مهزلة الأدب في زمن كورونا

جواد العقاد
  •  جواد العقاد

لا شك في أن فيروس ( كورونا) خلق أزمة إنسانية ستُحدثُ تغيرًا جذريًا في العالم، وتصبح علامة فارقة في التاريخ الإنساني. ولكن ماذا يعني إنتاج الفن عن كورونا أوج هذه الجائحة؟!
الفن الحقيقي هو فعل جمالي ناتج عن تأمل مُعمق ومتأن في الحالة المراد الكتابة عنها، ولا يكون ردة فعل عفوية، بخاصة الأدب بما أنه فن غير استهلاكي، في الاعتقاد الشائع، ويجب أن تتوافر فيه سمات تجعله خالدًا، ومن وجهة نظري يجب على كل الفنون ألا تكون استهلاكية.
مثلًا. البعض يزعم أن الدراما فن استهلاكي! نعم ولكن عليهم أن يحددوا أي نوع من الدراما، فالدراما الحقيقية شأنها شأن بقية الفنون.
 الفن هو الذي يهزمُ الزمن ويُخلد اللحظة لا بالتعبير المباشر الذي يُوقع الفن في شَرك التأريخ وإنما بالرؤية المكتملة التي تعبر عن نضج التجربة الإنسانية.
 ربما نجحت بعض الأغاني في التعبير عن أزمة كورنا وهذا النجاح باعتقادي مؤقت ومرهون بالخروج من هذه المرحلة، وكانت ناجحة من الناحية الفنية؛ لأنها تعبير عن إحساس فردي بالأزمة وليست تصوير للأزمة وتداعياتها الإنسانية كما سيحدث، قطعا، في الرواية والقصة والدراما وغيرها من الأجناس الفنية التي تتضمن قصص، وعلى كل حال هذه الأغاني أو حتى القصائد لا تمتلك مقومات البقاء فهي مرحلية ترتبط بالحدث فقط.
وإن أي عمل أدبي أو فني يحاكي الأزمة خلال الأزمة سيحكم على نفسه بالفشل ولن يكون إلا غبارًا أمام جبال الفن الشاهقة. فما الفائدة من أدب يُقدمُ لنا ما نراه في نشرات الأخبار يوميًا، وأقولُ أدبًا مجازًا لأن الأدب الحقيقي ليس توثيقًا للواقع وإنما هو إعادة تشكيل الواقع بطرح رُؤى جديدة، واستشراف المستقبل بحساسية الأديب كما رأينا ذلك في رواية "حرب الكلب الثانية" للروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله الذي تنبأ فيها بحالة تشبه أزمة كورونا إلى حد كبير.
ويُعبر الأدب عن الذات والقضايا الكُبرى ولكن بحنكة تضمن الحفاظ على أدبية النص، فالشاعر الفلسطيني أنور الخطيب حين كتب عن قضية ضم غزة مع سيناء(في قصيدة نشرها عبر صفحته في الفيس بوك) حافظ على شاعرية القصيدة لدرجة أنك تشعر أنه يتغزل بأنثى.
 يقولُ في مطلع القصيدة: "أطيلي الحديث يا بهية لا تعنعنيه سربيه من النيل إلى شرايين سيناء؛ كي لا يُقال صحراء يا الله امنحوها لغزة كي تنام على سواحل التية .."
المحصلة: إن كتابة الأدب عن كورونا خلال الأزمة مجرد توثيق يوميات وإن اعتبره كاتبوه أدبًا فلن يكون سوى مهزلة وتسلق على ظهر الأدب الحقيقي في سبيل الترويج الإعلامي لا أكثر من ذلك.
فالأدب الحقيقي هو النابع من تجربة مكتملة ناضجة لا ذلك الذي يدون ما نتصفحه يوميًا عبر صفحات الإنترنت.
 جواد العقاد
 كاتب فلسطيني
 [email protected]

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت