الإفتاء...."لعب عيال"

بقلم: عبد الرحمن القاسم

  • عبد الرحمن القاسم

-1-

"لعب عيال" برنامج كوميدي قدمه الممثل المصري احمد حلمي وكان سببا في دخول حلمي عالم التمثيل والشهرة والكوميديا, وتتلخص فكرة البرنامج باستضافة المذيع مجموعة من الأطفال وتوجيه أسئلة متعلقة برأي الطفل بالديمقراطية او حرب النجوم او كيفية حل المشكلة الاقتصادية او معنى كلمات غريبة, ويسهب الأطفال ببراءتهم في الشرح او الإجابة على أسئلة طبعا فوق مستوى إدراكهم أو وعيهم. وكنا نستمع ونضحك كثيرا على المفارقات بالإجابة والتي بالطبع ليس لها علاقة بالسؤال او التفسير الطفولي لها.

"ارجوك ما تفتيش" برنامج طريف عرضته فضائية مصرية قبل نحو عقد من الزمان. وفيه، تطرح مذيعة جادة الملامح واللهجة أسئلة عجيبة حول موضوعات مختلقة، على عدد كبير من المارة في الشارع. والغريب أن كثيراً جداً من هؤلاء يجيبون بنفس الجدية، والكثير من الثقة، على الأسئلة الغريبة من موقع العارف.طبعا كانت المذيعة تخترع معلومات وأسماء وأحداث وهمية, فعلى سبيل المثال لا الحصر من هو : ابن كتكوتة الأموي... "هل تعتقد أن ابن كتكوتة الأموي هو شخص منحوس، أم شغوف، أم كتكوت أم دبّوس؟"، وقد أجاب المعظم بثقة، وبشكل غريب، بأنه شخص "منحوس"، فيما قال عدد أقل بأنه "شغوف"، أو "كتكوت"، أو "دبوس"..!وكنت ترى وجوه الناس جادة وواثقين وهم يجيبون هكذا. وفي الواقع أن البرنامج برهن ان الإفتاء من غير علم يمكن أن يكون هوساً للمواطن العربي وان الكثير منا هم نتاج ثقافة لا تقيم وزناً كبيراً للمعرفة، وان الإجابة بـ"لا أعرف" تعتبر عندنا نقيصة وامتهاناً للذات، بحيث يغامر المرء بالإجابة عن أي شيء بأي شيء حتى لا يبدو "جاهلاً". وشاهدت قبل ايام مقطعا من برنامج مشابه يسال معد البرنامج او المذيع المارة في شوارع العاصمة السورية دمشق..."ما رايك بافتتاح السفارة السورية بدمشق..؟؟" ولك ان تتخيل بحجم الافتاء بانها خطوة ايجابية...ضرورية.....وكان لازم تفتح من زمان...!!!!!!!!!.

-2-

عيال حلمي كبروا مع ثبات ثقافتهم في برنامج "ارجوك ما تفتيش" ومثلهم وضعفيهم رحب بهم على علاتهم "الحاج الفيس بوك, وعشيرة تويتر, ومضارب اليوتيوب, وكهف ومغارات العالم الافتراضي" وتخلصوا من السؤال التقليدي والإذن ببث المقابلة او لا. او تحت رحمة هذا او ذاك المذيع ليكشف هبلهم. ولديهم القدرة على الإفتاء باللحمة, النووي, السياسة الداخلية, الخارجية, الدين, الاقتصاد, والشعر وبث مقاطع مصورة لهم وهم يحسمون أمورا كونية وجدلية علمية وفقهية لم يستطع.. تولستوي ..ولا البخاري او ابن القيم بل عجز عنها نيوتن..وادم سميث..ولا بلاغة محمود درويش ولا حبكة ابن المقفع.....

-3-

لا مصادرة بالطبع لحق الناس في إبداء الرأي في المسائل الجدلية،وربما لا نلوم كثيرا من الناس اغلبهم نتاج ثقافة لا تقيم وزنا للمعرفة, وربما يعانون من عقدة نقص ما واتاحت لهم وسائل العالم الافتراضي ان يصبحوا علماء ومفتيين ورجال دين واقتصاد وسياسة مفترضين. ونلتمس لهم الأعذار.

أما نوع الإفتاء الأسوأ، فهو فتاوى "النخبة" أو "المختصين" و"الخبراء". فيسارع إلى الإفتاء محتمياً بسلطة الأكاديمي أو الخبير، ويأتي بشيء لا يختلف كثيراً من حيث الجوهر عن وصف ابن كتكوتة الأموي بأنه منحوس! والإفتاء في الحقائق الثابتة بغير حقيقتها، بادعاء المعرفة. والاخطر أنهم اصبحوا مهوسين بحصد "الإعجاب" او like ويطلقون عبارات وأحكام سواء بالسياسة او الدين او الاقتصاد كمسلمات وعلى قاعدة: "ما حدا يراجع ورانا", ويكتشفون ما خفي على ارخميدس وما لم يحرره جيفارا او هوشى منه, او يفتى فيما لم يفت به ابن مالك او الشافعي. وخطورة إطلاق عبارات على العموم والتعويم وتثير الشك والبلبلة من عموم الناس.

فليس مقبولا ممن يختفي وراء سلطة الاكاديمي او المثقف ان يكتفي باسئلة التشكيك...ماذا بعد...الفساد ينتشر..المحسوبية...الحرامية..الجواسيس قدم رؤيا...ادلة..حلولا...او على الاقل اتخذ لونا واحدا او خطا واحدا...وليس "عنزة ولو طارت", او حتى عندما تكون مسؤولا وعضوا في لجنة معنية بالشأن العام, وتكتب لاهثا وراء اللايكات عبارة ثورية او طوباوية تنسف جهودا وتسيل لعاب المتربصين والعامة والرعاع والذين يسارعون للتعليق واتهام الناس هنا او هناك.وقبل ان تفتنكم الشهرة او تغركم كثرة إعجاب في عالم افتراضي.. ولعب العيال

تذكروا  في الحديث الصحيح قول رسول الله ﷺ: إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب؟

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت