- بقلم علي بدوان ... عضو اتحاد الكتاب العرب
في مدرسة صرفند الإبتدائية في مخيم اليرموك، كنت ومازن عرفات الطاهر في شعبة صفية واحدة، فنحن من الجيل ذاته، ومن ذات المواليد، وقد تميّز مازن بامتداده العائلي، كسليل عائلة، مهتمة بالتربية والتعليم من أيام البلاد قبل النكبة، فوالده وعمه من رموز التربية والتعليم في فلسطين، اضافة لإستمالتهم هذا المشوار المضني في بناء الإنسان في المدارس الحكومية السورية بعد النكبة. فضلاً عن كونهما من اصحاب الحضور والشأن في مخيم اليرموك بين أبناء فلسطين.
المرحوم مصطفى الطاهر، مواليد 1915 طيرة حيفا. انتقلت عائلته من الطيرة الى مدينة حيفا عام 1927، ومن حينها بدأ مسيرته المهنية مدرساً بالمدرسة الاسلامية في حيفا لعدة سنوات، ثم بدأ العمل في ادارة المعارف في حكومة فلسطين 1937 حيث عمل، مدرساً في (خان يونس) ثم مدرساً في بلدة (مجد الكروم) قضاء عكا. وبعدها عمل مديراً في مدرسة (طمرة). وكانت أخر محطاته عام 1942 مديراً لمدرسة (اجزم) قضاء حيفا حيث بقي مديراً حتى النكبة عام 1948. وقد هاجرت عائلته من حيفا عام 1948 الى مدينة صور جنوب لبنان. وانتقالاً الى سوريا عام 1952، بهدف مواصلة دراسته الجامعية، في جامعة دمشق قسم اللغة العربية وحصوله على شهادة البكالوريوس في الأداب تخصص لغة عربية عام 1959. فسار على درب استكمال رسالته بالتربية والتعليم، في سوريا في عدة محافظات واريافها، كان منها في بلدات : زاكية، وداريا، وكفر سوسة، وخان الشيح .... حيث ترك اثراً عميقاً في أبناء تلك البلدات والأرياف السورية .. ثم عمل مفتشاً في مدارس (الاونروا)، ومن ثم نائباً لمدير التربية في الوكالة لحين تقاعده.
امتاز المرحوم مصطفى الطاهر، بأفكاره التربوية الخلاقة وبابداعه بهذا الشأن في "الأنشطة اللاصفية"، وعلى سبيل المثال ابتكاره اسلوب الزراعة الذاتية في مدارس سوريا الى جانب دوره التعليمي المتعلق بالمناهج التعليمية المُقررة، حيث كانت فكرته قائمة على تقسيم الأراضي الخصبة الشاسعة التي تحيط بمدرسة (زاكية) في ريف دمشق الجنوبي الغربي، الى مساكب (المسكب قطعة ارض صغيرة) ليتم توزيعها على التلاميذ، فيما كان يشتري البذور على نفقته الخاصة من العاصمة دمشق ليوزعها بدوره على التلاميذ كي يزرعوها في قطعة الأرض المخصصة لهم والتي بات محصولها بالكامل ملكاً لهم وهذا ماكان، مع تحفيزهم على العناية بقطعة الأرض خاصتهم، وبالتالي دفعهم الى خوض المنافسات الشريفه فيما بينهم، حيث كان المرحوم مصطفى الطاهر يطلب ايضاً من كل تلميذ أن يزرع شجره تسمى باسمه على أن يقوم برعايتها وسقايتها والأهنمام بها ولازالت تلك الأشجار موجوده لغاية اليوم وعمرها اكثر من ستين عاماً، ولا زالت تحمل اسماء الذين قاموا برعايتها ولازالت شاهدة على رسالته.
كان مصطفى الطاهر يقطن في كفرسوسة، وأثر أن يشتري قطعة أرض ويبني عليها منزلاً في مخيم اليرموك ايمانا منه بأهمية العيش بين أبناء شعبة، وكي لا ينسى أبناؤه لهجة وعادات وثقافة وطنهم فلسطين. توفي رحمه الله عام 1980 وتم دفنه في مقبرة مخيم اليرموك .
أما شقيقه، المرحوم عرفات الطاهر، فهو من مواليد 1922 طيرة حيفا، درس في مدينة حيفا وصولاً الى الدراسة الثانوية بالقدس، فنال شهادة المترك عام 1941، ومن مدرسيه كان نيقولا زيادة، فعمل بعد استمكال دراسته في سكة حديد حيفا، لكن النكبة دفعت باسرته للجوء الى لبنان ومن ثم سوريا.
كان المرحوم عرفات الطاهر، يبحث عن عمل في لبنان، ولم يتمكن من ذلك، الى حين قرأ في صحيفة لبنانية عام 1949 أن اليمن ترغب بالتعاقد مع مدرسين للتدريس في صنعاء. فذهب للسفارة اليمنية في بيروت، وقدم شهادة (المترك) الفلسطينية وابدى رغبته بالعمل. فوافقت السفارة بعد الإطلاع على شهادته، وابلغته بالسفر، وعندما قال انه لايملك جواز سفر. فقدمت له السفارة جواز يمني وسافر به.
والده يوسف الطاهر كان حزيناً، أن ابنه سيسافر لليمن، وتحدث بذلك امام لقاء مع اصدقاء لبنانيين، فما كان من احدهم الا أن سأل : وهل ابك يحمل شهادات ..؟
فقال له نعم ...
فتم تعيينة في المدرسة الجعفرية في مدينة صور، مما دفعه لإعادة جواز السفر للسفارة اليمنية مقدما الشكر والإعتذار. وقد مارس التدريس في لبنان ثلاث سنوات وغادر الى سوريا عام 1952 لإستكمال دراسته في جامعة دمشق والعمل هناك. فتم تعيينه كمدرس، وانتسب للجامعة وتخرج منها عام 1954 حاصلاً على شهادة البكالوريوس في الآدب الإنكليزي. فمارس مهنة التدريس في المدارس السورية على عدة عقود في محافظات حمص دير الزور وريف دمشق في الزبداني وجبعدين والتل، وتخرج على يديه الأعداد الكبيرة ممن أصبحوا من رجالات البلد على مستويات عليا من المواقع، ومنهم رئيس الوزراء الأسبق الدكتور مصطفى ميرو، الرئيس الحالي للجنة العربية السورية لدعم الإنتفاضة في فلسطين، الذي تحدث عن مناقب المدرس والإنسان عرفات الطاهر في جلسة كنت حاضراً فيها.
توفي رحمه الله عام 2009 وورى الثرى في مقبرة مخيم اليرموك.
إثنان من رجالات فلسطين، ومن جيل النكبة الأول، ومن رموز مخيم اليرموك، الذي مازال يُشكِّلُ المساحة الوطنية، والحاضنة، وعاصمة الشتات للاجىء فلسطين، على طريق العودة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت