- معتصم حمادة
■ رغم الضجيج الإعلامي، عالي الوتيرة، حول رفض السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لصفقة ترامب – نتنياهو، وخطة الضم وتطبيقاتها، وبعض التظاهرات الكبرى في أنحاء الضفة الفلسطينية، فإن خيارات الجانب الفلسطيني الرسمي لم تغادر، حتى الآن، مربع المفاوضات، خياراً وحيداً، للوصول إلى «حل سلمي» للصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
هذا ما تعبر عنه السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية في الرسائل الرسمية والبيانات السياسية والتأكيدات اليومية، على لسان المسؤولين الرسميين، وفي لقاءاتهم مع الدبلوماسيين، وفي اتصالاتهم الهاتفية. في ظل حركة سياسية ميدانية لم تتجاوز حدود «الحل السلمي» وخيار «المقاومة الشعبية السلمية».
• فهل تعتقد السلطة الفلسطينية، واللجنة التنفيذية، حقاً، أن المفاوضات في الوقت الراهن، هي المخرج من دائرة صفقة ترامب – نتنياهو، وخطة الضم وتطبيقاتها؟
لا شك أن صفقة ترامب، نتنياهو أفردت للعملية التفاوضية فسحة في بنودها، منحتها أربع سنوات، تعتقد أنها كافية ليصل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي إلى حل لتقاسم الضفة الفلسطينية، بحيث يتوافق الطرفان على خطوط الضم الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وعلى البقع التي ستتشكل منها «الدولة الفلسطينية» التي دعت لها الصفقة، الدولة التي لا تحمل من الصفات القانونية والرسمية للدولة سوى اسمها، وما يتبقى لا يعدو كونها مجلس بلدي لإدارة الشأن العام الفلسطيني تحت إشراف الجانب الإسرائيلي وهيمنته، مقابل الاعتراف الفلسطيني بدولة إسرائيل الكبرى، كما رسمتها اللجان المشتركة الإسرائيلية الأمريكية في تطبيق صفقة القرن.
ولعل من أسباب التباين بين رؤية ترامب لتطبيق الخطة، ورؤية نتنياهو، مسألة المفاوضات، حيث يدعو ترامب، كما يقول كوشنير إلى مفاوضات ثنائية يتفق فيها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي على تفاصيل «الصفقة» والخطة، وخطوط الفصل الجغرافي، ويتوصلان إلى «حل دائم» يحمل توقيعهما معاً، بحيث يقال إن قضية الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني قد وصلت إلى بر الأمان، وأن عقبة «القضية الفلسطينية» قد أزيلت من طريق الحلف الإقليمي، والإعلان عن التطبيع العربي- الإسرائيلي، رسمياً، في إطار معادلات الصراع الإقليمي، كما ترسمها الولايات المتحدة وإسرائيل.
هذه هي المفاوضات المطروحة على جدول أعمال الثنائي الأميركي- الإسرائيلي.
طبعاً هذه الدعوة للمفاوضات ليست مفتوحة زمنياً إلى الأبد، فهناك سقف لا يتجاوز الأربع سنوات، بعدها، كما قررت «الصفقة»، يصبح من «حق» إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، تنفيذ «الخطة» على هواها. )أربع سنوات ربما هي الولاية الثانية لترامب كما يعتقد المراقبون(.
• في ظل هذا كله، هل تعتقد السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية، أن حكومة نتنياهو، على استعداد لاستئناف المفاوضات من النقطة التي وصلت إليها نهاية العام 2008 (مفاوضات صيغة أنابوليس). وهل تراهن السلطة واللجنة التنفيذية على احتمال تغير ما في إسرائيل، يعيد الوضع إلى ما يشبه انطلاقة أنابوليس؟
مفاوضات أنابوليس ولدت في سياق سياسي مختلف تماماً، من المستبعد أن يستعاد، لا على الصعيد الدولي، ولا على الصعيد الإسرائيلي، ولا على الصعيد الفلسطيني أيضاً.
على الصعيد الفلسطيني جاءت دعوة أنابوليس في خطوة أميركية – إسرائيلية لاستغلال الضعف الذي أصاب الحالة الفلسطينية بعد ضربة الانقلاب في غزة في 14/6/2007. اعتقدت واشنطن وتل أبيب، أن شرعية القيادة الفلسطينية باتت موضع تشكيك من صف من القوى الفلسطينية (التي شايعت الانقلاب وأيدته ونظرت له) ومن أطراف عربية لا تخفي دعمها له، وأن استدعاء المفاوض الفلسطيني إلى محفل دولي سيعيد له اعتباره الرسمي.
في السياق نفسه جاءت الدعوة في إطار خطة أميركية لاستئناف المفاوضات، بعدما أفرغ شارون خطة خارطة الطريق من مضمونه، وانتقل القرار إلى أولمرت الذي تراجع عن مشروع الانكفاء من طرف واحد، وبات يبحث عن طرف فلسطيني يشاركه خطة الانكفاء في إطار ما يسمى «حل الدولتين».
أما على الصعيد الأميركي فإن بوش الابن، وهو يتحضر لمغادرة البيت الأبيض في نهاية العام 2008، كان يبحث لنفسه عن «فوز» سياسي يحققه في الشرق الأوسط، «كالفوز» الذي حققه والده في إطلاق عملية مدريد، و«الفوز» الذي حققه كلينتون في حفل توقيع اتفاق أوسلو.
ورغم كل هذه النوايا، و«المصالح» - هنا وهناك، في ضرورة الوصول إلى حل، إلا أن واقع القضية الفلسطينية، اصطدم بواقع الأطماع الإسرائيلية، كما اصطدم بواقع الانحياز الأميركي للجانب الإسرائيلي، فوصلت مفاوضات أنابوليس إلى خاتمة دموية في الحرب التي شنت على قطاع غزة، ما دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس للقول، في تصريح شهير له، إن إسرائيل لا ترغب في السلام، وإن الجانب الفلسطيني قدم كل ما يلزم من أجل الوصول إلى حل سلمي، لكن الأبواب الإسرائيلية ظلت موصدة في وجه الحل.
إذا ما قارنا بين الأمس واليوم، سنجد أنفسنا أمام متغيرات كبرى. فسيد البيت الأبيض هو ترامب الذي يعمل على جعل الحقائق الاستعمارية الاستيطانية أمراً واقعاً وأساساً للحل. مقابل إلغاء الحقوق الفلسطينية كما تكلفها الشرعية الدولية. ففي حسابات ترامب لا مكان للشرعية الدولية، وشعاره «أميركا أولاً».
وفي القدس المحتلة حوت سياسي إسرائيلي يطمع، ويطمح، في ابتلاع الأرض الفلسطينية واستكمال ما بدأه أسلافه عامي 1948 و 1967، في إقامة دولة إسرائيل الكبرى.
وفي الخارجية الأميركية دبلوماسي أميركي يعترف لإسرائيل بحقها «السيادي» في ضم الأرض الفلسطينية.
وفي سفارة الولايات المتحدة في القدس المحتلة دبلوماسي أميركي صهيوني، تتقدم طموحاته في ضم الأرض الفلسطينية حتى على طموحات نتنياهو نفسه.
فهل يمكن، والحال هكذا، أن تستعاد أنابوليس وأحلام أنابوليس. وهل شكلت أنابوليس، حقاً، الطريق إلى الحل وإلا كيف نفسر نهايتها الدموية، وكيف نشطب من مدونات القضية الفلسطينية تصريحات الرئيس عباس، وتوصيفاته آنذاك لأولمرت وفريقه المفاوض؟
• هل تعتقد السلطة الفلسطينية، واللجنة التنفيذية، أن الحالة العربية في وضعها الراهن، إن على الصعيد الرسمي، أو على الصعيد الشعبي، مؤهلة لتشكيل عامل دعم قوياً للمفاوض الفلسطيني في أية مفاوضات قد تنشب في ظل ميزان القوى الراهن؟
الجانب الفلسطيني في دعوته إلى «الرباعية الدولية» لاستئناف المفاوضات، دعا إلى اعتماد مبادرة السلام العربية (2002) واحدة من مرجعيات المفاوضات، فضلاً عن مشاركة أطراف عربية إلى جانب «الرباعية الدولية»، في متابعة المفاوضات [بالصيغة التي يمكن أن يتم التوافق عليها.
ما يجب تداركه واستيعابه، أنه مضت على مبادرة السلام العربية حوالي18 عاماً، وأنها بدلاً من أن تتقوى، من خلال تمسك «الشرعية العربية» بها، نحت إلى التآكل. تحديداً في البند الخاص برهن علاقات الدول العربية والمسلمة وانفتاحها على إسرائيل، بالإنسحاب من الأرض الفلسطينية والعربية المحتلة. [دعونا نتذكر أن مبادرة السلام العربية ولدت قبل ولادة خطة خارطة الطريق، وقبل ولادة تفاهمات «جنيف البحر الميت» وأنها سابقة على مفاوضات أنابوليس].
في ظل المعادلة الأميركية للصراع في المنطقة، وتبديل مواقع الأعداء والخصوم والأصدقاء، في خلطة أميركية إسرائيلية، انكسر البند الخاص بتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل. المنامة (عاصمة البحرين) باتت المكان الذي ولد فيه الشق الاقتصادي لصفقة ترامب، بحضور عربي وإسلامي، وأوروبي.. وإسرائيلي.
وتحت سماء الدوحة عزف نشيد هاتكفاه الإسرائيلي (المسمى النشيد الوطني لإسرائيل)وسالت دموع وزيرة الثقافة الصهيونية تأثراً بهذا «اليوم التاريخي في حياة إسرائيل».
والأموال القطرية إلى غزة باتت تعتمد مطار اللد (بن غوريون) معبراً لها، ولمندوب الدوحة الرسمي. أما الإمارات فلم تجد مطاراً يصلح لدعم الفلسطينيين ضد جائحة كورونا، سوى مطار إسرائيل، في لعبة مكشوفة المقاصد، تريد أن تكرس أولوية ومدخلاً للتعاون مع إسرائيل من بوابة «مكافحة الكوارث»، وقد خطت هذه السياسة لاحقاً خطوات لم تعد مكشوفة.
بدورها باتت عُمان محطة للتشاور (غير المباشر) الفلسطيني الإسرائيلي، عبر قادة مسقط، دون أن نهمل ما يدور من حديث (ووقائع) عن مشاريع سياحية واقتصادية وتعاون أمني وغيره بين إسرائيل وأكثر من دولة خليجية وإفريقية(السودان –تونس – المغرب).
أي بفصيح العبارة، لم يعد الجانب العربي طرفاً منحازاً للجانب الفلسطيني، بل بات في أحسن الأحوال طرفاً «وسيطاً»، لا ندري إلى أي مدى ستكون وساطته نزيهة.
وعلينا ألا ننسى تصريحات أدلى بها أكثر من مسؤول إسرائيلي أعلن فيها أن إسرائيل لم تعد بحاجة للاعتراف العربي بها، وأنها لن تدفع فلساً واحداً مقابل هذا الاعتراف.
وربما كان مثل هذا التصريح يغمز من قناة دولة عربية كالسودان، وجدت نفسها، للوصول إلى واشنطن، مرغمة على العبور من تل أبيب في معادلة سياسية جديدة، باتت فيها إسرائيل المدخل للدول العربية الطامحة لتستعيد مكانتها في المعادلة الإقليمية كما تصوغها الولايات المتحدة.
هذا على الصعيد الرسمي،
أما على الصعيد الشعبي فالشعوب العربية تعيش خلف حصار داخلي وخارجي ضاغط، مثلها مثل الشعب الفلسطيني الذي مازالت تحركاته الجماهيرية في مواجهة صفقة القرن، تصطدم بقمع إسرائيلي (وسلطوي هناك) وقيود أوسلو ( وتبعية للولايات المتحدة هناك) وجائحة كورونا هنا وهناك وأوضاع اقتصادية ومعيشية بات فيها الفقر عنواناً لأغلبية السكان العرب.
- إذن
• ما هو الرهان الكبير الذي تقيم عليه السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية سياستها في الدعوة للمفاوضات؟
• وماهي عناصر القوة التي تمتلكها، في الوقت الراهن، لتخوض مفاوضات ناجحة تكفل الحد الأدنى من الحقوق الوطنية المشروعة كما تكفلها الشرعية الدولية؟
• وهل مازالت السلطة الفلسطينية واللجنة التنفيذية، تعتقد أن تجاربها في المفاوضات تستحق أن تتباهى بها، وأن تتمسك بها حلاً للصراع في كل الظروف؟ ■
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت