- علي ابو حبلة
القضية الفلسطينية نقطة ارتكاز لمفهوم الأمن القومي العربي لكل من يدرك خطر المشروع الصهيوني على الوطن العربي الذي ينطلق من مفهوم عقائدي أيدلوجي، فالخلافات ليست حدودية بقدر ما هي أطماع توسعية وفقا للأصولية اليهودية بحسب تعليمات التوراة بوجهة المتشددين الأصوليين واليمينيين وقضية الضم لم تقف عند حدود معينة، ووقع العرب عند معادلات التسوية التي ظهرت نتائجها.
وجراء ما تتعرض له فلسطين من مخططات لمسخها، يصير ضرورياً إعادة تأكيد أن قضية فلسطين هي قضية شعب وقع ضحية مشروع استعماري استيطاني، وتخاذل اممي، بهدف إقامة وتوسيع كيان يسعى إلى تجميع يهود العالم بدلاً من السكان الأصليين. ويرتكز هذا المشروع إلى شعار «شعب بلا أرض لأرض بلا شعب»، وصولاً إلى إقامة «إسرائيل الكبرى» التي تتحدد حدودها حيث «تصل أقدام جنودها». كما لا تقلّ أهمية إعادة تأكيد البعد الوظيفي لهذا الكيان، فهو موقع متقدم للاستعمار الغربي الذي يعمل على تكريس هيمنته لمنع نهوض المنطقة، ولاستمرار نهبه، مع الإشارة إلى أن هذا الدور لا ينكره أيّ من مؤسسي الكيان ولا قادته الحاليين، وإن عبّروا عن ذلك بعبارات أقلّ حدة.
إن مشاريع الكيان الصهيوني اتخذت على أساس ما ورد في ((التلموذ)) كدليل لمنهجـه وفكـره التوسـعي، أي أن أهدافه انما تنبع من التراث اليهودي والتي تنص على ان ارض الميعاد آلت الى الشعب اليهـودي ((شـعب االله المختـار )) وبحسب اعتقادهم ان االله قد منحهم هذه الارض حيث تقول التوراة(ادخلوا وتملكوا الأرض التي أقسم الرب لآبائكم ابـراهيم واسحق ويعقوب ان يعطيها لهم ولنسلهم من بعدهم.....)، وجاء في التوراة ايضا( ان االله امر يوشع بن نون أن أقم وأعبر (٧ (الاردن أنت وكل هذا الشعب الى الأرض التي أنا معطيها لبني اسرائيل).
وتأكيداً لذلك الـنص الـوارد فـي التـراث اليهودي صرح ديفيد بن غوريون بعد انتهاء حرب سنة ١٩٤٨ بقوله: ( الشعب اليهودي سيعود الى الاستيطان فـي أرض (٨ (الاباء والاجداد الممتدة من النيل الى الفرات) لقد اعتمدت الإستراتيجية الصهيونية منهج التوسع الاقليمي، وهو نهج أساسي ودائم، يقوم على مبدأ عدم تحديد مناطق النشاط التوسعي للكيان ولا توجد في اهدافه حدود نهائية لاطماعه، فالعقيدة العسكرية الصهيونية تقوم على أربـع ركـائز (اساسية هي الأمن والحدود الآمنة والردع والضربة الاجهاضية المسبقة.
بنظرة عابرة إلى تاريخ الحركة الصهيونية، بدأ مسلسل «إنجازاتها» منذ المستوطنة الأولى تحت حماية الاحتلال البريطاني، بل قبل ذلك، وقد تراكم وصولاً إلى تحوّله إلى واقع ديموغرافي. مرَّ هذا المسار بمحطات أبرزها قرار التقسيم عام 1947 الذي منح الصهاينة 54% من فلسطين، ثم السيطرة على 78% نتيجة حرب 1948، فالتوسع عام 1967.
أما « الضم القانوني»، فبدأ بالقدس عام 1967، وصولاً إلى شرقي القدس والجولان، والآن دور الضفة بما يتناسب مع الواقع الديموغرافي والسياسي الذي تحدّدت مساحته وفق رؤية دونالد ترامب بـ30% منها. تندرج خطة الضم ضمن سياسة التهويد التي لا تقف عند حدود شرق الأردن وإنما تتعداه بنظره توسعيه الى عمق الوطن العربي ضمن نظرية ومفهوم إسرائيل الكبرى ضمن مفهوم الأصولية الدينية التلموديه ،.
في مواجهة ذلك، يكمن التحدي الجوهري الذي يتهدد الأمن القومي العربي والشعب الفلسطيني لمواجهة الخطر الذي لا يتهدد الفلسطينيين وحدهم وإنما يتهدد الامن القومي العربي وأي خيار هو أن تكون مواجهة الضم جزءاً من استراتيجية عربية أوسع تهدف إلى مقاومة الاحتلال (مع أو من دون ضم). اذ لا يمكن أن يكون النهج الذي أضاع فلسطين، ويهدد ما تبقّى منها، هو نفسه الطريق إلى إنقاذها. وما هو أشد تهديداً من الاحتلال هو سعي كثيرين في فلسطين والمنطقة والعالم إلى بثّ روح اليأس في صفوف الفلسطينيين والعرب كي لا يرى الجانب المضيء من تطورات البيئة الإقليمية بما تنطوي عليه من عناصر قوة وفرص تؤسِّس لمعادلات جديدة تشقّ الطريق إلى فلسطين.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت