من الظلم وتنتهك حقوق المرضى".
وينفي مدير التحويلات الطبية في وزارة الصحة الفلسطينية الدكتور هيثم الهدرة، غياب البديل الفلسطيني.
ويقول إن "95 في المئة من الحالات المرضية يمكن علاجها في المستشفيات الفلسطينية سواء الحكومية أو الخاصة".
وأكد الهدرة وقف التنسيق الطبي مع الجانب الإسرائيلي "بشكل قاطع (...) نحن ملتزمون بقرار السيد الرئيس".
ويشير إلى أن انتقال بعض المرضى للعلاج في إسرائيل بعد وقف التنسيق يكون "وفق تنسيق فردي من قبل المرضى أنفسهم وليس عن طريق الوزارة".
-بين الحياة والموت-
تعيش هالة الجوهري (58 عاما) في مدينة نابلس (شمال)، "في صراع بين الحياة والموت"، يشاركها كثيرون من المرضى الذين تقطعت بهم السبل المشاعر ذاتها.
وتقول السيدة المريضة بسرطان الدم الحاد لفرانس برس، إنها منقطعة عن الدواء منذ شهر ونصف تقريبا بسبب وقف التنسيق الأمني.
بدأت الجوهري رحلة علاجها مع المرض منذ نحو ثمانية أشهر، وحصلت على تحويلة للعلاج في مستشفى هداسا عين كارم الإسرائيلي على نفقة السلطة الفلسطينية.
تحتاج الجوهري وهي ربة منزل، لم ترزق بالأطفال، لمراجعة المستشفى بشكل أسبوعي لحقن جسدها بالصفائح الدموية والبلازما، والحصول على الدواء الذي يمكنها من الحركة.
ولا تستطع السيدة ولا زوجها المتقاعد تحمل تكلفة الدواء، إذ يبلغ سعر القرص الواحد ألف شيكل (حوالي 290 دولار) تتناولها يوميا، ولا تكلفة التنقل الأسبوعي البالغة مئة دولار تدفعها من جيبها الخاص.
ونفذ مرضى السرطان الفلسطينيون الأربعاء الماضي وقفة احتجاجية أمام مجلس الوزراء الفلسطيني في مدينة رام الله.
تقول الجوهري "اتصلوا بي بالأمس وأخبروني أنه سيتم توفير دواء كاف لمدة شهر".
وتضيف السيدة وقد غلبتها الدموع "أنا في عالم المجهول، قلة الدواء تسبب لي التوتر وتجعلني دائمة الخوف".
وتراجعت نسبة التحويلات الطبية الفلسطينية إلى إسرائيل، إلى 5 في المئة فقط غالبيتهم مرضى زراعة النخاع، بحسب الهدرة.
لكن وقف التنسيق بالكامل منع هؤلاء أيضا من استكمال علاجهم.
وقررت وزارة الصحة الفلسطينية في آذار/مارس 2019، وقف التحويلات الطبية ردا على قيام إسرائيل باقتطاع مبالغ من الضريبة التي تجبيها شهريا لصالح السلطة الفلسطينية.
ويقول الهدرة، إن تكلفة العلاج في المستشفيات الإسرائيلية تراجعت من 38 مليون شيكل سنويا إلى ما بين 5-7 مليون فقط.
ويشير الهدرة إلى أن "الاحتلال لا يحترم أي اتفاقية، ويمنع مرضانا من السفر للعلاج في الدول المجاورة".
تقول الجوهري، "ترك العلاج الكيماوي أثره على جسدي (...) لا أريد أن أموت".