السادس من كانون الثاني 2020
أعزائي؛ سميرة وحسن عبادي
لقد مر أكثر من عام منذ أن تمت دعوتي أنا ونيستور لزيارتكم في حيفا. لقد حاولت عدة مرات كتابة هذا الجزء الأخير، ولكن عام 2019 كان مليئًا بالإجراءات التي يجب القيام بها وأوقفتني عن الكتابة.
كانت والدتي، بعد سنوات قليلة من عيشها لمئة عام، في حاجة ماسة لي. كان جسدي بحالة فوضى في بعض الأحيان. وقد حثتني السياسة الإسرائيلية والأمريكية، التي أثَّرت بشكل سيء على الوضع اليومي للفلسطينيين، على الانضمام إلى العمل السياسي وغيره من أعمال التضامن.
وبالطبع، فإن الأمور المعتادة للأسرة تشغلني. نحن عائلة كبيرة، هذا يجعلني سعيدة، لكنني أتقدم في العمر وأصبح أكثر تعبًا ولا يمكن أن تعمل ذراعي الوحيدة كما كانت من قبل. أشعر بالألم ويجب أن أستريح لفترة أطول لمعاودة العمل. أنت تعلم أنني أصبت بجروح بالغة في تل الزعتر في تلك الليلة في يونيو 1976 عندما ضرب الصاروخ الكبير المنزل، انفجر وتناثرت الشظايا فوق فرشاتنا التي ننام عليها على الأرض، وتبعته سلسلة من الشظايا المعدنية المتوهجة الممزوجة بالطوب والخرسانة المتداعية من الحائط. أصيب زوجي الحبيب يوسف حمد بشظايا في قلبه مما أدى إلى مقتله على الفور. أصبت بجرح كبير وعميق في الركبة والفخذ الأيسر، وأصيبت ذراعي اليمنى إصابة بالغة، وكان لدي بثورٌ في جميع أنحاء الجسم. كنت حاملاً في الشهر الخامس.
قام الدكتور يوسف عراقي والدكتور عبد العزيز اللبدي ببتر الذراع اليمنى وطهرا الجرح الكبير الشبيه بالفوهة في ساقي وجميع الجروح الأخرى أيضًا. أعطوني علاجًا للألم والمضادات الحيوية. لقد أنقذوا حياتي. تبرّع لي زملائي الأعزاء بالدم. أصابت الشظايا ثلاثة أضلاع وكسرتها وأصابت أمعائي بالشلل. أصبحت معدتي من بطني الحامل مثل كرة القدم، ساعدتني العزيزة نوفة، ابنة عم زوجي، لقد اعتنت بي فورًا بعد العملية، ساعدتني في وضع أنبوب للمعدة للتخلص من الجوع. لذا فقد نجوت في الأيام الأولى.
كنت اشعر بالحزن الشديد نتيجة الصدمة، ولكن ما أزال أحمل طفلنا. هذا أنقذني من الانهيار التام وساعدني على النضال من أجل البقاء، على حد سواء.
لكني أصبت بالإجهاض بعد خمسة أسابيع وقادني ذلك إلى وضع بائس حقيقي. كان المخيم ما يزال تحت الحصار، وتحت هجمات القصف العنيفة. تواصلت معي العائلة والأصدقاء ليواسوني ويعطوني الأمل، ذلك يمنحهم الأمل أيضًا، إذا نجوت.
مات الكثير من الناس في المخيم وأصيب العديد: الشباب والشيوخ والرجال والنساء والأطفال. بعد 53 يومًا، تم إحصاء القتلى بالآلاف، لقد قتل آلاف آخرين في المذبحة في أغسطس. كان معظم القتلى من المدنيين، ولكن كان هناك بين الضحايا عدد من أبناء المقاومة أيضًا، الذين كانوا أبناءً وأحيانًا بنات المخيم. لم يكن مقاتلو حركة المقاومة يكافحون من أجل البقاء لاجئين في المخيم، ولكن من أجل حق العودة إلى وطنهم. كانوا يقاتلون من أجل الحياة.
لكن أهم نضال من أجل البقاء في تل الزعتر؛ كان يتم من قبل النساء في المخيم. تخيّل، فقط، أيام الحرب التي وصفتها. تخيّل الروتين اليومي، بعضها أشياء صغيرة وشخصية ولكنها مهمة للغاية يجب القيام بها، سواءً كانت الحرب أم لا. أيضا: تربية الأطفال وإبهاجهم، إحضار الماء وإشعال النار للقيام ببعض الطهي عندما يمكن للقناصين رؤيتك. أو الحمل والولادة في ملجأ أثناء القصف. أو: العناية بنا / الجرحى. أو أن تشاهد أفراد عائلتك يموتون ويحفرون حفرا لهم.
النساء في تل الزعتر هن أبطالي!
سميرة حمد(إيڤا شتّال)
(الحلقة السادسة)
*** هذه الحلقة السادسة من انطباعات الزعتريّة سميرة (إيڤا) حمد(شتّال)؛ من مواليد 1948 في مدينة جوتنبورج السويديّة، درست التمريض وبفضل نشاطها التحقت عام 1974 بالعمل التطوّعي في مخيّمات اللاجئين الفلسطينيّين في لبنان، تزوّجت من يوسف حمد، الناشط السياسي، ابن قرية الخالصة شمال فلسطين، الذي استشهد خلال القصف على مخيّم تل الزعتر جراء قذيفة هاون أدّت بالوقت نفسه إلى إصابتها بجروح بالغة، نتج عنها بتر ذراعها الأيمن وكسور في الفخذ الأيسر. بعدها بأيام فقدت الجنين في شهرها الرابع. رفضت سميرة، رغم إصابتها، مغادرة المخيّم المُحاصَر رغم جهود الحكومة السويديةّ في العمل على إخلائها عن طريق الصليب الأحمر الدولي، أصرّت على أن تُقاسم الأهالي مصيرهم. عند خروجها عادت إلى السويد وأكملت علاجها ونشاطها في المجال الصحي، مساعدة أطفال اللاجئين القادمين من مناطق القتال ومساعدة النساء، ما زالت مرتبطة بمساعدة أطفال اللاجئين الفلسطينيّين في مخيّمات لبنان، وما زالت تحمل رسالة المخيّم عبر البحار.
*** شكرًا للأديب الفلسطيني إياد شماسنة على ترجمة الرسالة من الإنجليزيّة للعربيّة.
*** تُنشر تزامنًا مع نشرها في صحيفة "المدينة" الحيفاويّة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت