- الكاتب: أسامة نجاتي سدر
سينام نتنياهو الليلة الثانية من تموز مبكرا دون متابعة وكالات الأخبار العالمية والعربية، لن يتصفح مواقع التواصل الاجتماعي أو ينتظر تقريرا مفصلا حول ردة الفعل العالمية على المستوى الرسمي أو الشعبي، فقد استطاع بالتعاون مع الإدارة الأمريكية تقييد وحصر الرد الرسمي وتكفلت كورونا بقتل الرد الشعبي قبل ميلاده على تطبيق خطة الضم.
تحضر الحكومة الإسرائيلية خطة لضم شريط حدودي يبدأ من أطراف جنين وينتهي بالخليل ويضم الأغوار ويجعل أريحا معزولة بعيدا عن المدن الفلسطينية الأخرى، ويفصل فلسطين بشكل تام عن الأردن بل ومحيطها العربي كله لتصبح جزيرة وسط المناطق المضمومة لإسرائيل، وذلك جزء من الخطة الصهيونية التي أقرتها الإدارة الأمريكية وسكت عنها العالم.
تسعى إسرائيل لفرض سيطرتها على مساحات واسعة من الضفة الغربية لزيادة المساحة الجغرافية المخصصة للزراعة والاستيطان، وتأمين أطول حدود لها مع دولة عربية من دول الحصار، ولتسيطر وبشكل نهائي على مجرى نهر الأردن، ولدفن اتفاقية أوسلو وحل الدولتين في أدراج النسيان، وكبح جماح الراكضين خلف السلام وإذلالهم فوق الذل الذي وصلوا إليه خلال مسيرتهم الطويلة، وفرض الحكم الذاتي كحل واقعي يرفع عن الحكومة الإسرائيلية وزر توطين التجمعات الفلسطينية الكبرى داخل وخارج الخط الأخضر.
أصبح هاجس وفاة الرئيس محمود عباس يؤرق كافة الأطراف ذات العلاقة ويربك خططها المستقبلية، فهو الأكثر مرونة وقدرة على تحقيق المتطلبات الدولية، وقد استطاع أن يجمع بين يديه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية دون منازع، وهذا مما يعجز عنه مرشحو خلافته جميعا، مما يعني اختلاف المعادلة وإمكانية حصول نزاع خفي أو علني على السلطة لتزيد قوة منظمات فلسطينية غائبة عن الساحة حاليا مثل الجبهتين وحماس والجهاد الإسلامي ولتفرض نفسها وترجح خيارا غير خيار التفاوض وتبدأ مسيرة غير مسيرة السلام.
عاشت إسرائيل مطمئنة من المقاومة بكافة أشكالها، فقد حقق التنسيق الأمني هدفه بمنع جميع العمليات العسكرية من الضفة، ومحاولة حركة فتح السيطرة على المقاومة الشعبية وتسييرها حسب منهج السلطة، وكبح جماح أي تنظيم لفعاليّةِ مقاومةٍ لا تفي بروح التنسيق الأمني ولا تحقق متطلبات استمرار المفاوضات كقرار استراتيجي للشعب الفلسطيني، أما الحصار واستهداف المدنيين والبنية التحتية في غزة والهدنة بعد الهدنة برعاية الأشقاء في مصر وصفقة الأسرى المنتظرة فكان عاملا قويا في كف يد حماس عن إسرائيل، ومع عجزها في صد انتفاضة السكاكين والسيارات في البداية إلا أنها توقفت فجأة.
رفض الملك عبد الله الثاني التنازل عن سيطرة الأردن على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية، واستعاد الباقورة والغمر من السيطرة الإسرائيلية كخطوة رمزية لتوتر العلاقات معها، وأدان المخططات الإسرائيلية المطروحة بما فيها من متطلبات تقترحها الخطط من دور للأراضي الأردنية، ومسؤولية يمكن أن تقع على عاتقه إن تركت الأمور في مسارها، وهذا ما ترفضه الأردن بإصرار وتقاتل حتى آخر نفس لأجل حل الدولتين الذي طمست معالمه واختفت مقوماته، فتطبيق صفقة القرن سيضيق على الفلسطينيين ويجبرهم على الهجرة إلى الدول المجاورة، والتوازن الديمغرافي هناك بين من هم من أصل أردني واللاجئين الفلسطينيين ثم العرب تؤثر فيه شعرة، والنظام الذي صمد رغم الربيع العربي ورياح التغيير العاتية لن يتحمل شعبا مثقلا باليأس والخذلان والخيانة.
يهرب نتنياهو من وضعه القانوني إلى الأمام، فيضع إسرائيل في وضع لا تحمد عقباه فالفلسطينيين بكل اختلافاتهم متفقين على الصمود في أرضهم والقتال لآخر نفس دفاعا عنها خصوصا بعد التخلص من وزر الاتفاقيات والمعاهدات التي كبلت أيديهم عن قرع الخزان أملاً في حياة مستقرة وكريمة، فإذا انهار الأمل وسقط خيار المفاوضات ووضع الفلسطينيين بين فكي كماشة لم يحفل الشباب بالوضع الاقتصادي ولا التسهيلات المطروحة، وهذه الانتفاضة الأولى تبرهن على هذا الأمر، وها هي انتفاضة السكاكين لم تزل آثارها تؤرق قادة الأجهزة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية على حد سواء، ولن تصمد حركة تحرر أو مقاومة أن تُغفل ثورة الشباب واستعدادهم للتضحية والفداء مهما زادت المغريات والضغوط، وإلا تفككت وتلاشت وسط المعركة وحل مكانها حركات أخرى.
تستغل إسرائيل جائحة كورونا لتمرير مخططاتها، وتسعى للحصول على مكاسب على الأرض معتمدة على أن الفلسطينيين في حجر صحي سيستمر إلى نهاية العام على أقل تقدير، وتستغل انشغال العالم بالمرض كي تضعهم تحت الأمر الواقع وتنفذ دون الرجوع لأحد سوى الرئاسة الأمريكية، وتراهن على ضعف تأثير الإعلام والحشد الجماهيري خلال انشغال الناس بصحتهم، وبرغم حقارة استغلال المرض في الحصول على مكتسبات سياسية إلا أن الأهم هو الحصول على الموافقة الشعبية فيما بعد كورونا وأن تحافظ على ما حصلت عليه، وهي تسابق الزمن لكي تنهي أعمالها قبل انتهاء فترة رئاسة ترامب لأنه لا يمكن أن تجد رئيسا أكثر انحيازا وإخلاصا للصهيونية منه، خصوصا أن أعضاء الكونغرس الأمريكي سواء من الجمهوريين أو الديمقراطيين مترددين في قبول الخطة الإسرائيلية.
رد الفعل الفلسطيني الرسمي كان سياسيا بحتا وقيمته رمزية جدا، ويبدو بأنه متشنج في الاعتماد على الذات وإنكار العمق العربي والإسلامي، بل إنه يُغفل عناصر القوة لدى الشعب الفلسطيني وينكرها تماما، فقد قرر إيقاف التنسيق الأمني مع الاحتلال والانفكاك من الاتفاقيات المبرمة منذ أوسلو، وهذا يعني ضمناً حل السلطة الوطنية الفلسطينية ووضع أسلحة الأجهزة الأمنية ووقف خدمات الوزارات لتسليم مسؤولية الشعب الفلسطيني رسميا لسلطات الاحتلال بصفتها المسيطرة على الأرض، أو إعلان فلسطين دولة مستقلة وإعلان التعبئة العامة لكل إمكانيات الدولة للدفاع عن نفسها بما فيها المقاومة في الضفة وغزة، ثم التوجه إلى الدول التي اعترفت بدولة فلسطين رسميا والمؤسسات الدولية إقليميا وعالميا لتحمل مسؤولياتها ومنع التعدي عليها، لكن ذلك لم يعلن أو يحصل على أرض الواقع، بل رفضت السلطة استلام أموال المقاصة الفلسطينية التي تشكل أكثر من 60% من وارداتها وأعلنت بأنها غير قادرة على دفع رواتب موظفيها وانتظرت العالم كي يبحث لها عن حل قبل تنفيذ إسرائيل مخططاتها.
أضحت تصفية القضية الفلسطينية أمرا ملموسا بعد أن كانت تهديدا، وبات القريب والبعيد يصرح ويتفاخر بمشاركته في خطوات عملية لإتمامها، وأصبحت الأطراف المتآمرة أكثر وقاحة في الانحياز لإسرائيل وأمريكا باعتبارها الجانب الأقوى، وهم متأكدون بأنهم قد روضوا الشعب الفلسطيني بالمساعدات المادية وسراب الحلول السياسية والأمنية، ويراهنون على انقراض أطفال الحجارة وتلاميذ أبو جهاد ويحـيى عـياش والشقـاقي وأبو علي مصـطفى، وبأن الانقسام قد تجذر في الحالة الفلسطينية ولا أمل في قلعه من نفوس الشعب قبل الأطراف السياسية، ولم يعلموا بأن نهاية القصة قد كتبت قبل مقدمتها في كتاب عمره أكثر من 14 قرناً وأن حاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها مرهون بالقدس، ويولد الأطفال حاملين همها ومهما تراكمت الهموم والمغريات ستجرفها الأيام وتعود القدس على رأس الأولويات وتحريرها حلم الصبا والشباب كما كانت بالنسبة لصلاح الدين الأيوبي.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت