قال المختص بشؤون الأسرى والمحررين، عبد الناصر فروانة، إن "التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي شكّل سياسة إسرائيلية رسمية وممارسةً مؤسسيةً وأضحى نهجاً أساسياً وجزءاً ثابتاً في المعاملة اليومية مع المعتقلين الفلسطينيين والعرب، بهدف بث الرعب والخوف وتدمير الإنسان الفلسطيني، جسدياً ومعنوياً، وتحطيم شخصيته وتغيير سلوكه ونمط تفكيره وحياته ومعتقداته السياسية."
واضاف: ان دولة الاحتلال الإسرائيلي تشكل حالة فريدة وشاذة في ممارسة التعذيب بحق المعتقلين، وهي الوحيدة في العالم التي شرّعنت التعذيب قانوناً، ومنحت مقترفيه الحماية القانونية والحصانة القضائية، تحت ذرائع مختلفة من بينها: انتزاع الاعترافات والحفاظ على أمن وسلامة المواطنين أو القضاء على "القنابل الموقوتة".
وأكد فروانة بأن هذا الوضع الشاذ، في ظل غياب المحاسبة والملاحقة وقوة الردع الدولية، عزز لدى الإسرائيليين، وخاصة العاملين في الأجهزة الأمنية ومصلحة السجون بمن فيهم الأطباء، ثقافة "الافلات من العقاب"، وشجعهم على الاستمرار في تعذيب المعتقلين الفلسطينيين، واقتراف مزيد من جرائم التعذيب، الجسدي والنفسي، والحاق الضرر بهم.
وقال فروانة: مررنا ومرّ غيرنا بتجارب قاسية ومؤلمة في أقبية التحقيق، وقرأنا واستمعنا لآلاف الشهادات والروايات، وإن تأملاً متمعنا في ممارسات محققي جهاز المخابرات الإسرائيلي (الشاباك)، يجعلك توشك أن تظن أنهم ليسوا بشرا، لأن هذا الحجم الهائل من القسوة، التي تظهر على وجوههم، وبشاعة تصرفاتهم، حين كانوا يتلذذون بتعذيبنا ويرون ضحاياهم يتألمون، يجعلك تعتقد ذلك.
واضاف: صور المحققين ما زالت مائلة أمامنا والتعذيب يوجعنا وآثاره تلازمنا وتؤلمنا وترفض أن تفارقنا بالرغم من مرور سنوات على تحررنا.
واوضح فروانة بأن التعذيب لا يُمارس فقط في فترة التحقيق، أو من قبل المحققين فقط، كما يظن البعض، أو أنه يُقترف بحق فئة عمرية أو شريحة اجتماعية دون غيرها، فالحقيقة تقول: أن التعذيب قد مُورس ويُمارس بأشكال عدة في التحقيق وما بعد التحقيق، وفي كل الأوقات والأزمنة، وبحق الجميع دون استثناء أو مراعاة للجنس و العمر، أو طبيعة العمل والمكانة الاجتماعية والأكاديمية والسياسية.
مؤكداً على وجود تلازم مقيت وقاسي، بين الاعتقال والتعذيب، وفقا لما ورد في اتفاقية مناهضة التعذيب، واستنادا لشهادات المعتقلين، بحيث يمكن القول: بأن جميع من مروا بتجربة الاعتقال، من الفلسطينيين، صغارا وكبارا، ذكورا واناثا، قد تعرضوا - على الأقل - إلى واحد من أحد أشكال التعذيب النفسي أو الجسدي أو الاهانة والايذاء المعنوي.
واشار فروانة الى أن التعذيب تضاعف بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، وتصاعد بشكل خطير من حيث اطالة مدة تعذيب المعتقل من جانب، وقسوة التعذيب وبشاعته وتعدد الأشكال المستخدمة مع الشخص من جانب آخر. وشهادات كثير من الأسرى والأسيرات مازالت ماثلة أمامنا.
ورأى فروانة بأن المحاكم العسكرية الإسرائيلية هي أيضا شريكة في الجريمة، حيث تعتمد الاعترافات كمستندات ادانة ومن ثم تصدر أحكامها الجائرة بحق المعتقلين بمن فيهم الأطفال، رغم علمها وتأكيد الضحايا، بأن تلك "الاعترافات" انتزعت بالقوة تحت وطأة التعذيب والضغط والترهيب والابتزاز .
وذكر فروانة وهو أسير سابق لأربع مرات، إن اشكال التعذيب، الجسدي والنفسي، التي تجاوزت الثمانين شكلا قد أدت الى استشهاد (73) أسيرا في اقبية التحقيق منذ العام 1967، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: قاسم أبو عكر، إبراهيم الراعي، مصطفى عكاوي، خالد الشيخ علي، عبد الصمد حريزات، عطية الزعانين، وعرفات جرادات وغيرهم. هذا بالإضافة إلى آخرين كُثر –لم يتم احصاؤهم- استشهدوا بعد تحررهم متأثرين بما تعرضوا له من تعذيب، فضلا عن أن المئات من الأسرى والأسرى المحررين لا يزالوا يعانون من اعاقات جسدية ونفسية جراء ما تعرضوا له من تعذيب قاسِ.
وبيّن فروانة في تقريره بأن التعذيب- جسدياً كان أم نفسياً- تحت ذريعة الحصول على معلومات، أو بحجة القضاء على "القنابل الموقوتة"، يُعتبر انتهاكاً أساسياً وخطيراً لحقوق الإنسان، وجرماً فظيعاً وبشعاً يرتكب بحق الإنسانية.
وأكد فروانة على أن آثار التعذيب وأضراره لا تقتصر على المعتقلين في سجون الاحتلال، وانما تطال الدوائر الاجتماعية، فأفراد الأسرة والعائلة وحتى الأصدقاء والجيران، هم أيضا ضحايا للتعذيب، بشكل مباشر أو غير مباشر.
ودعا فروانة، كافة المؤسسات المعنية ذات العلاقة، الى تحمل مسؤولياتها والتحرك الجاد والفعلي لـ:
- التخلي عن العفوية والموسمية في التعاطي مع هذا الملف، والبحث عن آليات عمل منظمة تشارك فيها كافة المؤسسات المعنية.
- توثيق كافة جرائم التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وملاحقة مقترفيها ومحاسبتهم وفقا لما ينص عليه القانون الدولي.
- الضغط من أجل وقف كل أشكال التعذيب التي ما زالت تُمارس بحق المعتقلين العُزل داخل أقبية التحقيق أو في غرف السجون والمعتقلات.
- تثقيف الفلسطينيين واطلاعهم على أشكال التعذيب وما قد يتعرضون له، وطبيعة الحياة داخل سجون الاحتلال، خاصة وأن كل فلسطيني معرض للاعتقال، وأيضا رفع معنوياتهم وتعزيز روح المواجهة لديهم وصقلهم بثقافة الصمود والثبات في مواجهة السجان وما يمثله، وهذا من شأنه أن يساعدهم في مواجهة تحديات ما بعد الاعتقال والتقليل من آثار التعذيب واضراره على الفرد والأسرة والمجتمع.
- مساندة كافة ضحايا التعذيب من الفلسطينيين والاهتمام أكثر بهم وتعزيز صمودهم والروح المعنوية لديهم، واعادة تأهيلهم، جسديا ونفسيا، ومساعدتهم في التخلص من آثار التعذيب وسرعة الاندماج بالمجتمع وضمان توفير مستوى لائق من الحياة الكريمة لهم ولذويهم.
يذكر أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة كانت قد أقرت في الثاني عشر من شهر ديسمبر من عام 1997، يوم السادس والعشرين من حزيران/ يونيو من كل عام، يوماً لمناهضة التعذيب ومساندة ضحاياه، باعتباره يوما لتفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي بدأت بالتنفيذ الفعلي بتاريخ 26 حزيران عام 1987م.