-
جمال ابو لاشين
دراسة موجزة للعدوان الهمجى على قطاع غزة والمؤرخ لها ب 8-7-2014
(مركز عبدالله الحورانى للدراسات والتوثيق).
الذكرى السادسة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2014
في ابريل من العام 2014 صدر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي (INSS) المسح الاستراتيجي لإسرائيل عن عامي 2013-2014 ، و جاء بعنوان حان وقت اتخاذ القرارات نحو الاتفاقات والخطط البديلة وقد قدم هذا المسح الرؤية الإستراتيجية لعدة مشكلات إقليمية ودولية ستواجهها إسرائيل وكذلك العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين والتي جاء فيها:
1- أن الجانب الإسرائيلي لا يعتقد أن الفلسطينيين سيقبلون باتفاق يضمن أمن إسرائيل بشكل كاف أو يتخلون عن حق العودة ووضع حد للصراع.
-2 أن الفلسطينيين لا يعتقدون أن الجانب الإسرائيلي راغب بالعودة إلى حدود 1967، أو أنه سيسمح للفلسطينيين بجعل شرقي القدس عاصمتهم، كما يلمسون أن إسرائيل تريد السيطرة على الضفة الغربية وبالتالي يوجد( إفراط اسرائيلى بنظرهم في المطالب الأمنية).
الجنرال الأمريكي المتقاعد (جون آلين) رئيس الفريق الأمريكي في عملية المفاوضات والذي قام ، وفريقه بصياغة المقترح الأمريكي حول الأمن ورفضه الفلسطينيون لانحيازه بنظرهم لإسرائيل صرح بأن الفجوة كبيرة بين الطرفين بشأن الترتيبات الأمنية التي يراها أخف المشاكل، لذا من الصعب وضع حد للصراع في قضايا أكثر تعقيداً وإشكالية.
المسح الاستراتيجي تحدث أيضا عن توقعات مع انسداد أفق المفاوضات المقرر انتهاءها في ابريل/ 2014 وشملت التالي :
أ- وجود مؤشرات على الميل العام في الشارع الفلسطيني نحو انتفاضة ثالثة نتيجة تنامي حالة الإحباط لديهم.
ب- التطورات المصاحبة لاندلاع الانتفاضة ستسرع الجهود المبذولة لنزع الشرعية عن إسرائيل في العالم الغربي (لذلك لا بد من خطة بديلة).
ج- أن إسرائيل حتى اللحظة تفتقر لأي خطة بديلة في حين أن الفلسطينيين لديهم خطة على المدى القصير ملخصها حملة دبلوماسية ضد إسرائيل في الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية من أجل الحصول على اعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود العام 1967 مصاحبة لحملة نزع الشرعية عن إسرائيل.
لذلك ترى إسرائيل أنه لا بد أن يتوفر لديها خطط بديلة لمواجهة انهيار المفاوضات لتظهر على الأقل أمام الولايات المتحدة الأمريكية، أنه لا يمكن لومها على فشل المفاوضات، ولأنها تستشعر أن خطة الفلسطينيين بعيدة المدى ربما تذهب لحل الدولة الواحدة وبالتالي التوصيات ترى أن إسرائيل لا بد أن تتقدم نحو حل الدولتين حتى بدون اتفاق كامل إما باتفاق الطرفين، أو بشكل أحادي كخيار أخير.
ولأن السياسيين الإسرائيليين يرون أن المفاوضات ركزت على الضفة فيما لا تزال ما اسموها معضلة قطاع غزة التي تحكمها حركة حماس قائمة فلا بد من وضع سياسات محتملة للقطاع وهي:
1- استمرار السياسة الحالية في احتواء حركة حماس/ وهي تتعقد لزيادة اعتماد القطاع على إسرائيل نتيجة لابتعادها عن الراعي الإيراني جراء الموقف من سوريا وثانياً لموقفها من إخوان مصر، حيث تقوض الهدف الرئيسي من الانسحاب من القطاع مما يستدعي الرد بقسوة على إطلاق الصواريخ والهجمات عبر الأنفاق وبشكل لا تستوعبه حركة حماس المعزولة تقريباً عن التزود بالدعم اللازم وهنا سيكون احتواء حماس بديل مرغوب، وفي نفس الوقت ممارسة المزيد من عزل غزة
2- إشراك مصر في جهود إسقاط حماس/ من خلال ضغط سياسي واقتصادي وعسكري إن أمكن وهو خيار مستبعد أن تتجاوب معه مصر، ولصعوبة رؤية بديل لحماس في القطاع دون انتخابات عامة و(احتمالها ضعيف، ولن توافق حماس عليها أيضا) وبالتالي لا بديل محتمل دون تدخل عسكري خارجي لذا لا يوصى التقرير بهذه الإستراتيجية.
3- استغلال ضائقة حماس لإحداث تغيير جذري في سياستها / وهو يبدو سيناريو بعيد فالظروف غير مواتية لتتخلى حماس عن أيديولوجيتها التي لا تعترف بإسرائيل و تشجع على المقاومة العنيفة.
بدا للإسرائيليين أن الفرص التي تقدمها الفوضى في العالم العربي تفوق المخاطر التي من الممكن أن تتعرض لها، لذلك علي إسرائيل أخذ زمام المبادرة وانتهاج سياسة استباقية مستفيدة من الفرص ومتصدية للمخاطر فميزان قوى إسرائيل مع جيرانها يجعل من الممكن بالنسبة لإسرائيل أن تقتحم مخاطر كان من الصعب في السابق الدفاع عنها.
من هنا أقدمت إسرائيل على دراسة خياراتها وحسم توجهها ، فكان هناك المقدمات التي استغلتها في تمهيد الأرض لعدوانها على قطاع غزة والتهرب من فشلها سياسيا. مقدمات الحرب على غزة لقد أدت حالة الغليان والتصعيد التي أعقبت انهيار المفاوضات إلى حالة هستيرية في القيادة الإسرائيلية تهجمت فيه على القيادة الفلسطينية بكل شراسة وكان هذا كافيا لرؤية أن الأمور ستسير في اتجاه مغاير والخيار العسكري فيه لم يعد مستبعدا و تلك المقدمات التي سنوردها كفيلة بشرح ذلك وتتمثل بالتالي :
1 -تعثر المفاوضات وإطلاق سراح الأسرى/ بانتظار الفلسطينيين الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى في السجون الإسرائيلية وعددهم 26 أسيرا كاستحقاق لاستئناف المفاوضات فترة التسعة شهور المتفق عليها للخروج بنتائج سياسية مرضية، ماطلت إسرائيل القيادة الفلسطينية، ووضعت شرطاً مسبقاً لإخراجهم بتمديد المفاوضات إلى ما بعد 29/4/2014، وهو ما لم يتفق عليه واعتبره الكثيرون بيع للبضاعة مرتين، مرة عندما أتفق على إخراج الأسرى ضمن سقف زمني للتفاوض مدته تسعة شهور مقابل عدم توجه قيادة منظمة التحرير الفلسطينية للانضمام للمؤسسات الدولية، والأخرى عندما صارت الدفعة الرابعة تستثمر مرة ثانية في تمديد المفاوضات دون توجهنا للمؤسسات الدولية وهو ما رفضته القيادة السياسية.
2 -اتفاق المصالحة الفلسطينية (اتفاق الشاطئ): بعد عدة محاولات شاركت فيها قيادات من منظمة التحرير الفلسطينية ، وأمناء عامون لأحزاب وفصائل فلسطينية تتوجت جلسات الحوار بين حركتي فتح وحماس باتفاق المصالحة الفلسطينية في 23/4/2014 والذي أطلق عليه (اتفاق الشاطئ) نسبة لمكان توقيعه، على أن تشكل حكومة الوفاق الوطني خلال خمسة أسابيع من وزراء تكنوقراط مستقلين وظيفتهم إدارة شئون الحكم والتمهيد للانتخابات الفلسطينية خلال 6 شهور وقد تشكلت الحكومة في 2.6.2014 برئاسة د. رامي الحمد الله.
وعلى الرغم من أن وظيفة الحكومة إدارية وتنفيذية بحتة وليس لها طابع سياسي ألا أن إسرائيل هددت السلطة الوطنية الفلسطينية بمقاطعتها فور تشكيل حكومة الوفاق هذا في الوقت الذي كان الاتحاد الأوروبي يعلن قبوله حكومة الوفاق، وبشكل أقل الأمريكان الذين قبلوها ضمن شروط الرباعية، وقد صرح رئيس وزراء إسرائيل (بنيامين نتنياهو) قائلا: "هل عباس يريد مصالحة مع حماس أو تسوية مع إسرائيل، فيمكن تحقيق خيار واحد من بين الخيارين وليس كليهما"، وبذلك وضع المؤشرات الأولى للسياسة الإسرائيلية في اتجاه النيل من المصالحة الفلسطينية.
لم تمض سوى أيام حتى أعلنت إسرائيل اختفاء ثلاثة من مستوطنيها في 12/6/2014 في مدينة الخليل، والذين يقطنون التجمع الاستيطاني (غوش عتصيون) وقد تزامن ذلك مع إضراب أسرانا عن الطعام، وهو ما تم تفسيره بداية بأن الفلسطينيين يبحثون عن عملية خطف لتبادل الأسرى. الفصائل الفلسطينية نفت مسئوليتها عن الاختطاف بما فيها حركة حماس على لسان أمينها العام (خالد مشعل) فيما أرسلت بعض البيانات إلى مواقع صحفية تتحمل فيها المسئولية عن الحادثة ومنها (داعش) التي كانت قد بدأت بالانتشار إعلاميا ، ولكن في مجملها لم تؤخذ على محمل الجد، ووجهت إسرائيل أصابع الاتهام إلى حركة حماس بالمسئولية عن حادثة الاختطاف.
3- توتر الوضع الأمني في الضفة الغربية مع مواصلة إسرائيل اتهامها لحركة حماس بالمسئولية عن الاختطاف شرعت بمهاجمة المؤسسات التابعة لها، واعتقال العشرات من عناصرها بما فيهم وزراء سابقين، ونواب في المجلس التشريعي، وداهمت الجامعات وصادرت مواد إعلامية خاصة بالحركة، الأمر الذي أظهر إسرائيل في حالة تخبط، وتتحرك بلا دليل لديها مما زاد من حدة الانتقاد الداخلي للحكومة الإسرائيلية التي تعوزها المعلومات لمعرفة مصير مستوطنيها الثلاثة. في نفس الوقت أدت المواجهات العنيفة بسبب اقتحام قوات الاحتلال للقرى والمدن الفلسطينية بهذا الحجم الواسع إلى استشهاد أربعة فلسطينيين واعتقال 300 فلسطيني، وفيما عثر في30/6/2014 على المستوطنين الثلاثة المفقودين في الخليل مقتولين، وملقاة جثثهم قرب بئر مهجور، انطلقت الدعوات الصهيونية بالانتقام من العرب. لقد لمس الجميع أن إسرائيل تزيد من عقابها للضفة الغربية ، وبالمقابل رأى آخرون أن عينها على قطاع غزة وان العدوان عليه بات قريبا .
- 4 استشهاد الفتى المقدسي / محمد أبو خضير في يوم 2/7/2014 فجرا توقفت سيارة تقل مستوطنين إسرائيليين قبالة الفتى المقدسي محمد أبو خضير والقاطن في شعفاط ، وقاموا باختطافه والفرار من المكان باتجاه حي راموت، بعدها عثر على جثته في أحراش دير ياسين مقتولا، وقد أفاد الطب الشرعي بتعرضه للتعذيب وحرقه حياً بعد سكب مادة البنزين في جوفه وعلى جسده وقد عرف مرتكبي الحادثة والذين برروها بالانتقام من خطف المستوطنين الثلاثة في الخليل وقتلهم. وقد أدت تلك الحادثة إلى جانب حجم الانتهاكات الواسعة في الضفة الغربية ومع سقوط الشهداء والجرحى وزيادة الاعتقالات إلى احتجاجات واسعة في القدس توسعت لتشمل باقي المناطق الفلسطينية في الداخل والخارج وعبر صفحات التواصل الاجتماعي.
ترافق ذلك مع إدانة دولية للحادثة خصوصاً وأنها لم تختلف عن المحارق النازية لليهود التي لا زالت إسرائيل تتغنى بها في كل المحافل . الكاتب والمعلق الإسرائيلي في صحيفة يديعوت أحرونوت (ناحوم برنياع) وصف عملية قتل أبو خضير بتلك الطريقة المشينة بأنها حدث تأسيسي لانتفاضة جديدة في القدس سماها "انتفاضة أولاد" وذلك لأن من يقوم بعمليات رشق الحجارة في أحياء التماس في القدس وفي الجيوب اليهودية شرقي مدينة القدس هم من الفتيان. بينما نقل عن قائد الشرطة الإسرائيلية في مدينة القدس (يوسى فرانيتي) قوله عقب مقتل أبو خضير: " إن رد فعل الفلسطينيين حينها كان بمقدار لم تعرفه القدس منذ سنين، بداية من شعفاط وفي يومين كانت الأحداث قد عمت كل أحياء شرق المدينة".
لم تقف الأمور عند هذا الحد فقد زادت تدهوراً بمقتل اثنين من العمال الفلسطينيين دهساً وبشكل متعمد قرب حيفا مما أدى إلى تصاعد وتيرة المظاهرات التي عمت مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وداخل الخط الأخضر ولأن إسرائيل أرادت الهروب للأمام كعادتها بعد انهيار المحادثات فقد اتجهت نحو قصف قطاع غزة في سلسلة غارات عنيفة على مطارغزة جنوب القطاع مدعية إطلاق مسلحين صواريخ على جنوب إسرائيل من نفس المكان.
ردت المقاومة الفلسطينية يوم 6/7/2014 رداً محدوداً بإطلاق خمسة صواريخ سقطت جنوب إسرائيل، أتبعتها إسرائيل في اليوم الثاني بقتل ستة عناصر من حركة حماس في غارة إسرائيلية استهدفت منطقة المطار شرقي رفح.
لم تذعن إسرائيل لمحاولات تثبيت التهدئة خصوصاً وأنها نقلت هجمتها العسكرية الى قطاع غزة في مسعى منها لإفشال المصالحة وحكومة الوفاق الوطني (التي لم تتمكن من السيطرة الفعلية بعد) ، وذهبت الأمور نحو التصعيد خصوصاً وان المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر أعلن يوم 8/7/2014 بدء عملية عسكرية في قطاع غزة مستدعياً 40 ألف جندي احتياط. وبذلك تدرج العدوان الإسرائيلي من انتهاكات في الضفة الغربية عقب فقد الثلاثة مستوطنين، أعقبها استشهاد أبو خضير مما زاد من وتيرة الصدام لتنفجر الأمور في نهايتها لعدوان أقرته الحكومة الإسرائيلية على قطاع غزة حيث أرخ له كبداية للحرب الإسرائيلية والعدوان الهمجي على القطاع المحاصر. الحرب الثالثة على غزة 8.
يوليو 2014 في 8 يوليو وبعد اجتماع الكابينت الإسرائيلي بدأ الجيش الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة وهي الحرب الثالثة التي يشنها على القطاع في ستة أعوام البعض آثر تسميتها حرب، وآخرون أطلقوا عليها مصطلح نزاع عسكري بين إسرائيل وحركات المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وغيرهم سماها عدوان على قطاع غزة إلا أن المصطلح الرائج طوال 51 يوماً من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة هو مصطلح "الحرب"، لاسيما وأن هذا المصطلح يلامس مدى ما يشعر به الناس من بطش اليد الإسرائيلية ويعبر عن فداحة الخسائر في الجانب الفلسطيني، وبالرجوع ل أ.د وليد الحمامي أستاذ القانون الدولي وسؤاله عن صوابية استخدام مصطلح الحرب أجاب التالي: "إن مصطلح العدوان في حالتنا الفلسطينية خاصة وأن إسرائيل لا تزال تحتل الأراضي الفلسطينية هو الأصح فالحرب تقوم بين دول وجيوش، بينما العدوان يتم من الطرف المحتل على الشعب الخاضع للاحتلال ، ومقاومة الشعب لهذا العدوان كفلته الشرائع الدولية لذلك لا يرقى لمسمى حرب طالما هو دفاعا عن النفس وعن الأرض" مضيفاً أن من عاش في أوروبا واختلط بمؤسساتها يعلم جيداً أن المجتمع الأوروبي يفهم الفرق بين مصطلح الحرب والعدوان، وأن مجرد الحديث عن نزاع مسلح، أو حرب يضع الطرف الأضعف في موقف على نفس القدر مع الجاني وهو ما ظهر في اتفاق وقف إطلاق النار عام 2012 ويتكرر اليوم من خلال عبارة وقف الأعمال العدائية بين الطرفين وبذلك ساوى بين الضحية والجلاد.
وهذا يؤكده المقترح الأمريكي مساء 26/7/2014 في مؤتمر باريس لاسيما وقد غابت عنه (السلطة الفلسطينية، ومصر، وممثلو الفصائل) والذي ركز على مصطلح وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل والفلسطينيين.
لم تكتف إسرائيل بما فعلته في الضفة الغربية والقدس بل ارتأت أن تشن حرباً شرسة على قطاع غزة وكانت الفترة من 1 وحتى 7 يوليو عملياً هي جر للمقاومة الفلسطينية للدفاع عن نفسها وعن شعبها ضد العدوان الإسرائيلي حيث شنت إسرائيل سلسلة غارات عنيفة على مطار غزة جنوب القطاع أدت لاستشهاد ستة عناصر من حركة حماس في أحد الأنفاق شرق مدينة رفح هذا عدا استهدافها عدة بيوت وأراضي زراعية في مختلف مناطق القطاع الأمر الذي دعى المقاومة لإطلاق عدة صواريخ سقطت جنوب إسرائيل لتبدأ بعده إسرائيل عدوانها يوم الثلاثاء 8.يوليو حيث سقط في هذا اليوم 28 شهيداً وأصيب المئات، وظهر جلياً أن إسرائيل تركز على المدنيين في محاولة منها لدب الرعب في قلوب سكان قطاع غزة، وهو ما ظهر من خلال قصف عائلة كوارع في خانيونس الذين اعتلوا سطح منزلهم مع عشرات المواطنين لمنع قصفه، مما أدى إلى استشهاد سبعة مواطنين من بينهم ستة أطفال وإصابة 28 مواطناً عشرة منهم بحال الخطر، وفي أول يومين للحرب كانت إسرائيل قد شنت 500 غارة على قطاع غزة استهدفت بها 55 منزلاً، والبني التحتية، وشبكات الصرف الصحي، والكهرباء، والاتصالات.
ردت المقاومة الفلسطينية بصواريخ ابعد مدى عنه في الحرب السابقة لتصل محيط مطار نيفاتيم ويبعد 63كم عن قطاع غزة وديمونا وتبعد 72كم. ووصلت حصيلة الشهداء خلال 48 ساعة الى 62 شهيد والمئات من الجرحى في حين لم يسجل أي إصابة إسرائيلية. فتح الإسرائيليون ملاجئهم للاحتماء بها من صواريخ المقاومة التي طالت وسط إسرائيل وشمال تل أبيب، ومدينة القدس في حين بقى الفلسطينيون تحت نيران الصواريخ الإسرائيلية التي ارتكب مطلقوها عدة مجازر في المدنيين فبعد مجزرة عائلة كوارع، كان هناك مجزرة عائلة النواصرة في المغازي التي راح ضحيتها خمسة أفراد بينهم طفلان وامرأة، ومجزرة عائلة حمد في بيت حانون التي راح ضحيتها ستة أفراد من نفس العائلة جلهم من النساء، ومجزرة استراحة على شاطئ القرارة بخانيونس حيث راح ضحيتها عشرة أفراد كانوا يتابعون مباريات كأس العالم. حتى عصر الجمعة 11.يوليو.2014 كانت حصيلة الشهداء 109 شهداء ، والجرحى قاربوا 700 جريح في حين قتل مستوطن في مدينة أسدود، وأصيب عدة جنود في أشكول وبئر السبع وثلاثة آخرين في محطة وقود في مدينة أسدود أحدهما بحال الخطر إثر سقوط صاروخ لكتائب القسام على المحطة، وقد عقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إثر ذلك مؤتمراً صحفياً في مبنى وزارة الدفاع في تل أبيب رداً على إعلان دبلوماسيين عن اجتماع لمجلس الأمن الدولي لبحث العمليات العسكرية المتصاعدة بين إسرائيل والفلسطينيين إثر دعوة المجموعة العربية في الأمم المتحدة لهذا الاجتماع وقد صرح انه لن يخضع لأية ضغوط دولية لوقف الحرب، لأن استعادة الهدوء للشعب الإسرائيلي هو الأولوية بالنسبة له، وأنه بصدد توسيع الهجوم على غزة من جوي إلى حرب برية،، وحمل في خطابه حركة حماس المسئولية عن الأضرار التي تحدث في غزة.
لقد ظهر في خطابه أنه سيسير بالحرب على غزة، وعدوانه الغاشم إلى نهايته فلم يحقق بعد أي أهداف سياسية وباتت حكومته مطالبة أكثر بوضع حد لرد المقاومة على العدوان الإسرائيلي، والمحافظة على صورة إسرائيل التي اهتزت أمام العالم. المبادرة المصرية: نشرت وسائل الإعلام نص المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار بين الفصائل في غزة، وإسرائيل بعد أسبوع على العدوان الإسرائيلي، وتحديداً يوم 14/7/2014 وكان عدد الشهداء قد وصل إلى 186 شهيداً، والجرحى اقتربوا من الألف جريح، والتي تحددت في خمس نقاط وهي:
1- تقوم إسرائيل بوقف جميع الأعمال العدائية على قطاع غزة براً، وبحراً، وجواً مع التأكيد على عدم تنفيذ أي عمليات اجتياح بري لقطاع غزة أو استهداف المدنيين.
2- تقوم كافة الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة بإيقاف جميع الأعمال العدائية من قطاع غزة تجاه إسرائيل جواً، وبراً، وبحراً وتحت الأرض مع التأكيد على إيقاف إطلاق الصواريخ بمختلف أنواعها والهجمات على الحدود.
3- فتح المعابر، وتسهيل حركة الأشخاص، والبضائع عبر المعابر الحدودية في ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض.
4- أما باقي القضايا بما فيها موضوع الأمن سيتم بحثها مع الطرفين.
5- يتم استقبال وفود رفيعة المستوى من الحكومة الإسرائيلية، والفصائل الفلسطينية في القاهرة خلال 48 ساعة منذ بدء تنفيذ المبادرة لاستكمال مباحثات تثبيت وقف إطلاق النار، واستكمال بناء الثقة بين الطرفين على أن تتم المباحثات مع الطرفين كل على حدي " طبقا لتفاهمات تثبيت التهدئة في القاهرة 2012.
والغريب أن صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية سبقت نشر المبادرة المصرية بساعات قليلة وكتبت تقول " إسرائيل، وحماس تطلبان العودة إلى تفاهمات 2012وتستكمل .. لكن حماس تقول أن إسرائيل لم تلتزم بها، كما تطلب فتح معبر رفح الذي وضع المصريين شروطاً على حركة حماس لفتحه كتولي السلطة من رام الله شئون المعبر، وألا يكون معبر رفح مفتوحاً طول الوقت ".
حاولت الصحيفة أن تعزز دور المعبر المصري وتقحمه في المبادرة المصرية للتهدئة، وهو ما ترفضه مصر وتعده شأناً داخلياً لا علاقة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة به، ولا يمكن أن يكون جزءاً من المبادرة وكان أسلوباً إسرائيلياً رخيصاً لحرف الصراع نحو مصر مستغلة الوضع الإقليمي وما أفرزه من تجاذبات.
وافقت إسرائيل على المبادرة المصرية للتهدئة، وأعلنت أنها ستوقف إطلاق النار في التاسعة من صباح يوم 15/7/2014 في حين رفضتها فصائل المقاومة وأعلنت حركة حماس ظهر نفس اليوم أنها لم تتسلم أي مبادرات رسمية من أية جهة. لقد فهم البعض من إعلان إسرائيل المباشر بالموافقة على المبادرة أنها قد تمت بالتنسيق مع مصر وباطلاع مسبق منها على بنودها، وأعلن بعض السياسيين عن تواطؤ مصري مع إسرائيل وكانت إحدى السقطات التي تنكرت للدور المصري على مر التاريخ، وقد عزز هذه السقطة لديهم ما تلفظ به إعلاميين مصريين مؤثرين من هجوم على قطاع غزة لم يكن توقيته ولا مكانه وبذلك نالت إسرائيل مبتغاها بحرف البوصلة الإعلامية عنها وهي التي ظهرت أمام العالم بالساعية نحو التهدئة في حين رفضها الجانب الفلسطيني.
وبانت النوايا الحقيقية من خلال دعوة وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) لعقد اجتماع سياسي في باريس تشارك به قطر وتركيا في حين تمسكت إسرائيل بالدور المصري وهو ما فهم من البعض وقتها بأنه اتفاق في الأهداف بين إسرائيل ومصر. وهذا مخالف للدور العروبى لمصر التي وإن اختلفت معنا فلم يسجل في تاريخها أنها لوثت أيديها بأي دماء فلسطينية أو كانت طرفا في اى انقسام فلسطيني. لقد لعبت إسرائيل وأمريكا على التناقضات الإقليمية، وأفسح الأمريكان الوقت لإسرائيل كي تكمل مهمتها في قطاع غزة. ساعدهم في ذلك الوضع العربي والإقليمي المنقسم حيث دفع الثمن من دماء الشعب الفلسطيني، فحركة حماس حاولت تحسين شروطها للتهدئة خاصة وأن اتفاق 2012 لم تلتزم به إسرائيل، كما أنها تحاول في نفس الوقت أن تخرج من الحصار السياسي الذي بدأ يلتف حولها، وهذا بحد ذاته ما تلاعب به الأمريكان وإسرائيل (وهم المحاصرين لقطاع غزة) ، وفي الوقت نفسه يبحثون عن حلول للقطاع بعيداً عن مصر لإغلاق آخر نافذة لنا على العالم، ونحن بضغط الإقليم وتجاذباته والعدوان وما يلحقه من ضغوطات داخلية وخارجية أردنا طوال الوقت تحسين شروطنا لرفع الحصار إلا أننا لم نكن في تلك الفترة تحت سقف قيادة واحدة، وهو ما شتت جهودنا ووسع العدوان الإسرائيلي علينا.
ومع رفض الفصائل للمبادرة واصلت المقاومة إطلاق الصواريخ لتصل مدينة حيفا وقتل إسرائيلي بقذيفة هاون سقطت على معبر بيت حانون على حدود غزة الشمالية. في وقت واصل الطيران الإسرائيلي قصفه لقطاع غزة فاستشهد يوم 15/7/2014 13 مواطناً، ودمرت إسرائيل أكثر من 30 منزلاً في أنحاء القطاع، وفي اليوم الثاني زادت وتيرة القصف الصهيوني ليستشهد 29 مواطناً، وارتكبت مجزرة بحق 4 أطفال أعمارهم ما بين 9 الى 11 عاماً من عائلة بكر كانوا يلهون بلعب كرة القدم على شاطئ بحر الشيخ عجلين غرب غزة، وارتفع العدد في يوم 17/7 ليصل الى 41 شهيدا وظهر من هذا التدرج في أعداد الشهداء أن إسرائيل مقدمة على توسيع عدوانها على القطاع خصوصاً وأن جبهتها الداخلية بدت أقل تماسكاً وأكثر ضعفاً مما تحاول إسرائيل تصويره وبات المستوطنون في غلاف غزة يضغطون على الحكومة وعلى رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو الذي بان ضعيفا وغير قادر على إدارة المعركة لوقف إطلاق الصواريخ من قطاع غزة رغم أنها لم تلحق أضراراً في إسرائيل نظراً لبدائيتها.
العدوان البري على قطاع غزة في يوم الخميس 17/7/2014
توصلت الأمم المتحدة لهدنة إنسانية لمدة خمس ساعات تنتهي في الثالثة عصراً، وبعد انتهاء الهدنة التي لم يسجل فيها أي خرق لتلك التهدئة أعلنت إسرائيل بدء عدوانها البري على قطاع غزة بعد أن استدعت 8 آلاف جندي احتياطي أضيفوا ل 40 ألف تم استدعائهم منذ بداية الحرب، وأشارت إلى أن هدف توسيع العدوان هو ضرب الأنفاق مع مصر، ومنع إطلاق الصواريخ من قطاع غزة تجاه إسرائيل. مساء نفس اليوم وعقب إعلانها العملية البرية ارتكبت إسرائيل مجزرة بحق عائلة شحيبر في حي الصبرة جنوب مدينة غزة، ليصل عدد الشهداء يومها إلى 41 شهيداً، وفي اليوم التالي وصل عدد الشهداء إلى 53 شهيد حيث بدأت أعداد الشهداء في تصاعد، وأعلنت إسرائيل بالمقابل مقتل رقيب وإصابة خمسة من جنودها اثنين منهم بحال الخطر.
ردود الفعل على العملية البرية في أول ردود الفعل على العملية البرية دعي (بان كيمون) الأمين العام للأمم المتحدة إسرائيل لبذل المزيد من الجهد لمنع سقوط قتلى مدنيين من الفلسطينيين وأعرب عن أسفه لتصاعد الصراع بشكل خطير.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فقد أعلنت دعمها للعملية البرية وبحسب بيان وزير خارجيتها (جون كيري) خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) فقد عبر عن دعم بلاده القوى لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضد التهديد الإرهابي القادم من الأنفاق المؤدية لإسرائيل، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية (جين بساكي) أن كيري طالب إسرائيل ببذل المزيد لتجنب الخسائر البشرية المدنية. وفي فرنسا قال وزير الخارجية الفرنسي (لوران فابيوس ) أن فرنسا تشعر بقلق بالغ من القرار الإسرائيلي ببدء هجوم برى في غزة وتدعوها لإظهار أقصى درجات ضبط النفس. وعلق فابيوس الذي اجتمع مساء الخميس مع كل من الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) ووزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) في القاهرة ضمن جهود ترتيب (وقف دائم لإطلاق النار) أن حماية المدنيين وتجنب سقوط ضحايا أمراً جد حيوي حسب تعبيره.
أما بريطانيا فقد هاجم نائب رئيس وزرائها (نيك كليغ) الضربات الجوية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، واعتبرها غير متناسبة بشكل متعمد وتصل حد العقاب الجماعي، وقال : "سأطلب من حكومة إسرائيل الآن أن تتوقف، فقد أثبتت وجهة نظرها مع علمي أن لها الحق في الدفاع عن نفسها" .
كما دعي الاتحاد الأوروبي إلى وضع حد للهجمات الصاروخية على إسرائيل ووقف العمل العسكري ضد قطاع غزة فوراً، مطالباً الجانبين باستئناف محادثات السلام المباشرة، وقد أكد البيان أنه لا يوجد مبرر لتدمير البنية التحتية واستهداف المدنيين المتعمد معتبراً هذه الخطوات (جريمة حرب) فكل من المواطنين الإسرائيليين والفلسطينيين لديهم الحق في العيش بسلام وامن. وفي خطوة مفاجئة أعلن الاتحاد الأوروبي أن مباريات الأندية الإسرائيلية في مسابقات دوري أبطال أوروبا، والدوري الأوروبي لن تقام في إسرائيل بسبب الوضع الحالي.
وفي تركيا وصف رئيس وزرائها (رجب طيب اردوغان) القصف الإسرائيلي لقطاع غزة بأنه محاولة إبادة منظمة للفلسطينيين منتقداً عدم تحرك المجتمع الدولي حيال ما يجري لقطاع غزة. أما مصر فقد نقل عن المتحدث الرئاسي المصري (إيهاب بدوي) قوله: أخذت مصر على عاتقها بذل كل الجهود للتوصل إلى التهدئة لوقف نزيف الدم الفلسطيني إلا أن ذلك يتطلب توافر المرونة الكافية من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، وأن الرئيس المصري أبلغ نظيره الفلسطيني عقب اجتماعهما يوم الخميس عزم القاهرة الاستمرار في تقديم كافة إشكال الدعم إلى الشعب الفلسطيني خاصة في قطاع غزة. من جانب آخر نقلت وكالة أنباء الشرق الوسط عن وزير الخارجية المصرية (سامح شكري) اتهامه لقطر ، وتركيا، وحركة حماس بالتآمر لتقويض جهود مصر الرامية لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة، وأنه لو قبلت حماس المبادرة المصرية لتم إنقاذ أرواح 40 فلسطينياً على الأقل.
برغم كل الردود الدولية إلا أن إسرائيل أقدمت على توسيع نطاق المجازر وسط المدنيين ومع فجر السبت 19/7 كان قد مضى على بدء العدوان 11 يوماً وعلى الحرب البرية يومان أعلن الناطق باسم وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد الشهداء بلغوا 316 شهيداً، وأن الجرحى وصل عددهم إلى 2300 جريح منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع. في الوقت نفسه شهدت منطقة أشكول داخل إسرائيل والشوارع المحيطة بها لا سيما عسقلان توتراً أمنياً مع دخول العملية البرية يومها الثالث فقد أعلنت كتائب القسام في بيان لها أنها قامت بعملية إنزال يوم الخميس 17 يوليو شرق رفح وتسببت بخسائر في صفوف العدو، وكذلك كمين فجر الجمعة 18.يوليو في بيت لاهيا شمال قطاع غزة ومقتل عدد من جنود الاحتلال، إلى جانب تفجير دبابة إسرائيلية شرق خانيونس مساء الجمعة، كذلك تفجيرات في إحدى القوات فجر السبت شمال بيت حانون، وصباح السبت عملية إنزال جديدة خلف خطوط العدو في منطقة أبو مطبق العسكري ، أسفرت عن تدمير دورية عسكرية تدميراً كاملاً ومقتل ستة من جنود الاحتلال، وقتل خمسة آخرين في عملية إنزال أخرى في منطقة الريان برفح، إضافة لاستهداف دبابة، وجرافة بعبوات التاندوم مما أدى لسقوط قتلى وجرحى في صفوف العدو.
الأحد الدامي وذاكرة النكبة
لقد أدى توسيع العدوان، والدخول البري إلى قطاع غزة لزيادة الخسائر في الجنود الإسرائيليين، وبالمقابل أقدمت إسرائيل على الانتقام من أهالي القطاع بحيث أخذت أعداد الشهداء في تزايد إذ سجل يوم الأحد 20 يوليو 149 شهيداً ، وبالتالي كان رقماً غير مسبوق منذ أن بدأت الحرب.
مع التصعيد في العدوان ازداد الحراك السياسي فقد التقى الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) الرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي)، وأعلن تأييده الكامل، والمطلق للمبادرة المصرية والتي تتضمن وقف إطلاق النار ومن ثم الاتفاق عبر التفاوض، في حين أصرت حركة حماس على الاتفاق أولاً ومن ثم وقف إطلاق النار.
بعدها التقى الرئيس أبو مازن بوزير الخارجية الفرنسي (لوران فابيوس) في القاهرة، والذي دعم المبادرة المصرية والمؤيدة من جامعة الدول العربية، وطلب منه الاتصال بتركيا وقطر قبل زيارته لاسطنبول أملا منه فى سرعة التوصل لاتفاق يبعدنا عن التجاذبات فى المنطقة التى سندفع ثمنها بالتأكيد من دماء شعبنا حيث عقد بعدها أبو مازن اجتماعاً مغلقاً مع رئيس الوزراء التركي اردوغان ليلة الجمعة، وفجر السبت تلقى اتصالاً هاتفياً من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ودار الحديث حول المبادرة المصرية، وقد انتشر حديث وقتها عن مبادرة قطرية إلا أن صحيفة (جيروزاليم بوست ) على لسان مسئول إسرائيلي لم يذكر اسمه نفت وجود مبادرة قطرية مطروحة على الطاولة، وأن إسرائيل تريد ترتيباً لوقف إطلاق النار بمشاركة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ومن خلال وسيط واحد هو مصر وليس قطر.
وقد أدى ارتفاع حصيلة أعداد الشهداء نتيجة العنف الإسرائيلي على المدنيين إلى إخراج السكان من بيوتهم خصوصاً المناطق الشرقية من قطاع غزة والتي كان لها نصيب من القذائف التي سقطت على البيوت الآمنة فكان يوم الأحد يوماً دامياً خرجت فيه جموع المواطنين بوضع وصف بأنه اشد مأساوية من نكبة فلسطين عام 1948.
وليدفع الاحتلال الإسرائيلي المواطنين الذين لم يغادروا بيوتهم منذ الحرب للهجرة من شرق غزة إلى غربها قام بارتكاب مجازر كان أشدها مجزرة حي الشجاعية التي راح ضحيتها 72 شهيدا في يوم واحد، وقد وصف السكان هجرتهم من بيوتهم إلى مدارس الوكالة أو أقرباء لهم غرب غزة بالمأساة التي لن تنمحي من ذاكرتهم خصوصاً وأنهم فقدوا أحباءهم أثناء الهجرة القسرية عن بيوتهم ، وعانوا خوفاً وألماً شديداً لجثث الشهداء ، والجرحى الملقاة أمام ناظريهم وهم يرحلون تحت وابل من قذائف الدبابات ، وبات يوم 20/7/2014 يوماً لم ولن ينسى من ذاكرة الفلسطينيين، في حين أنه قتل 15 جندياً إسرائيلياً وهذا رقم غير مسبوق وفي اليوم التالي سقط 78 شهيداً اثر توسيع إسرائيل لعملياتها الانتقامية، ورداً على ذلك تمكنت المقاومة من نصب كمين بعبوات برميلية لقوات إسرائيلية كانت تتقدم شرق حي التفاح بغزة مما أدى لتدمير الآليات المتقدمة ومن ثم تم الاشتباك مع ناقلة جند وتم الإجهاز على من فيها من مسافة صفر، وأسفرت العملية حسب بيان كتائب القسام عن مقتل 14 جندياً إسرائيلياً، وأسر الجندي (شاؤول ارون)، في وقت نفت إسرائيل وقوع جنود لها بالأسر وتحدثت عن مقتل تسعة جنود فقط، مما دفع الجمهور الإسرائيلي لاتهام نتنياهو بالكاذب وطالبوه بالاستقالة، وبضرورة توضيح كل ما يجري في العمليات العسكرية على غزة، كما شتموا وزير الخارجية ليبرمان باعتباره هو الذى ورط الجيش في الحرب على غزة، فيما طالب البعض بتوقف العمليات العسكرية والانسحاب الفوري من غزة، أما المتطرفين اليمينيين والمستوطنين فقد رأوا أن إسرائيل فقدت هيبتها، وأرادوا إكمال المعركة لإعادة هيبة الجيش.
مع تصاعد الخسائر في الجيش الإسرائيلي الذي دخل القطاع برياً لعشرات الأمتار وتراجع تقدمه لقوة المقاومة إلى جانب تصاعد عدد الشهداء من المدنيين دفع الأمريكان للتحرك بعد أن باركوا العملية البرية وأيدوا العدوان على غزة، فقد أظهر مقطع مسرب خلال مقابلة أجراها وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) مع قناة (فوكس نيوز) الأمريكية وهو يتحدث إلى مساعده قبل دقائق من بدء المقابلة تعليقاً عبر فيه عن قلقه من أعداد المدنيين المتزايدة حيث قال بتهكم في مكالمته الهاتفية " يالها من عملية دقيقة، يا لها من عملية دقيقة" ثم تابع " نعم إن العملية تتصاعد بشكل ملحوظ، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى وقف لإطلاق النار، يجب علينا الذهاب إلى هناك... جون، أعتقد أنه يجب علينا الذهاب إلى المنطقة الليلة، أعتقد أنه من الجنون، أن نبقى هنا" وفي رده على هذا التسريب أجاب ردة فعلي هي ردة فعل أي شخص في ما يتعلق بالأطفال الصغار والمدنيين.
الحرب صعبة قلتها من قبل بشكل علني وأقولها مرة أخرى. نحن ندعم حق إسرائيل في أن تفعل ما تفعله لتدمير الأنفاق فإسرائيل قبلت بوقف إطلاق النار بين الطرفين، وقبلت المبادرة المصرية التي ندعمها بدورنا. من المهم أن تفهم حماس الآن أنه يجب عليها القبول بوقف إطلاق النار لحماية الأرواح.
هذه هي الطريقة الصحيحة للمفاوضات في كل المسائل العالقة.
مؤتمر باريس بعد الهجوم البري الذي دعمته أمريكا بيومين صرح أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير السيد (ياسر عبد ربه) قائلا ، فشلنا في المفاوضات .. وغزة تدافع حالياً عن المشروع الوطني الفلسطيني، وفي 22/7/ 2014 ألقى رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ورئيس منظمة التحرير السيد (محمود عباس) بخطاب وصف بأنه عالي السقف وغير مسبوق حيث قال " لن يرهبنا القتل، ولا التدمير ، وسنضمد جراحنا حين يأتي اليوم المحتوم الذي ننتصر فيه ، وترفرف رايات القدس عاليا فوق الأقصى ، والقيامة " داعيا الجميع إلى الوحدة ونبذ الخلافات في هذه اللحظات العصيبة ، والابتعاد عن الفصائلية الحزبية الضيقة خلال هذه المرحلة جرى لقاء الرئيس محمود عباس بالسيد خالد مشعل لأول مرة في الدوحة يوم 21/7 أي قبل الخطاب بيوم، كما انه طرح فكرة هدنة مؤقتة للتفاوض بتاريخ23/7/2014.
أدى هذا الموقف إلى تزايد الحراك الشعبي في الضفة الغربية، والقدس وزاد الالتفاف الشعبي حول موقف الرئيس الفلسطيني الذي عبر عن حالة من التضامن الكبيرة مع المطالب الفلسطينية العادلة وهو ما وضع وقتها في إطار مطالب المقاومة ، مما دفع إسرائيل للهجوم عليه ، والحديث عن عدم وجود شريك في عملية السلام، وأن أبو مازن بات أقرب لحركة حماس منه للمفاوضات مع إسرائيل. في هذا الوقت تيقنت الولايات المتحدة من عدم قدرة إسرائيل على تحقيق أهدافها في تحجيم قوى المقاومة وأن الأمر أخذ من الوقت أكثر مما هو متوقع، وأن إسرائيل باتت متهمة بارتكاب مجازر حرب من هول الدمار الذي خلفته، ومع تصاعد الحراك في الضفة الغربية والقدس أسرعت الدبلوماسية الأمريكية لإنقاذ إسرائيل كما فعلت في العدوانين السابقين على قطاع غزة، وفي حرب لبنان 2006 خصوصاً وأنها باتت مأزومة وتبحث عن مخرج ، لذلك سعى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري من خلال إعادة تسويق المبادرة المصرية بإعطائها بعدا دوليا يبحث حسب رأيه تفاصيل وشروط وقف إطلاق النار فأعلن من القاهرة دعوته لانعقاد مؤتمر باريس، وهو ما رأى فيه المراقبين تجاوزاً لصاحبة المبادرة مصر الأولى في الدعوة للمؤتمر ، وأنه بمثابة التفاف يقصد منه تحجيم دور مصر الإقليمي، وقد قصد كيري من وراء دعوة تركيا وقطر مع الولايات المتحدة والأوربيين استبعاد الأطراف المعنية خصوصا منظمة التحرير الفلسطينية والأطراف التي اجتمعت في 26.يوليو.2014 كانت تبحث عن هدنة مؤقتة ولو حتى تحت عنوان هدنة إنسانية، وإيجاد حل وتسوية ما لقطاع غزة منفصلة عن الكل الفلسطيني، وهو ما فهمه الرئيس أبو مازن من مباحثاته السابقة مع كل الأطراف لذلك كان خطابه الذي تبنى فيه مطالب المقاومة حتى يوقف اللعبة الأمريكية التي تسعى لدولة في غزة منزوعة السلاح بمساعدة الأطراف الإقليمية المؤثرة على حركة حماس. وقد كشف بعدها الرئيس أبو مازن أن عدم حضوره ، مؤتمر باريس " جاء بسبب عدم دعوة القاهرة لهذا المؤتمر مؤكدا أنه أصر على أن تكون مصر هي من توجه الدعوات لحضور المؤتمر باعتبارها راعية مبادرة وقف إطلاق النار مشددا على ضرورة الالتزام بالمبادرة المصرية، ورفض قبول أي مبادرات أخرى منوهاً أن أي شيء سيأتي من جانب مصر على أساس هذه المبادرة فنحن على استعداد للمشاركة به، ولن نقبل تلبية مبادرات من أطراف أخرى، خصوصا هذه المبادرات التي ستعمل على تشتيت العمل الفلسطيني.
بيان باريس دعي لتحقيق أمن إسرائيل مقابل تنمية اقتصادية طويلة الأمد في قطاع غزة، وتجريد سلاح المقاومة ، وهو ما تهدف إليه إسرائيل. حركة الجهاد الإسلامي على لسان (زياد النخالة) القيادي في الحركة رفضت ما جاء في بيان باريس حول غزة الذي يتحدث عن تهدئة، كما ذكر (موسى أبو مرزوق) القيادي في حركة حماس أن الحركة لا تقبل بأي حلول للازمة المالية في غزة لا تراعي شروط وقف إطلاق النار التي سبق ووضعها الحركة.
كل هذا تطلب عملاً فلسطينياً مشتركاً بعيداً عن تأثير المحاور الإقليمية التي تتلاعب بها أمريكا، وإسرائيل اللتان تحاولان استثمار المجازر في قطاع غزة لصالح إسرائيل سياسياً، د. إبراهيم أبراش في مقال له بعنوان (احذروا مؤتمر باريس المشئوم) قال : "مؤتمر باريس يوم السادس والعشرين من يوليو 2014 يجب أن يبقى عالقاً في أذهان الفلسطينيين، لأنه ليس مجرد مؤتمر لعقد هدنة عادية، أو مؤتمر لجهات مانحة، بل هو أخطر بكثير ويستحضر للذاكرة المؤتمرات الاستعمارية في بداية القرن الماضي حيث كان مصير الشعوب يتقرر في مؤتمرات تغيب عنها الشعوب المعنية وممثلوها.
لقد عقد مؤتمر باريس وسط تصعيد إسرائيلي غير مسبوق وسجل في هذا اليوم بالذات سقوط 151 شهيدا وبدت إسرائيل وكأنها تريد الضغط على الجميع حتى آخر لحظة للقبول ببيان باريس وهو ما لم يتم . فالسلوك الاسرائيلى منذ بدء العدوان كان يتحرك سياسيا على فكرتين :
1- أن عدوانها الثالث على قطاع غزة جاء ضمن بيئة غير مواتية فيما يخص علاقة حركة حماس بمصر .
2- أن الانقسام الفلسطيني لايزال قائما وبالتالي هناك من يشجع على التخلص من حركة حماس .
إلا أن المتغيرات التي أحدثها صمود الشعب الفلسطيني ، وتلاحم مقاومته التي فاجأت العدو الصهيوني الذي لايريد أن يعطى شيئا للفلسطينيين ، ويراهن على الانقسام في نفس الوقت ، قاد في 29/7 إلى تشكيل وفد موحد للتفاوض ضم ممثلين عن السلطة الوطنية الفلسطينية وحركتي الجهاد وحماس وباقي فصائل العمل الوطني بقيادة عزام الأحمد وهو ما يؤكد أن الجميع وصل إلى مرحلة يمكن فيها وضع أسس شراكة حقيقية في الداخل والخارج ، وان المقاومة باتت تمثل رافعة للمشروع الوطني الفلسطيني بعد أن اصطدمت عملية السلام بجدار من فولاذ لايمكن اختراقه ، وتوقفت العملية السياسية التي باتت لاتقدم شيئا للفلسطينيين ، في حين أن محاولات إسرائيل الواضحة لإظهار مصر كمتحالف معها كلها فشلت أمام الموقف المصري الصلب الذي لم ينساق للعديد من التصريحات العدائية ضده وأمكن بالمقابل استثمار العلاقة الايجابية للسلطة الفلسطينية مع مصر للوصول إلى التفاهمات الممكنة ، وهو ماأكدته حركة الجهاد الاسلامى وبات يظهر في موقف حركة حماس من مصر الذي أصبح أكثر تفهما وايجابية منه قبل وبداية العدوان على غزة .
في ذلك الوقت كانت أرقام الشهداء في تصاعد مستمر ، وفاق عدد النازحين إلي مدارس وكالة الغوث مائتي ألف نازح ، وتعرضت مناطق متفرقة من قطاع غزة إلى مجازر منها قرية خزاعة التي بقى سكانها فتعرضت للقصف برا وجوا بحيث تم تدمير ثلثيها ، واستشهد من سكانها 29 مواطنا وجرح العشرات يوم 23 يوليو كما عمدت إسرائيل يوم 24 يوليو إلى قصف مدرسة تابعة للأونروا في بيت حانون والتي كانت ملاذاً للنازحين من منازلهم مما أدى إلى استشهاد 16 مواطناً وجرح 200 آخرين، وقد أكد المتحدث باسم الأونروا ( كريس غانيس ) أن الوكالة أعطت إحداثيات المدرسة مسبقاً للجيش الإسرائيلي كتدبير وقائي لمنع الإغارة عليها، ورغم طلبه فتح نافذة للمدنيين لمغادرة المدرسة إلا أن طلبه لم يوافق عليه، في حين ادعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي( بيتر ليرنير ) أنهم طلبوا من الأونروا إجلاء الناس منذ ثلاثة أيام، وأن أجهزة الاستشعار الإسرائيلية رصدت إطلاق حماس صواريخ ومقذوفات سقطت في بيت حانون.
في حين انتشل خلال الهدنة الإنسانية التي دعي لها المجتمعون في باريس لمدة عشر ساعات أكثر من 132 شهيداً من تحت الأنقاض موزعين على مختلف مناطق قطاع غزة. أما يوم 29/7/2014 فكان من الأيام الأكثر دموية في الحرب حيث بلغ عدد الشهداء 144 شهيداً، فقد جن جنون الجيش الإسرائيلي وبدأ بقصف المساجد والمدارس رداً على عملية اقتحام وتسلل خلف خطوط العدو في اليوم السابق أسفرت عن قتل قرابة العشرة جنود، وفي اليوم الثاني 30/7 كانت حصيلة الشهداء 132 شهيداً، وبقت أعداد الشهداء في تصاعد. وبحلول 31 يوليو.
كان قد استشهد قرابة 1400 فلسطيني معظمهم من المدنيين بما في ذلك مئات من النساء والأطفال مقابل ثلاثة مدنيين إسرائيليين فقط فإسرائيل ومع هذا الفرق في أعداد المدنيين إلا أنها واصلت خرق قواعد القانون الدولي وآثرت الإمعان في محرقتها للسكان الآمنين من المدنيين فاستمرت في قصف المواطنين والمنازل ، وتحولت مناطق واسعة من قطاع غزة إلى ركام، وتعرضت أربعة مستشفيات لهجوم الأمر الذي يرتقي لمصاف جرائم الحرب الوفد الموحد لمفاوضات القاهرة بعد خطاب الرئيس أبو مازن الذي دعى فيه للوحدة الوطنية، وتحدث عن الانتصار، وتضميد الجراح في 22/7 حيث كان قد مضى على العدوان أسبوعين، وبعد أن فهم الجميع أن الحرب وتداعياتها ستطال الجميع تم في29 /7 تشكيل وفد موحد للتفاوض ضم ممثلين عن فصائل منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية، وحركتي حماس والجهاد وقد ضم الوفد كل من: 1- عزام الأحمد رئيساً للوفد 2- ماجد فرج رئيس المخابرات العامة 3- موسى أبو مرزوق عن حركة حماس 4- خليل الحية عن حركة حماس 5- عزت الرشق عن حركة حماس 6- محمد نصر عن حركة حماس 7- عماد العلمي عن حركة حماس 8- بسام الصالحي عن حزب الشعب 9- قيس عبد الكريم عن الجبهة الديمقراطية 10- زياد النخالة عن حركة الجهاد الإسلامي 11- خالد البطش عن حركة الجهاد الإسلامي 12- ماهر الطاهر عن الجبهة الشعبية يوم الجمعة 1/8/ 2014 كان قد انهار اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الولايات المتحدة والأمم المتحدة بعد ساعات من سريانه حيث خرقته إسرائيل بذريعة اختطاف جندي إسرائيلي، وواصلت قصف قطاع غزة خصوصاً رفح ليسجل في هذا اليوم استشهاد 160 مواطناً جلهم مدنيين.
رغم ذلك وصل أعضاء المنظمة والسلطة الفلسطينية من الضفة الغربية للقاهرة في اليوم الثاني ، وتبعهم يوم 3/8 وفد حركة حماس من الدوحة فيما تأخر الوفد من القطاع لتدهور الوضع الأمني.هذا في حين سارع نائب وزير الخارجية الأمريكي( بيل بيرنز)، ورئيس وزراء بريطانيا الأسبق وممثل الرباعية الدولية( توني بلير) للقاهرة للمشاركة في المفاوضات بعد انهيار التهدئة مطلع أغسطس .
في اليوم الثاني كان الوفد المشترك من الفصائل الفلسطينية قد بدأ اجتماعاته لبلورة موقف موحد وتم الاتفاق على ورقة مطالب فلسطينية وقد عقد إثر ذلك مباحثات غير مباشرة بين الجانبين الفلسطيني، والإسرائيلي في مقر جهاز المخابرات المصرية من أجل التوصل لاتفاق وقف إطلاق نار شامل ودائم في قطاع غزة. وقد توصلت الأطراف إلى هدنة لمدة 72 ساعة تبدأ في 5/8 وتنتهي في 7/8 بحيث يتم استغلال فترة التهدئة لمقاربة المواقف حتى يتم التوصل لاتفاق نهائي، ولم تسجل في تلك الفترة أية خروقات تذكر وبعد انتهاء المهلة ورغم أن الأجواء كانت تبدو إيجابية إلا أن إسرائيل تمسكت بموقفها في عدم الرضوخ للمطالب الفلسطينية وبهذا الخصوص صرح عضو الوفد الفلسطيني (قيس عبد الكريم) قائلاً إذا أردنا أن تستقر المنطقة فلا بد من تنفيذ كل المطالب، لأن وقف إطلاق النار دون تنفيذها سيكون غير مجد، وقد نكون بعدها على موعد مع حرب جديدة.
كما أكد (عزت الرشق) عضو المكتب السياسي لحركة حماس وعضو الوفد المفاوض لمباحثات التهدئة "أن استئناف الوفد الفلسطيني المفاوضات غير المباشرة مع الجانب الإسرائيلي برعاية مصرية جاء على قاعدة التمسك بكل مطالب الشعب الفلسطيني كونها حقوق أساسية سرقها العدو دون حق. كان هناك تخوف من البعض مفاده أن الانغماس في مفاوضات تجري فقط لمعالجة قضايا إجرائية إنسانية من رفع الحصار، أو فتح المعابر وفتح مطار غزة بأنه وضع مقلق إذ يخشى تبديد الانجازات التي حصلتها المقاومة، وان الانجاز في ظل عدم دعم عربي له سيتبدد أيضاً وانه من الجيد التفكير بإطلاق مشروع للتحرير على قاعدة التناغم والتناسب بين المسارين السياسي، والعسكري، والانجاز الكبير يجب ألا يكتفي به لتحقيق نتائج قصيرة الأمد.
وفي هذا رأى البعض أنه يجب التقليل من مصطلح (معركة غزة) ليحل محلها (معركتنا في فلسطين)، وأن نخفف من ذكر حركة حماس لتعزيز الوحدة الوطنية على قاعدة الشراكة التي تجسدت في حكومة الوفاق ومن بعدها الوفد المفاوض في القاهرة، وحتى يركز الوفد المفاوض على قضايا أمنية وإستراتيجية في الوقت نفسه وأهمها المصالحة الفلسطينية حيث تكون وحدة الوفد المفاوض مرحلة يبنى عليها. آخرون رأوا في صلابة ووحدة موقف الوفد المفاوض ، وخلال الفترة القصيرة التي اتفقوا فيها على ورقة ومطالب موحدة مؤشرات ايجابية يجب أن نبني عليها مستقبلاً، وأن ذلك يدعو لمراجعة إستراتيجية وشاملة في المرحلة المقبلة خصوصاً وأن الركائز التي دفعت للصمود الفلسطيني توزعت على ثلاث محاور وهي المقاومة، والصمود الشعبي، والوحدة الوطنية التي جسدها الوفد المفاوض كممثل للكل الفلسطيني.
د. بهاء أبو كروم في حلقة نقاش تحدث قائلاً يتوجب منا بعض المقاربات بحيث لا يحمل الشعب الفلسطيني كلفة أكبر من قدرته على الاحتمال، فقد كان من مؤشرات العدوان سهولة تحشيد المجتمع الدولي مع العدو ضد غزة " ويقول أيضاً " مع ظهور مبادرات مصرية وقطرية وتركية بدا أن القضية غير موجودة فخلال عدوان غزة هناك دول قدمت أموال وسلاح ومظاهرات، ولكن هذا استثمر لصالح الدول، والدم هو الدم الفلسطيني، فليس هناك أي محور ساعد القضية الفلسطينية ، " مضيفاً أنه لو أراد المفاضلة بين شيئين بيئة عربية قوية في ظل انقسام فلسطيني، وبيئة عربية ضعيفة في ظل توحد الموقف الفلسطيني فالثانية هي الأهم، فالوحدة الفلسطينية هي التي ستؤدي للمكاسب السياسية الرئيسية . هذا في حين ورقة المطالب الفلسطينية التي اتفق عليها وسلمت للجانب المصري يوم 3/8/2014 نصت على التالي:
1- الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
2- رفع الحصار كاملاً عن قطاع غزة.
3- الإفراج عن الأسرى الذين اعتقلوا خلال الثلاثة شهور الماضية في الضفة الغربية.
4- ضمان تدفق الأموال إلى موظفي قطاع غزة.
5- إلغاء المنطقة العازلة على حدود قطاع غزة.
6- السماح للصيادين بالوصول إلى مسافة 12 ميل داخل البحر.
7- تشغيل ميناء ومطار غزة.
8- أن تقوم السلطة الفلسطينية وحكومة التوافق بإعادة الاعمار في غزة.
في 7 أغسطس وبعد أن انتهت مدة أل 72 ساعة من التهدئة كانت المفاوضات غير المباشرة تراوح مكانها دون أي اختراق يذكر، رجح البعض تمديدها إلى 72 ساعة أخرى إلا أن رفض إسرائيل أغلب الشروط الفلسطينية كان يشير إلى انهيار التهدئة خصوصاً وأن إسرائيل رفضت الإفراج عن محرري صفقة شاليط الذين أعيد اعتقالهم في الضفة الغربية، وعن باقي الأسرى والنواب كما رفضت السماح ببناء ميناء بري أو بحري في القطاع ، وأن فتح المعابر متفق عليه في 2005 ولن يتم فتحها إلا بناء على الاتفاقات الموقعة، كما أضاف الجانب الإسرائيلي شرطاً تعجيزياً وأصر عليه وهو (نزع سلاح المقاومة الفلسطينية) وهو ما رأى فيه السياسيين والمراقبين أمر مستحيل بالنسبة للجانب الفلسطيني.
في المقابل بقي الوفد الفلسطيني مصراً على مطالبه برفع الحصار بشكل كامل عن القطاع وفتح المعابر الإسرائيلية جميعاً مع ضمان تدفق الأموال لموظفي القطاع وكذلك فتح الميناء البحري والمطار.
وقد انهارت التهدئة وغادر الوفد الإسرائيلي القاهرة في حين بقى الوفد الفلسطيني الذي تابع مع رئيس المخابرات المصرية (محمد فريد التهامي) لمقاربة المواقف أكثر، في نفس الوقت واصلت إسرائيل قصفها لقطاع غزة لثلاثة أيام عقب انهيار التهدئة مما أدى لاستشهاد 46 مواطناً.
وجرح المئات ، ودخلت إسرائيل في حالة استنزاف للمقاومة علها تلين في مواقفها. في يوم 10 أغسطس كان يبدو جلياً أن إسرائيل تريد وقف إطلاق النار والتفاوض على كل البنود لذلك اقتنع الجانب الفلسطيني بتأجيل البحث في الميناء والمطار عقب تثبيت التهدئة وكان الوسيط المصري قد اقترح هدنة لمدة تتراوح بين 25 إلى 30 يوم ثم البدء في المفاوضات بشكل مفصل من خلال التطرق لما يخص مطالب الوفدين عقب انتهاء الهدنة، وقد صرح طارق فهمي وهو أستاذ في العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن تأخر المفاوضات في تحقيق نتائج يرجع إلى إصرار الوفدين على مطالبهما خلال المفاوضات، وأن صعوبة المفاوضات بسبب حجم ما هو مطروح وهو لا يتلاءم مع حجم الصلاحيات الممنوحة لكل وفد خصوصاً الوفد الإسرائيلي الذي كان يعود لحكومته في جميع الأمور.
كما تشير بعض المصادر أن التعنت الإسرائيلي في المفاوضات كان يؤدي بالمقابل إلى عودة الوفد الفلسطيني للتمسك ببنود كان قد أجلها، وأراد تجاوزها مؤقتاً. في 11 أغسطس تم التوصل لتهدئة لمدة 48 ساعة تنتهي بعدها عله يحدث اختراق في المفاوضات . لم يتوصل الطرفين لاتفاق فتجدد العدوان يوم 13 /8 وسقط في هذا اليوم عشرة شهداء وجرح عشرات المدنيين، وفي 14/8 تجددت التهدئة لخمسة أيام بحيث تنتهي في 18 /8 في تلك الفترة كان الوفد الفلسطيني يدرس الورقة المصرية الأخيرة التي عرضت عليه وتتضمن وقف إطلاق نار دائم في قطاع غزة، والذي كان مطلوباً هو الخروج بموقف فلسطيني موحد إما الرفض أو القبول، وكانت مصر عرضت على الأطراف ورقة توفيقية تنص على وقف الأعمال العدائية من الطرفين، وفتح المعابر بما يحقق إنهاء الحصار وحركة الأفراد والبضائع، ومستلزمات الاعمار طبقاً للضوابط التي يجري الاتفاق عليها بين السلطات الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية، وقيام إسرائيل بالتنسيق مع السلطة بشأن الموضوعات المالية المتعلقة بقطاع غزة ، وإلغاء المنطقة العازلة على حدود غزة بانتشار قوات الأمن التابعة للسلطة على مراحل، وتوسيع منطقة الصيد البحري على مراحل أيضا ، والعودة إلى استكمال المفاوضات خلال شهرين من تاريخ الاتفاق بشأن تبادل الأسرى والجثامين بين الطرفين، أما بحث أسلوب وإنشاء وتشغيل المطار والميناء البحري في قطاع غزة فيكون طبقاً لاتفاقية أوسلو، والاتفاقيات الموقعة.
وفي الوقت الذي كان يتباحث الوفد الفلسطيني المفاوض للوصول إلى ورقة تكون منصفة للجانب الفلسطيني، كانت الإسعافات وسيارات الدفاع المدني تنتشل الشهداء من تحت ركام المنازل بحيث سجل في أيام التهدئة الخمس عدداً وصل إلى 67 شهيداً كانوا تحت الأنقاض. بعدها تم الاتفاق على تمديد التهدئة لمدة 24 ساعة إلا أنها انهارت عصر نفس اليوم بعد أن أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي وفده بمغادرة القاهرة، وقد حمل رئيس الوفد الفلسطيني (عزام الأحمد) إسرائيل مسئولية انهيارها، ووصفها بأنها نية مبيتة في إنهاء الهدنة والعودة إلى دائرة العنف. مشيراً إلى أن الوفد الفلسطيني ورغم مغادرة الوفد الإسرائيلي القاهرة إلا أنهم سلموا المصريين ورقة فلسطينية وبانتظار الرد عليها. القاهرة بدورها أبلغت الوفد الفلسطيني أن المفاوضات لم تنته بعد وستواصل جهودها لإعادة الوفدين للقاهرة ، في الوقت نفسه حملت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية (ماري هارف) حركة حماس المسئولية عن خرق التهدئة، وإطلاق صواريخ من غزة. أما المتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي ( مارك ريغيف ) فقد قال : "إن إطلاق صواريخ من قطاع غزة جعل مواصلة المحادثات غير ممكنة فإطلاق الصواريخ من غزة لم يكن خرقاً واضحاً لوقف إطلاق النار بل دمر أيضاً الفرضية التي قامت عليها المحادثات".
في ذلك الوقت كان الرئيس الفلسطيني يتهيأ لجولة تشمل الأردن، وقطر، ومصر لإنقاذ الوضع المتدهور. في 19/8 ومع انهيار التهدئة أطلقت إسرائيل مساءً عدة قذائف اتجاه منزل لعائلة الدلو والمنازل المحيطة به، ورشح بعد ذلك أنها محاولة فاشلة لاغتيال قائد كتائب القسام (محمد الضيف) والتي ذهب ضحيتها زوجته وولديه وعدد كبير من المواطنين سقطوا بين شهيد وجريح وقد فسر البعض تعمد إسرائيل إرجاع وفدها من القاهرة والإصرار على خرق التهدئة وعدم تمديدها بوجود صيد ثمين كانت تنوي النيل منه، وهو ما فشلت فيه ليضاف إلى سجل فشلها المتلاحق في الحرب على غزة، لا سيما وأن نتنياهو خلالها لم يتمكن من رفع رصيده السياسي، وبقى عاجزاً طوال الوقت عن رفع شعبيته، وشعبية حزبه، ويبحث عن أي فرصة ليسجل انتصاراً ولو محدود، هذا وقد بلغت حصيلة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مع انهيار التهدئة نحو 2016 شهيداً وأكثر من 10193 جريح فيما قدرت أعداد النازحين بحوالي ربع مليون نسمة يعيشون في مدارس الأونروا أو لدى أقاربهم أو مستأجرين لشقق ومنازل بديلة غرب غزة.
صباح الأربعاء غادر الوفد الفلسطيني للمباحثات غير المباشرة القاهرة بعد انهيار الهدنة مع إسرائيل، وتوجه وفد حركة حماس إلى الدوحة حيث حضر الاجتماع الذي جمع بين الرئيس أبو مازن، وأمير قطر تميم بن حمد والسيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، فبعد أن توجه الرئيس أبو مازن للأردن واجتمع مع الملك عبدالله بن الحسين توجه لقطر التي وصلها يوم الاربعاء 21 / 8 واجتمع مع أمير قطر أولاً ومن ثم حضر السيد خالد مشعل ومعه السيد موسى أبو مرزوق نائبه والسيد خليل الحية وآخرين وكان يرافق الرئيس د. صائب عريقات عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والسيد ماجد فرج رئيس المخابرات الفلسطينية، وقد رشح في وسائل الإعلام أن الاجتماع كان يركز على مسألتين وهما:
1- المسار السياسي: وفيه تم طرح إستراتيجية سياسية مفادها أن تقبل إسرائيل وأمريكا خطياً بدولة فلسطينية على حدود العام 1967، والقدس الشرقية عاصمتها، وبسقف زمني محدد يتم بعده مباشرة ترسيم الحدود، ومن ثم يتم مناقشة الوضع النهائي فإن قبلوا ذلك خطياً سنواصل في مسار المفاوضات، وإن لم يقبلوا سنعمل التالي:
ا- وقف التنسيق والتعامل مع إسرائيل. ب-دعوة نتنياهو لتسلم السلطة ولتتحمل إسرائيل مسئولياتها كدولة احتلال. جـ-و فيما يخص القدس فسوف تتخذ نفس الخطوات السابقة وهو ما تم إبلاغه للملك عبدالله في الأردن.
2- المصالحة الفلسطينية: وجرى فيها الحديث عن الشراكة، وعن مفاوضات القاهرة وما يجري فيها من عدم صلاحيات لوفد حماس بالذات، وعن قرار الحرب والسلم وحكومة التوافق الوطني ومصداقية إنجاحها.
وقد رشح في الإعلام أن الرئيس الفلسطيني كان قلقاً جداً لما آلت إليه الأوضاع في قطاع غزة، وتحدث بعصبية خصوصاً وأن المفاوضات مع الإسرائيليين قد انهارت، وحكومة التوافق لم ترض بها إسرائيل، وجاء العدوان على قطاع غزة، وأنه يجب وقف نزيف الدم الفلسطيني، فالأمور في غزة بغاية السوء، والدمار بات يزداد كل يوم ويجب التحرك في كل الاتجاهات بأسرع وقت، وكان أمير قطر يوافقه في الوصول إلى تهدئة حفاظاً على الأطفال والنساء. في ذلك الوقت كان الأمريكان يضغطون على إسرائيل بعد ارتفاع عدد الشهداء من المدنيين، وسط تجاهل إسرائيلي بات واضحاً خصوصاً وأن إسرائيل سحبت قواتها البرية لداخل الخط الأخضر واعتمدت فقط على قصف الأهداف المدنية داخل قطاع غزة مما قلل خسائرهم بحيث أنه منذ 2 أغسطس وحتى 25 أغسطس لم تسجل أي خسارة بشرية في صفوفهم، لذلك كان لزاماً على الفلسطينيين وسط التجاذبات الإقليمية، من توحيد الجهد السياسي لتخطي الفخ والاستدراج الأمريكي لاستثمار عدوان إسرائيل على غزة في تحقيق مكاسب سياسية لإسرائيل يساعدهم في ذلك غياب الموقف العربي الموحد، والذي أيضاً كانت الولايات المتحدة سبباً رئيسياً في تشتته، فكان الطرح الفلسطيني لإستراتيجية موحدة تقود لتحرير فلسطين في هذا الظرف العصيب مطلوباً، واستثمار المقاومة الناجحة في قطاع غزة وفر رافعة للتحرك السياسي، وهو ما ظهر من طرح الرئيس الفلسطيني ولقي تجاوباً من كافة الفصائل الفلسطينية.
وهو أيضاً ما تم بحثه في مصر مع الرئيس عبد الفتاح السيسي في 23 /8 فقد تم الاتفاق على طرح حل نهائي بعد التباحث في معالم هذا الحل، لتكون تلك الرؤية التي يجري تباحثها مع أطراف عدة خارطة طريق للتخلص النهائي من الاحتلال، وعدم قصر المشكلة في عدوان إسرائيل على قطاع غزة. كان العدوان قد وصل يومه الثامن والأربعين على قطاع غزة، وكانت حصيلة الشهداء خلال فترة ما بعد انهيار التهدئة على قطاع غزة قد وصلت 103 شهداء ومئات الجرحى، من بينهم ثلاثة من قادة القسام جنوب القطاع حيث اعتبرت إسرائيل استشهادهم بمثابة صيد ثمين كما دخلت إسرائيل بالعدوان إلى مرحلة جديدة وهي هدم الأبراج السكنية.
هدم الأبراج السكنية والعجز الإسرائيلي مع تعنت إسرائيل تواصلت صواريخ المقاومة بالسقوط على إسرائيل وبالمئات كبداية العدوان، في حين ذهب الجيش الإسرائيلي إلى شكل جديد من التدمير فقام بقصف الأبراج السكنية في يوم 23 أغسطس للنيل من المواطنين بعد أن وضح للجميع أنه لم يعد لديهم أي هدف عسكري أو مدني وان جعبتهم باتت فارغة فلجئوا للهدف الأضعف وهم المدنيين من السكان كي يوجدوا شرخاً في المجتمع الفلسطيني بإضافة أكبر عدد من المتضررين للضغط على المقاومة الفلسطينية.
مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان السيد (راجي الصوراني) في مؤتمر صحفي يوم 25/8/2014 وصف ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي بسياسة قديمة جديدة عندما قصف منازل المواطنين ودمرها على رؤوس ساكنيها، وعندما دمر أحياء كاملة وشرد ما يقارب 540 ألفا ليصبحوا لاجئين في أكبر ظاهرة تهجير منذ العام 1948، ولفت إلى أن استهداف برج الظافر 4 بغزة ويقطنه 400 مواطن أصبحوا خلال دقائق بلا مأوى، وقصف عمارة زعرب بخانيونس يوم 23/8 وتدمير برج قصر الباشا، ومن ثم المجمع الايطالي بغزة فجر اليوم يعطي مؤشر أن الاحتلال سيتبع سياسة ونهج لتخويف المدنيين بعد عجزه عن قصف المقاومة.
أما أ. عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان فقد وصفه بالتطور النوعي للعمليات ضد المدنيين، والتي تعتبر بمثابة جرائم حرب، ويجب ملاحقة كل من أمر ومن نفذ هذه الجرائم، مشيرا أن الوقت الآن هو المناسب للتوقيع على ميثاق روما، وان أي تأخر بذلك غير مقبول وعلى الفلسطينيين أن يبدأوا الطريق بأنفسهم. هذا وقد لجأت قوات الاحتلال إلى بث الإشاعات في صفوف سكان الأبراج الأخرى وأحياناً تحذيرهم لإحداث بلبلة وارتباك في الشارع، ولأن قطاع غزة لضيق مساحته يتوسع في العمران عموديا فهو مكتظ بالأبراج السكنية وهو ما استغله الإسرائيليون على غرار الضاحية الجنوبية، والتي تم تدمير غالبيتها في عدوان إسرائيل على لبنان 2006.
كان الاحتلال بضرب الأبراج لا يشرد المواطنين فحسب بل يضرب المكاتب الإدارية والإعلامية والإذاعية كما حدث في برج الباشا بغزة والمكون من 15 طابقاً باتت ركاماً على الأرض، وفي ذلك سحقت معدات صحفية باهظة الثمن، وبات العديد من الصحفيين بلا عمل. وفي البرج الايطالي الذي يحوي عدا السكان العديد من المحال التجارية التي تضررت بالكامل بات عدد من التجار والعمال بلا عمل، لقد كان نهجاً متعدد الأبعاد يفقد فيه الإنسان في لحظة مسكنه ، وعمله، وسنوات طويلة من عمره تذهب أدراج الرياح. كانت التداعيات تشير إلى أنه لا مكان محصن في غزة ومن هرب من شرقها لغربها هرب مرة أخرى ليبحث عن ملاذ آمن لأسرته فالموت والدمار يلاحق المدنيين في مسافة 6كم هي عرض القطاع ولم يتبق إلا البحر أمامهم.
في اليوم الخمسين للحرب 25/8 ارتفعت حصيلة الشهداء إلى 2131 شهيدا والإصابات قاربت ال 11100 جريحا ، وكان الوضع ميدانياً في القطاع ينذر بتصعيد إسرائيلي متواصل وفي الساعة السادسة والنصف مساء الثلاثاء 26/8 أعلن الرئيس (محمود عباس) أن التهدئة ستدخل حيز التنفيذ في تمام الساعة السابعة، وهذه الدقائق القليلة كانت كافية للاحتلال ليدمر برجاً جديداً في مدينة الشيخ زايد ببيت لاهيا، بينما منطقة أشكول في إسرائيل تلقت صواريخ المقاومة التي وفقت في قتل جنديين إسرائيليين بعد ستة عشر يوماً من عدم وقوع خسائر بشرية في الجانب الإسرائيلي، وفي السابعة تماماً توقفت الحرب ليسدل الستار على عدوان لم تشهد غزة مثله من قبل وقف إطلاق نار شامل ونهائي في بيان لوزارة الخارجية المصرية الثلاثاء 26/8 أعلنت أن التهدئة تدخل حيز التنفيذ الساعة السابعة في إطار اتفاق وقف إطلاق نار شامل ونهائي بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل.
وأكدت أن الاتفاق ينص على فتح المعابر المؤدية إلى قطاع غزة مع إسرائيل لإدخال المواد الاغاثية خلال فترة شهر ، وأثناء عودة المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين، واعتبر الاتفاق الذي لم يتم التوقيع عليه من قبل أي من الطرفين سواء الوفد الفلسطيني الموحد أو ممثلي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اتفاق (جنتل مان) برعاية مصرية. كما تم السماح للصيد بمسافة 6 ميل ، ووقف الأعمال العدائية بين الجانبين ، على أن تؤجل كافة القضايا الشائكة إلى ما بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ بشهر.
هذا فيما لم تحدد فترة المفاوضات التي تلي الشهر بين الجانبين وتركت مفتوحة. الاتفاق استند إلى اتفاق 2012 ولكن كلمة واحدة أعاقت الاتفاق من يومها وهي موضوع وقف الأعمال العدائية (تحت الأرض). في الجانب الإسرائيلي رشح أن رئيس الوزراء نتنياهو قد أخذ القرار من جانبه دون الرجوع لأحد من وزرائه فيما يتعلق بوقف إطلاق النار. كما صرح الناطق بلسانه قائلاً بالإمكان تطبيع العلاقات مع قطاع غزة في حال ثبات وقف إطلاق النار الأخير برعاية مصرية، وفي حال توقف الهجمات فبالإمكان فتح المعابر وتحسين حياة الناس.
هذا فيما صرح وزير الخارجية الأمريكي (جون كيري) أن بلاده تأمل في أن يكون اتفاق وقف إطلاق النار بين الإسرائيليين والفلسطينيين دائماً وقابلاً للاستمرار" داعياً جميع الأطراف للالتزام بالاتفاق. كما دعى (بان كيمون) الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن يكون وقف النار في غزة "دائما" وأن يمهد الطريق أمام عملية سياسية بين الطرفين. هذا فيما دعى الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) مساء نفس اليوم في اجتماع مع قيادة منظمة التحرير والفصائل برام الله" بأن تكون الرؤية واضحة جداً ومحددة ومعلومة من الألف إلى الياء، أما الدخول في مفاوضات عائمة فهو أمر لا يمكن أن نستمر فيه، مشيراً إلى ضرورة احترام وقف إطلاق النار الذي وضع حداً للعدوان الإسرائيلي ضد شعبنا طوال 51 يوماً منوها إلى ضرورة العمل لتطبيق خطة وطنية فلسطينية تقود إلى إنهاء الاحتلال والى التزام المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي بمسئولياته في هذا الصدد وفق جدول زمني محدد. مؤكداً على ضرورة مواصلة العمل والكفاح الشعبي ضد الاستيطان، ومواصلة العمل من أجل الأسرى بمن فيهم الذين اعتقلوا خلال الحرب العدوانية الأخيرة ضد قطاع غزة.
ردود الفعل الإسرائيلية على وقف إطلاق النار وصف المعلق العسكري في صحيفة هآرتس (امير أرون) نتيجة الحرب بأنها انهيار، وقال: إن شعار نتنياهو الهدوء مقابل الهدوء هو هدوء مقابل الكذب متوقعاً حرباً أخرى. وقد وصف حرب الخمسين يوماً بأنها تسببت بهزة لعقيدة الحرب الإسرائيلية لهذا طالب بإجراء فحص معمق لتلك العقيدة من اجل إنعاشها وترجمتها لخطوات سياسية، وأعمال عسكرية، وأضاف أن بنيامين نتنياهو سيحاول بذل الجهود الهائلة لتسويق نتيجة الحرب كنجاح لذلك أدعو لمحاسبته حول الحرب وحول الجنون المتعلق بإيران الذي بدد المليارات. هذا فيما عبر عدد من رؤساء المستوطنات والمجالس الإقليمية في المنطقة الجنوبية ومستوطنات غلاف غزة عن خيبة أملهم من التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مساء الثلاثاء في ظل تواصل سقوط صواريخ المقاومة على المدن والمستوطنات الإسرائيلية، وقالوا:" ليس من أجل هذا قضينا شهرين في الملاجئ" رئيس بلدية عسقلان (ايتمار شمعوني) تحدث لصحيفة معاريف الإسرائيلية قائلاً: " التنازل لحماس و المقاومة هو استسلام، وسكان الجنوب أرادوا حسم في هذه الحرب، لكن يبدو أن ذلك لن يحصل ، لقد أردنا رؤية المقاومة مهزومة لكننا رأينا إسرائيل تجري إلى طاولة المفاوضات في كل فرصة متاحة. مضيفاً "ليس من أجل إنجاز كهذا فقدنا 64 مقاتلاً و4 مواطنين وليس من أجل إنجاز كهذا قضينا شهرين في الملاجئ، وتعرضنا لضربة اقتصادية، وانهارت مصالحنا التجارية فقد توقعنا إنجاز أكبر بكثير. من جانبه قال رئيس المجلس الإقليمي حوف اشكلون( يائير فرجون ) : بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار لم يتوقف إطلاق الصواريخ، لا ينبغي أن نطمئن وعلينا البقاء متأهبين على الأقل في الأيام القريبة، على الحكومة أن تقوم بواجبها وعدم تمكين تنظيم إرهابي من تحقيق انجاز ذي معنى. أما رئيس بلدية إسدود فقال:" إذا ما تواصل إطلاق النار لن نفتح السنة الدراسية فالأول من سبتمبر ليس تاريخاً مقدساً ويمكن فتح المدارس في موعد آخر". هذا فيما صرح عدد من سكان الجنوب أنهم لن يعودوا لبيوتهم وسيواصلون في الوقت الراهن متابعة المستجدات، وقد نقل عن سكان كيبوتس نيريم قولهم : " خرجنا منذ أربعة أسابيع وجلنا البلاد وتلك أكثر صورة مرعبة نريها لأبنائنا، وننتظر تعليمات قيادة الكيبوتس، لكن في الوقت الراهن لا نرى سبباً للعودة.
أما الكاتب (ناعوم تشومسكي) في مقاله المنشور على صفحات نيويورك تايمز بعنوان كابوس في قطاع غزة فقد قال: " وسط الأهداف كافة التي برزت خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة يبدو هدف إسرائيل بسيطاً التهدئة مقابل التهدئة، وعودة الأمور إلى مجراها الطبيعي، في حين المجرى الطبيعي للأمور في الضفة الغربية هو استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات بصورة غير شرعية لضم كل ما له قيمة لإسرائيل ، واحتجاز الفلسطينيين في كانتونات لإخضاعهم للقمع والعنف.
ويكمل أن قانون الولايات المتحدة الأمريكية ينص على أنه " لا يمكن تقديم مساعدة أمنية إلى أي بلد تقوم حكومته بخرق حقوق الإنسان المعترف بها دولياً بشكل مستمر، ولا شك أن إسرائيل مدمنة على انتهاج هذا النمط متسائلاً هل من الممكن أن تتغير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ؟ ويجيب أن هذا ليس مستحيلا فقد تغير الرأي العام بشكل كبير في السنوات الأخيرة ولا سيما في صفوف الشباب. موشيه يعلون وزير الدفاع الإسرائيلي في معرض رده على موضوع الحسم العسكري يقول: إن مسألة الحسم العسكري تثير الاهتمام وتقتضي فحصها، فالحسم العسكري هو القدرة على تأدية الطرف الآخر إلى هدنة بحسب شروطك وهكذا رأينا المعادلة قبل العملية وبعدها، فقد أجبرنا حماس على هدنة بعكس طموحاتها وهذا انجاز دون شك، ويوجد حسم عسكري على الأرض بسبب الثمن الباهظ الذي دفعه القطاع، لدرجة أنهم سيفكروا مرتين قبل الاتجاه للتصعيد العسكري مرة أخرى، والأيام ستنبئنا بالردع الذي أحرزناه بعد العملية." من جانب آخر أجرت القناة الثانية الإسرائيلية استطلاعاً للرأي بعد أسبوع من وقف إطلاق النار كانت نتيجته أن 30% من الإسرائيليين ينوون الهجرة من إسرائيل حال أتيحت لهم الفرصة، وأنه لم يعد ترك إسرائيل خيانة وطنية كما كان يوصف سابقاً بل فرصة أخرى للحياة بحيث أن 64% غيروا نظرتهم للهجرة.
وقد أجرت القناة لقاءات مع إسرائيليين هاجروا إلى دول أوروبية أعربوا فيها عن سعادتهم بهجرتهم من إسرائيل. فيما تطرقت القناة لأغنية عبرية جديدة بعنوان (برلين) تدعو للهجرة من إسرائيل إلى برلين بدلا من الهجرة اليهودية التي شهدتها برلين إبان الحرب العالمية الثانية فيما أفاد موقع (والا) الإخباري الإسرائيلي أن سبعة عائلات تستوطن في كيبوتس ناحل عوز المحاذي لقطاع غزة قررت بشكل نهائي مغادرة المنطقة بلا رجعة والانتقال للعيش في مناطق أكثر بعداً عن تهديد صواريخ المقاومة الفلسطينية.
أما رئيس الأركان (بيني غانتس) فقد وجه تعليماته للطواقم التي شكلت للتحقيق في العدوان على غزة بإنهاء عملها في غضون ثلاثة أشهر والتي ستتناول الإخفاقات العسكرية الإسرائيلية كاستخدام القوات البرية لذخيرة أكثر مما هو متوقع، ودخول القوات ضمن مناطق مدى قذائف الهاون، واستخدام بعض المعدات القديمة في الجيش وخلافه داعيا لإنهاء التحقيقات بسرعة حيث سينهي رئيس الأركان مهام منصبه وهذا يعنى أن يخلف وراءه سجلاً نظيفاً. تداعيات العدوان الإسرائيلي لقد أدى عدوان إسرائيل على قطاع غزة لمدة 51 يوماً إلى دمار لا يمكن وصفه والى ارتفاع هائل في أعداد الشهداء والجرحى خصوصاً من المدنيين، وذلك بعد أن استخدم في عدوانه سياسة الأرض المحروقة التي هجر على أثرها قرابة نصف مليون مواطن من شمال وشرق قطاع غزة، هذه السياسة العدوانية أنتجت خسائر في الطرفين ولكن بفارق أن خسائر القطاع كانت كبيرة جدا ، والمؤشرات التالية تظهر حجم الخسائر في الجانبين، حيث لا تقارن الخسائر الفلسطينية بمثيلتها من الخسائر الإسرائيلية. أولاً الخسائر الفلسطينية مع وقف إطلاق النار يوم 26/8/2014 كانت الإحصاءات تتوالى للوقوف على حجم الخسائر الفلسطينية والتي قسمت كالتالي:
1- الشهداء و الجرحى / أكدت وزارة الصحة في غزة أن حصيلة العدوان الإسرائيلي ضد قطاع غزة بلغت 2152 شهيداً، في حين أصدر المرصد الاورو متوسطي لحقوق الإنسان بالتعاون مع وكالة الصحافة الفلسطينية تقريراً عن الحرب وثقت فيها استشهاد 2147 مواطناً بينهم 530 طفلاً، و302 امرأة منهن 40 مسنة، أما نسبة الشهداء من المدنيين فقد بلغت 81% من إجمالي الشهداء. أما الجرحى فقد بلغ عددهم 10870 جريحاً من بينهم ما نسبته 28% من الأطفال وعددهم 3303 جريح، هذا في حين أن ما يقارب الألف طفل سيعانون إعاقات دائمة بسبب الإصابة، بينما الجرحى من النساء فقد قدرت نسبتهم ب 19.3% من مجموع الجرحى بعدد يصل إلى 2101 امرأة.
هذا وقد استخدم الجيش الإسرائيلي ما مجموعه 8210 قذائف صاروخية من الجو،و 18736 قذيفة بحرية من خلال القوات البحرية المرابضة على شواطئ غزة، و36718 قذيفة مدفعية من الدبابات الإسرائيلية المنتشرة على الحدود شرقي قطاع غزة.
وقد كان من بين الشهداء عدد من العاملين في قطاعات الخدمات والإعلام أثناء الحرب والعدوان على القطاع حيث استشهد 23 من موظفى الطواقم الطبية، و11 شهيد من موظفي وكالة الغوث،و10 من موظفى الاوقاف و16 صحفياً كانوا يغطون أحداث العدوان.
2- المنشآت السكنية / تعمدت إسرائيل تدمير أحياء سكنية على الحدود الشرقية الشمالية من قطاع غزة والمحاذية للخط الأخضر، لتدفع سكان شرق غزة وكذلك شمالها لمنطقة غرب غزة حيث قدرت وكالة الغوث عدد النازحين في مراكز الإيواء، ولدى أقاربهم بحوالي نصف مليون نازح ، وقد تركز التدمير في حي الشجاعية شرق غزة،وغالبية المناطق المحاذية للخط الأخضر شرق القطاع وشمال و شرق بيت حانون، وفي بلدة خزاعة والزنة شرق خانيونس هذا بالإضافة لتدميرها أبراج سكنية في قطاع غزة كنا قد ذكرناها وشردت سكانها. وقد أعلنت وزارة الأشغال عن تدمير 63000 وحدة سكنية منها 9800 دمرت بشكل كامل ، و8000 بشكل جزئي بليغ، و46000 بشكل جزئي طفيف. أما المرصد الأورومتوسطي فقد تحدث عن 65632 منزلاً تم تدميرها منها 2465 تدميراً كاملاً، 14667 بشكل جزئي بليغ، 39500 بشكل جزئي. ولكن مع اقتراب انتهاء الأمم المتحدة ومؤسسة الـ UNDP من حصر الأضرار فقد صرحت وكالة الغوث في 19/10/2014 أن عدد المنازل المدمرة بلغت 100000 منزل يقطنها حوالي 600 ألف مواطن، والأرقام لا زالت مرشحة للارتفاع أكثر مع قرب الانتهاء من عملية التقييم التي يقوم بها مهندسي الأونروا.
3- قطاع الصناعة والتجارة / أصدر الاتحاد العام للصناعات في غزة إحصاءاً حول الأضرار التي لحقت بالقطاع الصناعي بمختلف جوانبه،
وفيه جاء أن عدد المنشآت المتضررة بلغت 560 منشأة صناعية هناك ما لا يقل عن 140 منها دمرت كلياً، والتي تتوزع كالتالي: 149 منشأة من قطاع الصناعات الإنشائية، و58 منشأة غذائية، و92 منشأة معدنية، و136 منشأة أخشاب، و22 منشأة كيماوية، و27 منشأة بلاستيكية ، و29 منشأة ملابس ونسيج وجلود، و11 منشأة ورقية، و11منشأة تقليدية، و34منشأة ألمنيوم. وقد أدى ذلك إلى تعطل 7812 عاملاً انضموا للبطالة المتزايدة في قطاع غزة، هذا فيما صرح إتحاد العمال في قطاع غزة أن عد العاطلين عن العمل ارتفع إلى 200 ألف عامل يعيلون 900 ألف نسمة، وأن العدوان الأخير لوحده رفع العاطلين عن العمل من 170 ألف عامل إلى 200 ألف عامل باتوا بلا مصدر للرزق.
4- القطاع الصحي / في تقدير للمجلس الاقتصادي للتنمية الإعمار (بكدار) فقد بلغ حجم خسائر القطاع الصحي أكثر من 90 مليون دولار أما ما تم تدميره حسب الناطق باسم وزارة الصحة فيوزع كالتالي: 36 سيارة إسعاف تم تدمير 4 منها كلياً والباقي جزئياً، 12 مستشفى أهلية وحكومية في قطاع غزة تم استهدافها بالقصف، و24 مركز للرعاية الأولية أيضاً استهدفت خلال العدوان هذا فيما حولت وزارة الصحة 530 مصاباً للعلاج في كل من مصر والضفة ، وتركيا، وألمانيا، والأردن.
5- قطاع الزراعة والصيد / قصف الاحتلال ما يقارب 70% من الأراضي المزروعة بحجة وجود أنفاق أو منصات للصواريخ مما أدى لخسائر في القطاع الزراعي جراء تضرر مساحات كثيرة مزروعة، وعدد كبير من الأشجار إلى جانب البنية التحتية لعدد كبير من المزارع.
فيما قدر مكتب وزارة الزراعة في غزة إجمالي خسائر الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية، والمصانع التي تستخدم المحاصيل الزراعية كمواد في التصنيع إلى نحو 780 مليون دولار، وقد منى الصيادين بخسائر فادحة لحقت بهم جراء توقفهم عن العمل، بعد تدمير ما يقارب 50 غرفة لهم، و55 قارباً بأحجام مختلفة.
6- قطاع التعليم / طال الدمار 142 مدرسة حكومية منها 23 تضررت بشكل بالغ ولم تعد صالحة للاستخدام خلال العام الدراسي 2014-2015، كما أن 76 من مدارس الأونروا تضررت أيضاً، مضافاً لهم 5مدارس خاصة، هذا فيما استهدفت ست جامعات في قطاع غزة وهي جامعة الأزهر وتضرر 3 مباني لها أحدها بشكل كامل، والجامعة الإسلامية وتضرر فيها مبنيين، والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية التي دمر بها بعض القاعات والمختبرات العلمية، والمكتبة المركزية، ومركز الحاسوب وقد قدرت بكدار خسائر التعليم بما يتجاوز 22 مليون دولار.
7- قطاع الطاقة / وقدرت خسائره بحوالي 54 مليون دولار موزعة بين شركة توزيع الكهرباء بخسارة قدرها 39 مليون دولار، ومحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع بخسارة 15 مليون دولار، وقد جاءت تلك الخسارة نتيجة لتدمير شبكات البنية التحتية، وتدمير مخازن الشركة بكل معداتها، وتدمير خزانات الوقود الرئيسية في محطة التوليد، وتدمير شبكة الوقود مما أدى لتقليص فترة الكهرباء الواصلة للسكان إلى 6 ساعات فقط في اليوم.
8- قطاع النقل والمواصلات/ وبلغت حوالي 30 مليون دولار موزعة كالتالي: تدمير 3550 مركبة للمواطنين في غزة، و160 مركبة حكومية،و 38 سيارة إسعاف ما بين تدمير كلى وجزئي ، هذا بالإضافة لبعض المرافق الحكومية.
9- قطاع الاتصالات/ حيث طالت الأضرار شركتي الاتصالات، وجوال ، و10 شركات تزود خدمات الانترنتـ وقد تضررت 57 محطة لشركة جوال فيها 27 بشكل كامل، وقد قدرت خسائر الاتصالات حسب وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بـ 35 مليون دولار.
10- قطاع السياحة والآثار/ فقد استهدفت 106 منشأة سياحية منها ما تعرض للتدمير الكامل مثل مدينة بيسان الترفيهية ومنتجع النورس، في حين تعرضت مساجد أثرية للقصف، كما تضرر 74 منزلاً أثرياً منها 4 دمرت بشكل كلى، و11 بشكل جزئي، و59 بأضرار جزئية وهذه المواقع والبيوت الأثرية منها ما يعود للعهد البيزنطي مثل الكنيسة البيزنطية بجباليا، وكنيسة أصلان في بيت لاهيا. 10- قطاع الأوقاف / أعلنت وزارة الأوقاف عن أن العدوان على غزة دمر 73 مسجداً بشكل كلي، و197 مسجداً بشكل جزئي، فيما استشهد 10 من موظفي الأوقاف.
كما دمر الاحتلال 6 مقرات للجان الزكاة، واستهدف 13 مقبرة، وتدمير وتضرر 36 عقاراً وقفياً، وحافلتين للمدارس الشرعية، هذا وقد قدرت الأوقاف الخسائر بما يقارب 50مليون دولار. كل هذا الدمار الذي ألحقه العدوان الإسرائيلي مهما قدرنا تكلفته فلا يمكن أن ترقى لحجم ما تعرض له قطاع غزة من عدوان، وما تعرض له السكان من خسارة بشرية ومادية، فقد بينت معطيات الجيش الإسرائيلي أنه أطلق على القطاع ألف قذيفة يومياً أي بمعدل 42 قذيفة كل ساعة، وهو ما يعادل أربعة أضعاف القوة المستخدمة ضد قطاع غزة في عدوانها عام 2008-2009 والتي أطلق عليها (الرصاص المصبوب)، مما نتج عنه إبادة 100 عائلة بالكامل، وفقدان آلاف الأطفال إحدى والديهم، وفي كثير من الأحيان الاثنين معاً ففي تصريح لسنان فلفل عضو مجلس إدارة (معهد الأيتام) الوحيد في قطاع غزة ، وهو غير حكومي أن المعهد الذي طاقته الاستيعابية 120 يتيماً بات يحتضن أكثر من 700 يتيم هذا في حين حذرت تقارير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) من مستقبل قاتم ينتظر 400 ألف طفل في غزة أصيبوا بصدمة جراء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
أما رامي عبده رئيس (المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان) ومركزه جنيف صرح أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة خلفت آلاف الأيتام منهم 1800 يتيم جديد جراء الحرب الأخيرة انضموا إلى قائمة الأيتام في قطاع غزة وهذه ليست أرقام إنما آلاف من الأوجاع والجراح التي لا تشفى أبداً.
وفي حين أن الجانب الإنساني والنفسي في الحرب لا يمكن تقديره أو تعويضه إلا أن الإعمار بات حاجة ملحة يجب القيام بها للتخفيف من آثار الحرب العدوانية على قطاع غزة، وقد قدر اقتصاديون أن تكلفة الإعمار لوحدها تزيد عن الأربعة مليار، وهو رقم يقترب مما طرحته الحكومة الفلسطينية في مؤتمر إعادة الإعمار وهو 4.6 مليار وهذا كله يبقى أرقام تقريبية أمام حجم الدمار الذي يكتشف كل يوم في قطاع غزة.
ثانياً:/ الخسائر الإسرائيلية لا يمكن أن يكون هناك عدوان بدون خسارة للطرفين، لكن الخسارة الفلسطينية كطرف معتدي عليه نالت من كل أوجه حياته كما سبق وأسلفنا في رصد الخسائر، في حين أن الخسائر الإسرائيلية بغالبيتها ناتجة عن الضغط على اقتصادها طوال الحرب من ناحية الإنفاق العسكري، وزيادة الرواتب للجنود الاحتياط، وانخفاض مستوى الإنتاج، وتراجع الموسم السياحي، وتضرر في البنية التحتية لكنه لا يذكر مقارنة بالفلسطينيين ، فإسرائيل تنفق 17% من موازنتها على الجيش ، وهذا يمثل 7.7% من إجمالي الناتج القومي لديها وهى بذلك تتجاوز الإنفاق العسكري العالمي المقدر بحوالي 2.3% ، كما أن التجنيد لديها يتجاوز دول مثل الولايات المتحدة،وبريطانيا، وفرنسا بأضعاف مضاعفة حتى في ظل الحرب الباردة وهذا ما يسمى (بالكولونيالية الاقتصادية للكيان الصهيوني)، وهو مؤشر على أن إسرائيل بكل مكوناتها ليست في موقف يدفع لإنهاء الصراع بل كل هذا التسلح يظهر نيتها في مواصلة العدوان، وهو ما كبدها خسائر قدرها جهاز الأمن الداخلي لدى إسرائيل بحوالي تسعة مليار شيكل في كافة القطاعات والمنشآت والتي نوجزها بالتالي:
1- خسائر بشرية / حيث قتل 70 إسرائيلياً منهم 64 جندي ، و6 مدنيين أي بنسبة 91% إلى 9% على التوالي، وقد توزع الجنود حسب جنسياتهم إلى 57 جندي إسرائيلي، و2 جنود إسرائيليين أمريكيين ، وجنديين اسرائليين بلجيكيين ، وجندى اسرائيلى فرنسى ، وجنديين غير معروفين إضافة إلى 720 جريح إسرائيلي.
2- قطاع الإسكان / وقد قدرت كأضرار لحقت بالسكان الذين أصيبت منازلهم بسقوط الصواريخ حيث تحدث رئيس اتحاد مقاولي الترميم (عيران سيب) عن 20 إصابة مباشرة للمباني في بئر السبع، وفي إسدود ، وفي بلدات غلاف غزة وفي سديروت، وفي تل أبيب ، كما أصيب 480 مبنى جراء الشظايا إصابات طفيفة، يضاف لذلك التأخير في تسليم الشقق السكنية لأن الحرب أفرغت مواقع البناء وبالتالي كل من لم يستلم شقته تم استئجار بيت له حتى تنتهي الحرب وبالمحصلة قدرت الأضرار بحوالي 60 مليون شيكل أي قرابة 17 مليون دولار.
3- قطاع السياحة / فكل موسم السياحة الوافدة والخارجة تضرر نتيجة إلغاء الحجوزات الحالية والمستقبلية، وهذا أدى لتراجع هذا القطاع بنسبة 27% من مساهمته في الناتج المحلي والذي يشكل 7% منه، وقد قدر الضرر بفرع السياحة بحوالي 2 مليار شيكل أى حوالي 540 مليون دولار.
4- القطاع الاقتصادي التجاري/ فحسب يوئيل نفيه كبير الاقتصاديين في وزارة المالية بإسرائيل أن الضرر الذي لحق بالإنتاج جراء الحرب على غزة تخطى 4.5 مليار شيكل أي أكثر من مليار ومائتي مليون دولار فقد أدى انخفاض مؤشرات البيع لكل السلع والخدمات مما دفع محافظ البنك المركزي الإسرائيلي (كارنيت فلوج) لخفض معدل الفائدة على الشيكل لمستويات ربع بالمائة وهو الأدنى منذ 12 عاماً .
5- القطاع العسكري / حيث قدرت خسائره أكثر من 11 مليار شيكل فتكلفة القبة الحديدية بلغت 3 مليارات شيكل ، وتكلفة الحرب 8 مليارات شيكل أي ما يساوي 3 مليار دولار إضافة إلى 300 مليون دولار رواتب لجنود الاحتياط الذين تم استدعائهم، وهو ما صرح به الأمن الداخلي الإسرائيلي وطالب بكل شيكل أنفقه في الحرب من وزارة المالية التي ردت أن كلفة الحرب على غزة من ناحيتها هي 4-5 مليار شيكل (الكلفة العسكرية) فقد استخدم الجيش في الحرب قنابل انتهى مفعولها، وجنود الاحتياط الذين جندوا كان يفترض أن يجندوا على أي حال ، إضافة إلى أن الميزانية المعتمدة للجيش تم إخراجها من كلفة الحرب وبات الجيش يطالب بها وبذلك هو يريد صرفها مرتين.
6- القطاع الزراعي/ وتتضمن أضرار بفعل الدبابات والمجنزرات الإسرائيلية التي أفسدت الأرض في طريقها لقطاع غزة، وكذلك أضرار بفعل التعطل لنحو شهرين، وهو ما سيترك أثاراً في الشهور القادمة حيث لم يستطيعوا البذر أو الشتل أو السقاية حتى في الحالات التي تم فيها البذر أو الشتل وبذلك كانت الأضرار المباشرة والغير مباشرة حسب تقدير رئيس إتحاد الفلاحين (دوبي أميتاي) جراء العدوان على غزة ما بين 150 إلى 200 مليون شيكل أي حوالي 50 مليون دولار.
7- قطاع الإعلام والدعاية / حيث أدت الحرب لتقلص حجم الدعاية بنسبة 30% في بدايتها ولكن مع العدوان البري توقفت الحملات الدعائية تماماً عن العمل وبذلك سجلت خسائر جراء العدوان تقدر ب 150 مليون شيكل أي ما يوازي 40 مليون دولار.
لقد أدى العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الى خسارة بكل قطاعات العمل والإنتاج ، وقد جاء ذلك على خلفية رد المقاومة الفلسطينية على العدوان الإسرائيلي، ونزوح غالبية سكان غلاف القطاع إلى شماله وتراجع السياحة والصناعة والكثير من فروع الاقتصاد، وبذلك أمكن لنا أن نؤلمهم كما آلمونا وحتى نكون منصفين أكثر لا بد من الإشارة إلى أن المقاومة الشعبية والنشاط السياسي للقيادة الفلسطينية تتوجا بما يعرف ب (حملة المقاطعة الشعبية الأوروبية) التي سبقت الحرب حيث انخفضت قيمة الصادرات الإسرائيلية لأوروبا بنسبة 11% فأوروبا وحدها كانت تستورد 37% من الإنتاج الإسرائيلي، وانخفض هذا الرقم لحوالي 26% لامتناع دول أوروبا خلال ثلاثة أعوام من الحملة من شراء منتجات مناطق الأغوار المحتلة، ومنتجات المستوطنات الإسرائيلية وبذلك خسرت إسرائيل قرابة 10 مليار دولار من مجموع صادراتها البالغة 40 مليار دولار لأوروبا. لقد أدت تلك الخسائر أن يطالب الجيش بزيادة موازنته لهذا العام بقرابة 11 مليار شيكل ، بينما لبيد وزير المالية وافق على زيادة 2.5 مليار شيكل وانه بالإمكان أن يتم التوافق على ستة مليار شيكل مما أدى لخلاف أخذ مساحة في الإعلام ما بين لبيد، ونتنياهو مما فسره البعض أن الاثنين احتاجا تلك المعركة لترميم شخصية كل منهما، وما تآكل من شعبيتهما، الأول لأن الحرب غيبته عن ساحة الإعلام كوزير مالية ، والثاني ليمحو التخبط الذي عاشه على مدى 51 يوماً من عمر العدوان على القطاع، وبالتالي كان لابد للاثنين من استرداد زعامتهما المتآكلة. العدوان على غزة والوحدة الفلسطينية أعاد العدوان الإسرائيلي على غزة لأذهان الجميع أنه لا يمكن لنا العبور نحو الحرية إلا بالوحدة الوطنية، وأن تلك الحرب لم تكن تستهدف فصيلاً بعينه بقدر ما هي تستهدف إرادة الشعب الفلسطيني، وصموده وبالتالي تجسيده لدولته الفلسطينية، لذلك أجمع الكل الفلسطيني على برنامج سياسي واضح يخوضون به مرحلة ما بعد العدوان برنامج يعيد للقضية الفلسطينية عدالتها وأولويتها أمام المجتمعين العربي والدولي .
وفيما كانت الفصائل تتقارب وتوجه بوصلتها نحو الصراع الأساسي مع المحتل ، كان هناك من يعقد مؤتمرات خارج الوطن، تتحدث عن ضرب مشروع الإسلام السياسي، وعن عدم إمكانية إدارة القطاع بعقلية رام الله التي تنسق مع الاحتلال وأنه لا مستقبل للقطاع بعقلية أوسلو كما جاء على لسان د. محسن صالح مدير عام مركز الزيتونة للدراسات في حلقة نقاش عقدت أثناء الحرب لبحث العدوان على غزة وانعكاساته المستقبلية. وفي نفس حلقة النقاش تحدث محمد أكرم العدلوني (مدير عام مؤسسة الأفق بلبنان) على أن المستهدف هو رأس الإسلام السياسي، ورغم ذلك يقول أن الاحتلال فشل في تأزيم الوضع الداخلي الفلسطيني والنيل من المصالحة.
وهو بذلك يتفق مع د. محسن صالح في موضوع الإسلام السياسي ويختلف معه في وصفه للسلطة الوطنية الفلسطينية. أما أ. صقر أبو فخر الباحث والكاتب المتخصص بالشأن الفلسطيني فقد شدد على تمتين المصالحة وحكومة الوحدة وانه من دون الضفة والقطاع سنواجه صعوبة في الانجازات متحفظاً على كلام السابقين من المتحدثين بأن الإسلام السياسي المستهدف في هذه الحرب، فبرأيه أن (لا الأمريكيين، أو الأوروبيين) استهدفوا الإسلام السياسي، وإنما الإسلام السياسي هو الذي فشل. أما د. حسين أبو النمل فقد رفض فكرة أن الهجوم كان محصوراً بالإسلاميين إذ صحبه هجوم على المسيحيين ورأى أنه يجب عدم تدنيس الثقافة وترويج مفاهيم مغالطة فالعدو يدير معركة خبيثة.
كما تحدث أن الوحدة الفلسطينية لا علاقة لها بالانتصار فلسنا أمام عملية عابرة وان الحرب انتهت قبل أن تبدأ لأن مسرح العمليات يعد قبل الحرب من خلال خرق البيئة السياسية. هذا فيما أكد أ. جابر سليمان أن الوحدة الوطنية هي الأساس الذي سيبنى عليه للتحضير للمرحلة القادمة فهذه جولة وليست حرباً، مؤكداً على أننا في مرحلة انتقالية فلنستغلها.
كما أكد أ. رفعت شناعة على أهمية نجاح واستمرار المصالحة الوطنية، وأننا في المرحلة السابقة دفعنا ثمن الانقسام واليوم نقول أنجزنا المصالحة قد تعجب البعض، وقد لا تعجب البعض الآخر إلا أن المصالحة انتهت وطوت الانقسام الفلسطيني وفي هذه المرحلة نجحنا في كيفية التعاطي ( عسكرياً وسياسيا ً) وختم حديثه بأنه يراهن على الوحدة الوطنية الفلسطينية في وضع الاستراتيجيات والتطورات الإستراتيجية. أما أ. صلاح صلاح فتحدث عن ضغوط سنتعرض لها في المراحل اللاحقة ولذلك يجب الحرص على الوحدة الوطنية، محذراً من الاستمرار في الحديث عن إدارتين الأمر الذي يكرس الانقسام. أما أ. سهيل الناطور فقد تحدث عن هدنة وطنية لا وحدة وطنية فلا يوجد برنامج حقيقي للوحدة حالياً الموجود هو شكل وحدة يجب أن تعزز .
لقد أوردت ما سبق ذكره من نقاش وعصف فكري في المؤتمر باعتباره وثيقة تمتع المتحدثين فيها برؤية كل حسب توجهه، وثقافته السياسية، وخبراته المتراكمة، وقد كان الهدف الاطلاع على الحالة التي يعيشها الفلسطينيون نتيجة الانقسام في المواقف العربية، بحيث بات التركيز على شكل من أشكال المقاومة دون غيرها في ظل الواقع العربي والدولي ضرباً من الهرطقة الفكرية أنتجتها مصالح حزبية وبذلك لن يستقيم الواقع السياسي الفلسطيني بالشكل الذي نلمسه وبالتأثيرات الخارجية التي سبق ورأيناها في تعدد المبادرات أثناء العدوان ، وبعوامل الشد الإقليمي التي أضعفت الموقف الفلسطيني، فالخلاف جائز ، بل و مطلوب في مسيرة العمل الوطني ، وهو ما يصب في النهاية للصالح العام أما الحديث عن مشروعين وطنيين، وعن إسلام سياسي فشل أو لم يفشل كله تغريد خارج السياق الهدف منه توسيع الفجوة بين فصائل العمل الوطني فإذا كنا اتفقنا منذ وثيقة الأسرى في العام 2006 على كل بنود العمل السياسي، وقررنا سوية مطلبنا بدولة فلسطينية على حدود العام 1967 فأين بالتالي يصب المشروعان الوطنيان الذي يكثر الحديث عنهما ما داما حددا وبقية الفصائل الهدف الفلسطيني واتفقنا على تحقيقه، لذلك لا يوجد خلاف على الهدف إنما على الوسيلة وهذا أيضا تم الاتفاق بشأنه إذا لم الخلاف؟
باعتقادي أن مشروعنا السياسي برمته في أزمة، وسببها الواضح الافتقاد للعمل الجماعي، وروح الشراكة السياسية الأمر الذي أدى لفكر جديد على ساحتنا الفلسطينية وعملنا النضالي سخرت فيه الأقلام والصحف والإذاعات والفضائيات لحرب الأفكار والعقول وهذه الحرب وإن بدت ظاهرياً مواقف سياسية إلا أنها في العمق تخلق تناقضات رئيسية تقلل من الآخر وانجازاته وتاريخه، والأهم أنها تسعى لإزاحته، وهذا قمة الانكسار لمشروعنا السياسي، لذلك المحاولات المستمرة للعمل بنهج إلغاء الآخر أثبتت عقمها ونالت من الجميع بلا استثناء ، فليس هناك مقاومة بلا مفاوضات سياسية تحقق الأهداف وليس هناك مفاوضات سياسية للأبد، ودون الارتكاز على وسائل مقاومة .
لقد أثبتت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل معنية باستمرار الانقسام، وهو ما وضحناه منذ بداية الدراسة ، وليس استمراره فحسب بل والأخطر من ذلك يكمن في توظيفه، وتوظيف ما يحدث في عالمنا العربي، لذلك كان هناك عدة سيناريوهات محتملة للمصالحة ما بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لها علاقة بما لمسه الجميع من انتعاش في مسار المصالحة والوحدة الوطنية بتشكيل وفد القاهرة المفاوض وهذه السيناريوهات تخضع لعلاقات الشد والتجاذب بين أكبر فصيلين في الساحة الفلسطينية وهما حركتي فتح على اعتبار أن رئيسها هو رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وحركة حماس على اعتبار سيطرتها على قطاع غزة والسيناريوهات تتمثل في التالي:
1- تفعيل مسار المصالحة والشراكة الوطنية والعمل على بناء حالة من التكامل بين طرفي الانقسام أو بين النهجين الوطنيين.
2- العودة إلى مرحلة الكيدية السياسية الفصائلية الضيقة باستثمار تداعيات العدوان على القطاع من الحاجة للإعمار ، واستحقاقات المصالحة حيث لم تمكن حكومة الوفاق من العمل بحرية ، وأزمة رواتب قطاع غزة كملفات ستثير على الأغلب أفخاخ في طريق الوحدة.
3- تزايد حالة الإحباط لدى قيادة السلطة والمنظمة من مسار التسوية ، ومن ازدواجية رأس الهرم الفلسطيني بشكل يؤسس لواقع جديد قائم على تحميل الاحتلال لمسئولياته، وتركيز الفلسطينيين على النموذج المقاوم كوسيلة لحل الصراع. ضمن تلك السيناريوهات لا زلنا نتأرجح من واحدة لأخرى ولنا نصيب من كل حالة فيها ، ورغم أن المطلوب والمأمول هو السير نحو السيناريو الأول إلا أن الطريق نحو تحقيقه يتطلب منا شجاعة أكبر ليس في مهاجمة بعضنا البعض إنما في التنازل الممكن والمطلوب لتفعيل مسار المصالحة والشراكة السياسية، وإذا كانت المقاومة الفلسطينية قد حققت انتصاراً محدوداً في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فهذا أدعى لها بأن تحوله عبر قيادتها السياسية إلى حالة تستثمر دولياً وهو ما لن يتم دون قيادة السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية الجهتان الشرعيتان اللتان تخاطبان العالم عبر علاقتهما الممتدة والمتشابكة مع العالم العربي، والمجتمع الدولي، وهو ما يعيدنا لوثيقة الأسرى والاتفاق على أن يكون قطاع غزة رافعة للعمل السياسي، والمقاوم وهذا يشمل باقي الفصائل وقوى العمل الوطني والتي جرى كثيراً تغييب دورها في الإعلام وطمس دورها المقاوم .
مطبات في طريق المصالحة وحكومة الوفاق يقول الأخ يحيى رباح: ما إن وضعت الحرب أوزارها حتى وجدنا حماس تتفلت من كل متطلبات المصالحة، وتعترض طريقها بعنف، وتتنصل من كل ما فعلته يداها بانفراد دون أن تأخذ الكل الفلسطيني بالاعتبار كما إنها عادت لتبحث لها عن شركاء من خارج البيت، وترفض اليد الايجابية من الشرعية الفلسطينية والكل الفلسطيني.
ويكمل نحن الآن في الوقت الحرج وإسرائيل تركت قطاع غزة حطاما فوق حطام وهناك أمل كبير وجهد هائل يبذل لإعادة الاعمار، فماذا تختار حماس؟ تعمير قطاع غزة، والنهوض بنموذجه الوطني تحت سقف المصالحة والوحدة أم إبقائه رهينة تنزف الدماء؟ أين تضع حماس نفسها، مع فلسطين ومشروعها الوطني وحلمها النبيل أم مجرد عنصر إثارة في الصراعات الإقليمية المحتدمة. لقد كان ما ورد أعلاه كافياً لدق ناقوس الخطر حول المصالحة وما يكتنف مصيرها من غموض وبالتالي كان يجب البحث عن مخرج مناسب بعد تعقيد الأمور وفي ذلك قال د.فايز أبو عيطة الناطق بلسان حركة فتح الخلافات الجذرية التي نشأت بين حركة حماس وفتح عقب انتهاء الحرب الأخيرة على غزة، يجب احتوائها كي لا تتفاقم الأوضاع ولكي لا يتسع الشرخ ما بين الحركتين، وان الشعب الفلسطيني لن يكون قادرا على تحمل هذا الانقسام، خصوصا في المرحلة الراهنة ما بعد انتهاء الحرب الأخيرة على غزة. وأشار د.أبو عيطة إلى تشكيل وفد من قبل حركة فتح يقوم بإجراء محاورات مع حركة حماس في غزة حول جميع المعضلات ما بين الحركتين، في مسعى للتوصل إلى اتفاقات من شأنها المحافظة على وحدة الشعب الفلسطيني. محبذاً إجراء هذه الحوارات خارج الوطن، حتى يتسنى لمن يعيشون بالشتات المشاركة في هذه الحوارات.
هنا كان لا بد من أن تترتب الأمور بشكل أكبر، وأن نضع خطة وطنية أكثر شمولاً من خلال البيت الفلسطيني الواحد لذلك دعى السيد ياسر عبد ربه "أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية " إلى عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، من أجل بداية حوار وطني سياسي متواصل حتى نصل إلى توافق وفكفكة كافة العُقد والعراقيل. محذرا من أن "إسرائيل تحاول منذ سنوات نزع قطاع غزة عن الضفة من خلال بث بذور الخلاف، وتمنى أن لا تكون اليوم أقرب لتحقيق ذلك بسبب حالة الشلل التي نعيشها" ، ورأى أن الطريقة الحالية التي تدار لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام لن تؤدي إلى مصالحة حقيقية في ظل الاشتراطات والاشتراطات المتبادلة، لافتاً إلى أن المطلوب نظرة شمولية عميقة، وأن يتحمل الجميع معاً مسؤولياته الوطنية، وليس فقط الشراكة من منطلق مبدأ الربح والخسارة.
لقد كانت الرؤية أن مخاطر عزل قطاع غزة عن الضفة الغربية تتعاظم وتتسع أكثر فأكثر في ظل الابتعاد عن إيجاد المخارج الحقيقية لحالة الانقسام مما أثار تخوفات مفادها أن مؤتمر إعادة إعمار قطاع غزة قد يؤجل بذريعة الانقسام والخلافات الداخلية، وكان لا بد من معالجة الانقسام سياسياً للبدء في عملية إعادة الإعمار. وكما أن الحرب الأخيرة أظهرت قوى جديدة في العالم تدعم القضية الفلسطينية وتدين إسرائيل، وتصفها بشكل واضح بأنها دولة عنصرية ، كان لا بد من خطوات على المستوى الوطني لإنهاء الانقسام بشكل حقيقي، وبدون ذلك لن نقدر حث الإقليم والعالم على القيام بخطوات على الصعيد السياسي.
"ليس فقط على قطاع غزة، وإنما أيضاً كسر الحصار السياسي على الشعب الفلسطيني، وذلك من خلال الإثبات للعالم بأننا مصممون على السير قدماً في طريق إنهاء الاحتلال مهما كانت الكلفة". خصوصاً وأن المجتمع الدولي والإقليم منشغلان حالياً في قضية القضاء على الإرهاب وداعش، "وعلينا أن نوجه الأنظار ونعمل من أجل فضح الاحتلال وجرائمه، وأنه هو منبع الإرهاب في المنطقة والعالم، وعلى العالم أن يساعدنا في معركتنا للخلاص منه وإنجاز استقلالنا الوطني".
هذا فيما يرى رئيس نادي الأسير الفلسطيني السيد قدورة فارس أن حالة الانقسام الفلسطيني هي انعكاس لأزمة الحركة الوطنية. فهناك أزمة بين برنامجين على الساحة الفلسطينية، و أزمة عدم ثقة عميقة، بسبب اصطدام كلا البرنامجين بجدار، فلم يعد هناك وجود لعملية سياسية، أما البرنامج الآخر فهو المقاومة النمطية التي تقدمها حماس كي تخدم مصالحها الحزبية مقابل الطرف الآخر. وأضاف: إن الاتفاقات التي وُقعت والحوارات التي تمت لم تبدأ من حيث يجب أن تبدأ، فالمطلوب الاتفاق على البرنامج الكفاحي للشعب الفلسطيني، وليس على شكل الحكومة وحصة كل فصيل. ورأى فارس أن البرنامج المطلوب هو انتفاضة سلمية ثالثة تكون انتفاضة الحسم وإنهاء الاحتلال، مع التأكيد على ضرورة وضع برنامج زمني لتحقيق أهدافها تبدأ أولاً بفك الارتباط مع الاحتلال، ووقف كافة أشكال التنسيق، وعدم السماح للمستوطنين بالتنقل .
هذا فيما السيد/ قيس عبد الكريم، نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية، عضو الوفد الموحد لمفاوضات القاهرة، أشار أن التراشق الإعلامي الجاري بين حركتي فتح وحماس قد يؤدي إلى انهيار كل ما تم إنجازه. ولم يتفق مع فارس بأن الخلافات بين حماس وفتح خلاف على النهج والبرنامج، وإنما هو خلاف على القيادة والسلطة والمناصب؛ أي قيادة منظمة التحرير والسيطرة على السلطة الفلسطينية ومن يتحكم بالقرار الوطني، ورأى أن المخرج في تشكيل ائتلاف وطني موسع أو حكومة وحدة وطنية موسعة، فالشراكة الوطنية، خصوصاً في هذه المرحلة، موضوع جوهري، ويتطلب هذا أمرين: أولاً اعتراف كل طرف بوجود الآخر، وثانياً الاعتراف بحق كل طرف بأن يكون له رأي آخر.
السيد/ عماد الفالوجي رئيس مركز آدم للحضارات أشار أنه رغم سلبية الانقسام إلا أن إيجابيته تتمثل في الارتقاء بالمستوى الفكري والسياسي وعدم قدرة طرف واحد على قيادة الشعب وبالتالي لا بد من الشراكة السياسية والحاجة للكل الفلسطيني. وأوضح أنه مهما كانت نتيجة الانتخابات القادمة فلن يكون هناك قوة قادرة على قيادة الشعب الفلسطيني بمفردها ، و من حقها أن تأخذ حقها وأولوياتها ولكن دون الاستخفاف بالقوى الفلسطينية الأخرى. وأشار الفالوجي إلى أن مهمة الحكومة القادمة ستكون صعبة وستدير الشأن الفلسطيني بكل جوانبه فملفات الحكومة كبيرة ولكنها ليست مستحيلة وسيتم حل كافة المشاكل ولن تشكل بصدام دولي ولن تجلب الحصار للشعب وستقود المشروع السياسي في المنطقة مشيراً إلى أنه لأول مرة سيتم فصل الملف السياسي عن إدارة السلطة مثلما يتم من حكومة رئيس الوزراء رامي الحمد لله التي تهتم بالأوضاع الداخلية ولا شأن لها بالسياسة. انتقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إدارة حركة حماس لقطاع غزة وهدد بإنهاء "الشراكة" معها في حال استمرار الوضع على ما هو، ونقلت وكالة وفا الرسمية للأنباء عن الرئيس محمود عباس الموجود في القاهرة قوله: "لن نقبل أن يستمر الوضع كما هو ولن نقبل أن يكون بيننا وبينهم (حماس) شراكة إذا استمر وضعهم في غزة بهذا الشكل، فهناك حكومة ظل مكونة من 27 وكيل وزارة هي التي تقود البلد، وحكومة الوفاق الوطني لا تستطيع أن تفعل شيئا على أرض الواقع". من جهتها، دانت حركة حماس تصريحات الرئيس عباس ووصفتها بأنها "غير مبررة".
بينما أكد رئيس حكومة الوفاق الوطني، رامي الحمد الله، أنه "مكبل اليدين والقدمين" في المنصب الذي يتولاه. فحكومة الوفاق كان من المفروض أن تكون سيطرتها على الضفة الغربية وقطاع غزة، لكنها تواجه عقبات مختلفة تمنع عملها". مؤكداً أن الحكومة تلقت تحذيرات بالمقاطعة "من كل دول العالم" في حال دفع أي أموال لموظفي حركة حماس في قطاع غزة. وأنه تم تحذير الحكومة والبنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية أنه في حال دفع هذه الدفعات لحكومة حماس السابقة في غزة فسيتم مقاطعة الحكومة، ويقدر عدد الموظفين الذين وظفتهم حركة حماس في قطاع غزة منذ العام 2007 بنحو 45 ألفا بينهم بحسب الحمد الله 27 ألف موظف مدني.
وفى 18 سبتمبر أعلن عضو المكتب السياسي لحركة حماس محمود الزهار إن حركته ستفكر بالبدائل عن حكومة الوفاق الوطني بعد انتهاء مدتها القانونية المتفق عليها وهي ستة أشهر، مبينا أن الحكومة فشلت فشلا ذريعا في تحقيق متطلباتها حتى اللحظة، وفقا لوكالة صفا الفلسطينية. وقال الزهار اليوم الخميس في قطاع غزة إن "حكومة الوفاق هي حكومة الفشل، لأنها لم تحقق شيئا واحدا من واجباتها، وعندما يقول رئيس الحكومة رامي الحمد الله ( أنا موظف عند الرئيس محمود عباس أبو مازن)، إذن ليس رئيس حكومة وفاق إنما حكومة فتح". وأضاف الزهار "سنعطى حكومة الوفاق الوطني ستة أشهر وهي مدتها المتفق عليها، ثم سنفكر بالبدائل، لأننا لا نستطيع ترك الشعب الفلسطيني رهنا لمن لم يستطع أن يحقق أي إنجاز على أي مستوى للشعب الفلسطيني". واستبعد أن يجرى الرئيس محمود عباس أية انتخابات في الوقت الحالي، "نظرا لارتفاع شعبية المقاومة وحماس"، مستدركا "كيف يجرى عباس انتخابات حاليا وشعبية حماس ارتفعت إلى 94% بعد العدوان ودعم الشعب الفلسطيني الكبير لبرنامج المقاومة".
لكن الإصرار على إنجاح المصالحة بقي قائماً خصوصاً وأن الظروف التي أنتجتها الحرب الأخيرة على قطاع غزة تتطلب الإسراع في مصالحة حقيقية وفي ذلك رئيس وفد فتح في المفاوضات، عزام الأحمد صرّح في 25/9 أنه سيتم تشكيل لجنة متابعة تشارك فيها كافة الفصائل الفلسطينية لدعم الحكومة في أداء مهماتها. كما عقدت الحكومة يوم 8/10/2014 أول اجتماع لها في قطاع غزة منذ تشكيلها في الثاني من يونيو "حزيران الماضي، وأجرت جولات تفقدية لمناطق الدمار بفعل العدوان الأخير وعقدت سلسلة لقاءات مع قيادات من حركة حماس والفصائل.وفي ذلك أكد الناطق باسم الحكومة إيهاب بسيسو أن اجتماع الحكومة في غزة وما عقدته من لقاءات سيؤسس لمرحلة جديدة من العمل السياسي الفلسطيني القائم على دعم جهود المصالحة وبالتالي الخطوة الأولى انطلقت وبحاجة إلى دعم وجهود كل الفصائل لدعم حكومة الوفاق الوطن، وأنه جرى مناقشة كل الأمور مع قيادات حركة حماس حول دعم وتعزيز جهود المصالحة وتمكين عمل حكومة الوفاق وكانت الأجواء إيجابية بما يسمح بالبناء عليه في المرحلة المقبلة و أنه لا رجعة لمرحلة الانقسام. مشيراً أنه سيتم ذلك خلال الفترة والأيام القادمة استلام المعابر وهي من ضمن الإجراءات التي تم بحثها في غزة بما يشمل التسهيلات التي يمكن إدخالها على عمل المعابر بما يمهد لرفع شامل للحصار عن القطاع. مؤكداً أن رئيس الوزراء وعدد من الوزراء سيتوجهون يوم غد إلى القاهرة للمشاركة في مؤتمر المانحين لإعادة إعمار غزة، وأن الرسالة ستصل إلى المجتمع الدولي بناء على خطوة اجتماع الحكومة في غزة واعتمادا على الخطة الحكومية للإعمار. وإلى هذه اللحظة التي سنودع بها شهر أكتوبر لا زالت الأمور تراوح مكانها خصوصاً في ملفي الرواتب والإعمار، ولا يزال يتحمل المجتمع الدولي الذي باتت مواقفه السياسية تتقارب معنا نتيجة الجهود الدبلوماسية للقيادة الفلسطينية مطالبا أكثر من اى وقت مضى بتحمل مسؤولياته، من خلال اتخاذ إجراءات حقيقية لرفع الحصار للبدء في إعادة إعمار غزة ، ومن خلال دعمنا نحو بناء الدولة الفلسطينية وهو ما بدأ يعطى ثماره ، وهذا ما كانت إسرائيل تراه ولكن لا تحرك ساكنا لأنها لا تمتلك اى خطة بديلة.
الخلاصـة
أثبت العدوان الهمجي والبربري على قطاع غزة لمدة 51 يوماً والمبيت أساساً من إسرائيل أنها ذهبت لأبعد مدى مستغلة نافذة الفرص الممكنة نتيجة دراستها للوضع الإقليمي وردود الفعل المحتملة، و كان هدفها المعلن تعطيل المصالحة وحكومة الوفاق الوطني، بينما هي تدخل الحرب وهي تضع تصوراتها لنتائجها مسبقاً ودليل ذلك ما رشح من دراسات عملت عليها مؤسسات الأمن القومي الإسرائيلي التي حذرت فيها من دمار غير مسبوق في قطاع غزة. كما عبر العدوان عن مجتمع إسرائيلي مشحون بالعنف المتراكم حسب الفيلسوف (رينيه جيرارد) الذي يرى في تصدير العنف أمر حيوي من أجل المحافظة على الوحدة الداخلية والهوية وهو ما يُعطي هذا العنف الطهارة والشرعية الداخلية كونه موجه نحو ضحايا لا أسف على موتهم.
وهذا ما لمسناه من إسرائيل حكومة وشعباً طوال فترة العدوان، ومن تكراره ثلاث مرات في ستة سنوات، وهو إشارة لتحول في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من صراع على الأرض إلى صراع عنصري تقوم فيه إسرائيل بانتهاك صريح وواضح لكل الأعراف الدولية، وقوانين حقوق الإنسان، ونتائج العدوان أثبتت بالقطع محو عائلات بأكملها من السجلات المدنية، وقتل للأطفال والنساء والشيوخ بلا أي مبرر.
لقد أدى التطرف اليميني المتصاعد في إسرائيل، وتأثيره القوي على النظام والمؤسسة العسكرية في إسرائيل بمنح الشرعية للحلول العسكرية، وبذلك وقعنا كفلسطينيين ضحية ممارسة إسرائيل للسياسة بطريق الحرب، وهذا يعني أن عملية السلام برمتها انهارت أمام تغول إسرائيل التي باتت تتصرف بلا شريك ومن طرف واحد، وبحكومة يمينية متطرفة عبرت عن مجتمع أكثر تطرفاً. كما أن الأدهى والأمر في 51 يوماً من العدوان أن البيئة العربية المحيطة باتت أكثر تشرذماً وانقساماً بسبب ما تشهده من نزاعات داخلية ما أفقدنا بيئتنا الحاضنة وباتت مصطلحات الدول المعتدلة والممانعة من التاريخ لذلك وجدنا أن عنصر التأثير انتقل من البيئة العربية إلى البيئة غير العربية والممثلة في (إيران، وتركيا) ورغم أنه لم يعد تأثيراً طاغياً كما في السابق إلا أنه أثر على وجود مبادرات خصوصاً من قطر التي تعمل على شد العرب نحو تركيا النموذج القديم للدولة الإسلامية بعيداً عن قلب العروبة مصر وهنا وضع (النموذج القومي الحقيقي في صراع مع النموذج الإسلامي الذي يجرى صناعته) وهو رغم عدم تعارضه في العمق إلا أن التجاذبات حولت العلاقة بينهما إلى صراع تناحري وبالتالي اهتز الإقليم ككل وباتت الصراعات تزيده انقساماً كل يوم خصوصاً وأن النموذج الإسلامي بات له كثير من الممثلين فقطر وتركيا تدعمان الإخوان المسلمين، ومصر والسعودية تقفان على نقيض من النموذج الإسلامي الممثل في تركيا، بينما إيران تقف على نقيض من الجميع وتقترب وتبتعد منهما حسب مصالحها، لذلك يجب إدراك أنه لا يوجد نموذج إسلامي وان كان هو اليافطة التي رفعت وإنما صراع على قيادة الإقليم، وهو ما ندفع ثمنه كفلسطينيين، ودفعناه خلال الحرب من تغييرات في الحاضنة الطبيعية لقطاع غزة، والممثلة في مصر مما أطال مدة العدوان علينا وكان الثمن آلاف من الشهداء والجرحى والمنازل المدمرة. وختاماً كان تجلي الوحدة الوطنية، والصمود الشعبي في أكثر صوره خلال الحرب مما أعطى إحساساً بالأمن للمواطنين رغم العدوان المتصاعد، وبعد انتهاء العدوان عادت الصورة القاتمة بالظهور من جديد ولم يعد المواطن المنكوب يلقى بالاً إذا ما اجتمع وفد فتح مع حركة حماس أو صرح المسئول فلان أو علان حول الوحدة وتعزيز المصالحة، وهذا مرجعه بالأساس إلى أن العدوان الخارجي أحدث تقارب جدي لبعض الوقت، وتوقف العدوان ، مع المشكلات الضخمة التي تركها خلفه أعادت عقارب الساعة للوراء، وعادت الأصوات المتشنجة تتعالى من جديد أمام كل مشكلة مهما كانت صغيرة وعادت صراعات الأفكار والأيديولوجيات تفعل فعلها من جديد، خصوصاً وأن الخارج بالذات البعيد عن واقعنا لا يزال يصر على الحديث عن برنامجين، وعن إسلام سياسي،
وعن محاور إقليمية وهو ما أثر بنا سابقاً وسيبقى فعله مستمراً طالما أن هناك ممولين لسياسة المحاور والأجندات السياسية، وهو ما يؤكد لنا بالمطلق أن نظامنا السياسي في خطر، وأن وحدتنا في خطر، وهذا ما تريده إسرائيل بالضبط. لذلك علينا تفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة بناءها لتبقى هي الحارس دوماً على مصالح شعبنا وتمثيله، وهذا يتطلب انضواء الفصائل التي خارجها تحت مظلتها، وتبقى الانتخابات المستحقة والمتوقع إجراءها هي الضامن الوحيد لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني بعيداً عن المغردين خارج سربه، وإلا هي النهاية لكل البرامج السياسية التي تصطدم دوماً ببعضها البعض، فليبقى قرار الحرب والسلم قراراً وحدوياً كما يجب إعادة صياغة تحركنا السياسي عربياً ودولياً على قاعدة (لا غالب ولا مغلوب) التي غابت عن حياتنا السياسية، ولتخضع كل مؤسساتنا الوطنية للمركزية الديمقراطية حيث تلتزم الأقلية بقرار الأغلبية، وتغليب ما هو وطني على ما هو حزبي وفصائلي كي نتمكن من مواجهة إسرائيل اليمينية العنصرية المتطرفة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت