بقلم عدنان الصباح
نحن أيضا مثلك تماما عاتبون علينا أيها العزيز على قلوبنا وعقولنا " عبد اللطيف اللعبي " لان الملايين منا لا يملكون جواز سفر باسم بلادهم يمكنهم من العودة للوطن فقد أرسل لي احد الأصدقاء مقطع فيديو لإحدى مقابلاتك المتلفزة انك عاتب لأنك تقدمت بطلب للحصول على جواز السفر الفلسطيني ولم يستجب إليك أحد في فلسطين وأنت المسكون بفلسطين كما أنت مسكون بكل قضايا المضطهدين والمظلومين في العالم كما أشرت وقلت في تلك المقابلة وأنت من أسميته بجواز السفر السريالي الذي لم نمنحك إياه وان فعلنا يا سيدي فقد تستطيع الوصول به إلى أقاصي الدنيا ما عدا إلى فلسطين التي أحببت ... فلسطين التي تساءلت وأنت تكتب عنها ولها قائلا في قصيدتك النفق " فلسطين 10 ابريل نيسان 2020 "
ما هذا العصر
الذي يطحننا في شاحنة قمامته
ما هذا الكوكب
الذي يغلق في وجوهنا
كل أبوابه
ولا يترك لنا
من مخرج
سوى المسلك الذي يجب فيه تقديم الدليل
على اليأس المطلق
ولذا فان رسالتي إليك مهربة كما كنا نهرب الأسلحة والحب لنحرر بلادنا وحين توقفنا عن التهريب وصار السلاح ممكنا وأيكما ظل الحب ممنوعا لان الأعداء يدركون أن السلاح قد ينكسر لكن الحب لا قوة على الأرض تستطيع لي عنقه فهو وحده من يعيش ووحده ... من ينتصر وهو وحده " الحب " من لا يحتاج جواز مرور من قوى الظلام لان القلوب اقدر على الاحتفاظ بما لديها من سواها ولان أحدا لا يستطيع مصادرته حتى لو أراد ولأنه وحده من سيحمينا من الوصول إلى جدارك الأخير والأبواب المغلقة في وجوهنا بانتظار تقديم دليل الموت فالجثث كما السلاح الأبكم يشبهون بعضهم حد التطابق هذه الرسالة يا عزيزي لا تملك جواز سفر لأنها لا تملك بطاقة لتعداد السكان كما يسميها جيش الاحتلال ولأن رسائل الحب لا يمكن أن تحصى كما يفعل العدادين مع الأقدام.
نحن لم نيأس بعد أيها العزيز مع أن جواز سفرنا الذي تريد يفتح كل الأبواب أمامنا إلى خارج فلسطين ويوصد كل بواباتها إليها, جواز سفرنا الذي يحمل على صدر غلافه إثبات أننا في حكم ذاتي لا دولة ... جواز سفرنا الوحيد على الأرض الذي لا يصلح بدون بطاقة تعداد السكان ويصلح لكل جهات الأرض إلا لأرضه.
على بوابات فلسطين يا عزيزي يحلم الناس بالحضور لا بالسفر وعلى بوابات فلسطين ينتظر الناس زوبعة الدخول لا وجع المغادرة التي ذقنا مرارتها مرارا ومرارا فنحن الشعب الأكثر سفرا قسريا للمجهول في التاريخ البشري فلقد سافرنا من يافا إلى جنين وتركنا البرتقال يتيما هناك" تعلكه " أنياب الأعداء وسافرنا من جنين إلى عمان وتركنا خلفنا قبور شهداء العراق تقف على شواهدها دبابات الاحتلال وسافرنا من عمان إلى بيروت وتركنا في الأغوار انتصارات الكرامة ونفضنا عن جباهنا غبار القتال وسافرنا من بيروت إلى تونس ولا دمع علينا إلا دمع مقابر صبرا وشاتيلا التي لم تحتمل الأسماء ومن هناك تاهت عودتنا حسب مزاج السجان فأي جواز سفر تريد منا أن نمنحك ونحن لم يمنحنا أحد سوى بوابات الخروج.
أيها العزيز إذا كان مثلك يعتقد انه بات لدينا جواز سفر وعلم ودولة فما حال جماهير امتنا من تطوان إلى بغداد وما حال أمم الأرض الأخرى وهل هذا يعني أننا قد نصبح في غياهب نسيانكم غدا إن طال الأمد بعض الشيء أو أننا سنقترض النسيان منكم لننسى ما بنا بعد أن بتنا نستنهض من لا ينهض حين عجزنا نحن عن النهوض, هذا الدفتر يشبه جوازات سفر شعوب الأرض الحرة دون أن يصبح جواز سفر حقيقي كذاك الذي تحمله باسم بلدك الحبيب وما نسميها نحن دولة فلسطين تسميها الحقائق السلطة الفلسطينية ونحن نجملها لنكتبها بيننا السلطة الوطنية الفلسطينية دون أن نجرؤ حتى بكتابة كلمة الوطنية على غلاف جواز السفر الذي تتمنى يا صديقي الطيب الحصول عليه.
حتى في بلاد العرب وعلى بوابة الرباط قبل سنوات جئت زائرا بدعوة من الايسيسكو ولم يشفع لي جواز سفري الفلسطيني لولا وجود جواز السفر الأردني المؤقت حتى هناك في قلب الوطن العربي وعلى بوابات تونس قبل الشرطي جواز السفر الفلسطيني ثم أبقاني محجوزا وهو يرحب بي لساعات إلى إن جاء من حملني باسمه لا باسم بلادي إلى قلب تونس وقد سافرت بدون أي حاجز من الرباط إلى تطوان ومن تونس إلى صفاقس إلى بنزرت في حين لن تستطيع أنت الانتقال من مدينة إلى مدينة دون حاجز احتلالي وإذا غضب المحتلون يوما فقد يمنعوك من الانتقال من الحي الشرقي إلى الحي الغربي بنفس المدينة فأي جواز مرور تطلب يا صديقي المولع بالإنسانية الغائبة كليا عن دفاتر المحتلين وعقولهم, فلا زالت بلادنا مقسمة الأقدم في التاريخ مقسمة حسب الأحرف والأرقام لا حسب الأسماء الموغلة في تاريخ الأرض عراقة وهي موزعة بين الأحرف ا , ب , ج ولأبسط لك الأمر فالمزارع يسكن في "ب " وأرضه في " ج " وسوق المنتجات الزراعية في " ا " فتخيل ما سيجري ل " قوت الحمام " الذي غنى له صديقك درويشنا إذا غضب الاحتلال وقرر منع أحد الحروف من الوصول إلى الآخر.
تدري أيها العزيز أن من عادات العرب التزاور دون موعد مسبق وأننا لوقت ليس بعيد لم نكن نعرف كيف تغلق أبواب بيوتنا ولم نكن نحمل بطاقات التعريف الشخصية ولا نستخرج شهادات الميلاد فقد كنا نعرف وجوه بعضنا حد الثقة وقد ظللنا كذلك إلى أن اغتصبوا بوابات بيوتنا واجتاحوا ذاكرتنا ببساطيرهم وصار لزاما علينا أن نعرف البيت من رقمه والمواطن من دفتره ولكن ذلك نفسه صار من المستحيلات على الفلسطيني الذي يحمل أوراقا وأوراق, أرقاما وأرقام دون أن تمكنه يوما من إثبات ذاته ليس أمام الجاثمين على صدورنا وأرضنا فقط بل وأمام العالم الأعور.
أيها العزيز لقد قررت الأمم المتحدة يوما أن لفلسطين حق إقامة دولتين بوحدة اقتصادية واحدة في قرار التقسيم الشهير رقم 181 والذي صدر في تشرين الثاني عام 1947 م وقد نفذ نصفه لصالح الأعداء واعدم النصف الثاني لصالحهم أيضا حد أننا نحن لم نعد نذكره ولو في أحلامنا, شق الأعداء صار دولة بأرضنا التي زوروا اسمها وصار لهم جواز سفر وعلم وجنسية فيما نحن جبنا الأرض ثوارا وعدنا ببعضنا صامتين مرتين مرة أمام الأعداء الذين مررنا بهم على حدود أرضنا وبنادقنا معلبة ومرة أمام من تركناهم وراءنا دون وداع خجلا من غربتهم التي طالت وطالت ولذا فانه لم يصبح لجواز سفرنا قيمة دون مصادقتهم ولا حق لنا بالمرور إلى عتبات بيوتنا دون تصريحهم ومن تحت فوهات بنادقهم فأي جواز سفر هذا الذي تعتب علينا لأننا لم نمنحك إياه.
لا تصدقنا ولا تصدق جواز سفرنا إلا حين تمر إلينا من عين الحلوة الخالي من أهله الذين عادوا للوطن لا الذين هربوا منه إلى بقاع الأرض بسبب اقتتال ناسهم كما حصل في اليرموك وحصل مع فلسطينيي الكويت والعراق وليبيا فنحن يعاد تهريبنا عنوة من صندوق إلى صندوق لنذوب بعيدا دون أن " ندق خزانات " المهربين ليظل الوطن وحيدا في قبضتهم ببوابتين الأولى مخصصة لنا لتفضي بنا إلى الخارج والثانية مخصصة لعصابتهم لتفضي بهم إلى عقر دارنا وأرضنا فانتظر يا صديقي إلى أن تسمع يوما أن الفلسطيني واحد وفلسطين واحدة وان بوابات غزة تفضي إلى الخليل والخليل إلى القدس والقدس إلى يافا عندها ستكون سحنتك العربية جواز سفر يفضي بك إلى قلب فلسطين لا إلى اسمها دون أن تكون مضطرا لاحناء راسك وتقديم الدليل لعصابات المحتلين من قطاع الطرق والقتلة المأجورين ستمر حينها بفرحك المطلق وأملك المطلق ولن يكون هناك مسلك تضطر فيه إلى " تقديم الدليل على اليأس المطلق " كما كتبت ذات يوم بقلمك.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت