تجمع "النَّحَّال" كساب هاشم داوود "أبو ابراهيم"، مع النحل، عشرة طويلة من العمر، وعلاقة وطيدة مع عسله.. عشرة تمتد لـ50 عاما، بات فيها من أهم وأكبر النحالين والتجار بمحافظة قلقيلية.
"النَّحَال" داوود، بدأ كهاوٍ يجمع العسل، ثم تحول لممتهن يعيل أسرته، ومن ثم الى واحد من اكبر النحالين ممتلكا أكثر من 500 خلية، وينتج منها ما يقارب 5-7 أطنان سنويا.
بفرحة عارمة يحكي أبو ابراهيم (70 عاما) قصة نجاحه في تربية النحل، قائلا: "بدأت فكرة مشروع النحل تتمحور برأسي منذ كنت شابا بالعشرين من عمري عندما كنت أرى والدتي تقتني العسل لإطعامنا إياه في الصباح الباكر، وكان يعجبني جدا لون ومذاق العسل وقابليته للتبلور، فأحببت انتاج العسل بنفسي، وبالفعل تمكنت من شراء صندوق من النحل بسعر زهيد حصلت عليه من مصروفي الخاص.. ومن هنا بدأت الحكاية".
ويضيف: "الى جانب عملي بجانب والدي في أرضنا، كنت أعتني بصندوق النحل واتفقده صبحا ومساء، وتطور الصندوق الى عدة صناديق ثم الى خلية، اعتمدت على التعلم عن طريق التجربة والممارسة، وكثير من الفصول كنت لا اجني ربحا، الى أن تمكنت من فهم مملكة النحل بكل تفاصيلها، ولم اتوقف عن التعلم من خلال التجربة والناس، ومع ظهور الانترنت استمعت لكثير من الدروس حول النحل، والحمد الله اليوم أدير مناحل وليس فقط صندوق، واحقق ربحا وفيرا".
ويحتوي صندوق النحل الواحد ما بين 15-20 بروازا من الشمع الذي يبنى بداخله العسل، بكلفة تقدر بنحو 600 شيقل، حيث ينتج كل صندوق 18 كيلو عسل سنويا، بالمعدل الطبيعي، ولكنه اذا ما تأثر النحل بتقلبات الطقس أو بنوعية الرحيق تنخفض كميات الانتاج من العسل، فرحيق الأزهار، بحسب أبو ابراهيم، من الأشجار أفضل من الأعشاب، وكذلك النباتات المعرضة للمبيدات أقل انتاجا من التي لم تتعرض للرش، في حين متوسط سعر الكيلو بـ"الجملة" يبلغ 45 شيقلا.
"إن المذاق اللذيذ للعسل، لم يكن الدافع الوحيد للاستمرار بإنتاجه واقتنائه" يقول "ابو ابراهيم"، فقد ثبت أن تربيته يعتبر منظومة علاجية متكاملة، وثروة قومية اقتصادية تستحق العناية والاهتمام.
ويوضح "ابو ابراهيم" لوكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية "وفا"، أنه تمكن من انتاج العسل بأنواعه العلاجية المختلفة، منها: الجبلي، والربيعي، ولم يقتصر على تسويقها محليا فحسب، بل سعى الى تصديرها الى خارج فلسطين، وأسس شركته الخاصة التي تعنى بكل لوازم المناحل، وهو بذلك حقق موردا اقتصاديا مهما لمدينة قلقيلية.
50 عاما على تربية النحل، انحنى فيها ظهره وشاب شعره، ولكنه ما زال يواظب ويحافظ على مهنته، التي حرص على تعليمها لأبنائه " الثلاثة" ، وأصبحت مصدر رزقهم الأساسي.
ابراهيم (31 عاما)، النجل الأكبر، استأنس مهنة تربية النحل، ويرى أن تنوع أشجار مدينة قلقيلية، باعتبارها أرض زراعية يغزوها البرتقال والليمون، ساعدتهم على نجاحهم في مواصلة عملهم، في الوقت ذاته يبين ان المناخ شبه الاستوائي للمدينة، وارتفاع درجات الحرارة والرطوبة الشديدة، وما يتبعه من ظهور لبعض الحشرات السامة كالدبور، كان سببا في امتناع الكثير ايضا عن تربية النحل، حيث أنه مع الظروف الجوية المذكورة سابقا، قد تتوقف الملكات تماما عن وضع البيض، وبالتالي يتراجع انتاج العسل.
ويقول: "الخبرة والممارسة أهم ما يحتاجه مربي مناحل العسل لنجاحهم، فتربية النحل ليست بالمهنة البسيطة، فهي تتطلب استمرارية وجهد و وقت على مدار العام، خاصة أنها كائنات حساسة تتأثر بالظروف الجوية السائدة".
وعن عملية القطف، يبين ابراهيم أنها عملية تتم على مرحلتين وهما: فصل الشتاء ما بين شهري ايلول - تشرين الثاني، والمرحلة الثانية وهي فصل الصيف ما بين شهري حزيران– وتموز، حيث يجري هذه الأيام جني المرحلة الثانية من العسل.
ويتابع: "يتم جني العسل يدويا، بعد أخذ الاحتياطات اللازمة وتجهيز الأدوات ولبس البدلة الواقية، حيث يتم اخراج الأقراص الشمعية المبنية بالعسل ووضعها بماكنة فرز تعمل بالدوران، ويتم بعد ذلك عملية تصفية العسل من الشوائب، ثم وضعها بمرطبانات للبيع".
ويشير الى أن جمع كيلو غرام واحد، من العسل يحتاج تنقل وقطع النحلة بين الزهور مسافة تعادل أحد عشر مرة من محيط الأرض.
وحسب اخصائي الباطني الدكتور زياد عبد الرحمن، فإن العسل يعتبر من اقدم الأطعمة والأدوية التي اكتشفت مع نشوء الانسان، واعتمد عليها لقرون عديدة كتداوي أساسي وعلاج للأمراض، مبينا ان تناوله يساعد على معالجة مشاكل الجهاز الهضمي، والسعال، والوقاية من الأمراض السرطانية، كما ان له فوائد للجلد والبشرة والعيون أيضا.
ويتكون العسل من 19 مادة حيوية مفيدة لجسم الإنسان، وإن كل "100 غرام"، من العسل يعطي ما يقارب "300 كيلو"، من السعرات الحرارية والطاقة.