حرب النيل... سدّ النهضة المثير للجدل

بقلم: أحمد سليمان العمري

أحمد سليمان العمري
  • دوسلدورف/أحمد سليمان العمري

النزاع بين إثيوبيا ومصر حول مشروع سدّ النهضة الضخم، أو كما يُسمّى في إثيوبيا سدّ الألفية الكبير قائم منذ سنوات. اليوم بدأت حكومة أديس أبابا بفرض أمر واقع جرّاء تعبئة السّدّ ولأول مرة، رغم أنّه ما زال قيد الإنشاء منذ تسع سنوات، وعلى الرغم أيضاً من الانتقادات الدولية وملفه الذي قد يحوّل الصراع الجيوسياسي إلى أزمة دبلوماسية وربمّا عسكرية.

يتصاعد النزاع على مياه النيل من خلال السّدّ ويخشى المصريون أزمة مياه حقيقية، حيث يغطي النيل أكثر من 90 بالمائة من الإحتياج المصري.

القلق المصري والسوداني يتفاقم مع خشية قلّة المياه المتدفّقة في النيل عبر أكبر سدّ في إفريقيا. السودان أشارت إلى إنخفاض مستوى المياه التي يعود سببها إلى قطعها من الجهة الإثيوبية، ومصر تستند على اتفاقيات أُبرمت منذ عهد الاستعمار.

صرّح رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد الحائز على جائزة نوبل للسلام يوم الأربعاء 22 يوليو/ تمّوز بإستكمال ملء السّدّ لأول مرة، دون إنقطاع تدفّق المياه في إتجاه مجرى النهر، متذرعاً الملء بسبب الأمطار، هذا بالرّغم من تصريح إثيوبيا منتصف يوليو/حزيران نيتها زيادة منسوب مياه السّدّ.

 كما ودعا الآخر ضرورة إكمال البناء مع توضيح القضايا الدبلوماسية الأخرى. وحسب تصريح وزير الرّيّ الإثيوبي «سيليشي بيكيلي»، وصل منسوبه إلى 4.9 مليار متر مكعب.

بني سدّ النهضة على النيل الذي يمتد عبر عشر دول بطول 6000 كيلومتر ليغذيها تقريباً كاملة بالماء والكهرباء في «بينيشانغول» على مساحة شاسعة وصلت لـ 1800 كيلو متر مربع، الواقع على الحدود السودانية ويبعد قرابة 900 كيلو متر شمال غربي العاصمة أديس أبابا، وتصل سعته 74 مليار متر مكعب، وهي النسبة التي تساوية حصتي مصر والسودان السنويّة من مياه النيل، لتبلغ ما يقارب سعة ثلاثة أضعاف بحيرة «كونستانس» وبإرتفاع 155 متراً، حيث يفصل جداره حوض النيل بمسافة أميال، ولقد بلغت تكلفته 4.6 مليار دولار، وبذلك يصبح السّدّ الأكبر للطاقة الكهرومائية في أفريقيا.

علّ الإعلان الأثيوبي عن إنشاء سدّ كبير في فبراير/شباط 2011 م لم يكن وليد ذلك العام، حيث يعود إلى عقود سابقة، وعلى وجه التحديد بين عامي 1956م وعام 1964م إبّان حكم الإمبراطور «هيلا سيلاسي».

كانت فكرة السّدّ وليدة وتمويل الحكومة الأمريكية بالشراكة مع مؤسسات دولية تمويليّة، إلّا أنّ الإنقلاب الذي أطاح بالنظام الملكي أخفق في بدء بناء السّدّ العظيم آنذاك. ورغم الصراعات العرقية والطائفية التي مزّقت الشعب الإثيوبي وأضعفت الدولة ونظامها، إلّا أنّ حلم الأثيوبيين لم يمت من استثمار الموارد المائية في النيل، حتى آل الحلم قضيّة أمّة ومسألة تؤرّق أصحاب القرار والمواطن البسيط في آن.

المعضلة في تحقيق آمال الأثيوبيين في تشييد السّدّ كانت تكمن في التمويل في الدرجة الأولى، بالإضافة إلى الأبعاد السياسية والأمنية المرتبطة بالضرورة بالبدء بالبناء، ودور مصر الفاعل في المنطقة وحلفائها في الغرب.

مع دخول عام 2011م استطاع أصحاب القرار في أديس أبابا استثمار الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك وانشغال القوى الداخلية للسيطرة على أمن الدولة، وعلى أثرها أُتيحت الفرصة الأفضل للعمل في المشروع المنتظر من خلال الدعم الهائل من استثمار ومنح وقروض من الصين والسعودية والإمارات وأمريكا وصندوق النقد الدولي، والدعم الإسرائيلي الذي أعلنه رئيس وزراء دولة الإحتلال بنيامين نتنياهو في تمّوز/يوليو عام 2016م وتأييده الكامل للموقف الإثيوبي المتمثّل بتوفير وتطوير قدرات الدولة السيبرانية.

الإضطرابات الثلاثية جرّاء ملء السّدّ

إرتفاع مستوى سدّ النهضة وتوليد الكهرباء اللازمة للتنمية الاقتصادية في إثيوبيا يعني بالضرورة الشُحّ في الدولتين الجار مصر والسودان.

اللافت للإنتباه تغيير إثيوبيا موقفها حول مناقشات السّدّ مرات عديدة، بداية الأمر أنكرت الأخرى  قطع الماء عن السودان عبر رسالة لوزارة الخارجية السودانية، حيث صرّح «سيليشي بيكيلي» في مقام آخر بعدم صحّة قطع حصة السودان، وأنّ ملء السّدّ غير مقرون بالإنتظار حتى اكتمال البناء. وتوثّق صور الأقمار الصناعية ارتفاع منسوب المياه منذ نهاية يونيو/حزيران، كما ولوحظت أدّلة تشير إلى تزايد نسبة المياه في السّدّ ممّا يؤكّد عدم صحّة تصريحات أديس أبابا إرجاء إمتلاء السّدّ بهطول الأمطار.

انتهت الجولة الأخيرة من المفاوضات الثلاثية دون الوصول لأي إتفاق. ويرى المراقبون أن النزاع المتفاقم يشكّل خطر حقيقي على أمن المنطقة برمّتها، حيث شدّد «ديفيد فولد جيورجيس» من المعهد الدولي للأمن في أديس أبابا، بعدم ترك الوضع الحالي لمصر وإثيوبيا فقط، وإلّا سيكون لذلك تأثير على الوضع الأمني في المنطقة وأفريقيا، ولم يخفِ مخاوفه في إجتماع الإتحاد الأفريقي الطارئ لبحث تطورات أزمة القاهرة والخرطوم وأديس أبابا يوم الجمعة 26 يونيو/حزيران من استمرارية المواجهة الحادّة، وتبعة نشوب حرب في المنطقة. ونوّه إلى أنّ السبيل الوحيد القابل للتطبيق لكلا البلدين، هو عقد إجتماع طارئ يجمع دول النيل وإجراء حوار ودّي مع رؤساء الدول الأفريقية.

الحرب الباردة وتأرجح الأمن المائي

سدّ النهضة يقنّن بشكل كبير من كمية المياه المتدفقة إلى الأراضي المصرية، وتتوقع مصر إنخفاض المياه فيها بنسبة 14 إلى 22 بالمائة، وفي أسوأ سيناريو تصحّر 30 بالمائة من الأراضي الزراعية، حسب سرعة إثيوبيا في ملء السّدّ. كما ودعت مصر في نهاية يونيو/حزيران مجلس الأمن الدولي إلى تحقيق حلّ عادل ومُنصف للخروج من المأزق، الذي قد تؤدي تبعاته إلى نتائج وخيمة لكلا البلدين والمنطقة بأكملها.

ومع ذلك لم تتحدّث إثيوبيا حتى الآن عن تحديد تجميع المياه في المستقبل أو تحديد مدّة زمنية، وبدلاً عن ذلك، يتم بناء واقع جديد لدول النزاع وتهديد ظاهر للعيان للأمن المائي فيها.

القلق المصري والسودني يتزايد حيال موسم الأمطار القادمة، وحكومة إثيوبيا تستعد للفحوصات الأولية لتوربينات الطاقة الكهرومائية في السّدّ، وتأمل الأخرى في ملء 4.9 مليار متر مكعب خلال شهري يوليو وأغسطس، حيث ستكون الكمية في مرحلة التعبئة الأولى للحوض كافية لبدء عمل توربينات اثنين مع حلول منتصف عام 2021م، ويُتوقع تشغيل السّدّ على الأرجح مع جميع التوربينات الـ 16 في عام 2029م خلال السنوات السبع القادمة، ليكون وصل للحدّ الأقصى من سعته مع إحتمالية خمس سنوات تأخير.

وبهذا سيكون سدّ النهضة أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في القارة، ويصبح قادراً على تزويد دول شرق أفريقيا بالكهرباء.

فهل الجهود الإثيوبية في استثمار مقدّراتها المائية تعني بالضرورة مواجهة فعلية بعد الحرب الباردة التي أعلنتها حكومة السيسي بسبب قرارات أديس ابابا أحادية الجانب؟

وهل عدم تنازل إثيوبيا عن مواقفها يعود لعدم وجود أسباب تعتقدها مصر والسودان بضرر بالغ على كلتا الدولتين بذريعة الخلاف التنسيقي والفنى الذي لا يستدعى تدخل أطراف دولية ومؤسّسيّة خارجية؟

 للمراقب أن يرى بعدالة مطالب الدولتين أو عدمها، أو ضرورة مشاركة أطراف إقليمية ودولية من شأنها تمكين لغة الحوار للوصول إلى حلّ عادل ومُنصف، بعد تعثّر الجهود الدبلوماسية ممثّلة بالإتحاد الإفريقى ومجلس الأمن الدولي بقيادة ألمانية لتسويّة النزاع وفضّ الأزمات في إطار مفهوم شامل لمصطلح الأمن.

وعلّ التعنّت الضمني الذي تُصرّ علية حكومة أبي أحمد، وصلابة موقف الدولة الضعيفة في الأمس، يعود للجهود الروسية والتأييد الإسرائيلي الصريح لتحقيق أطماعه على حساب البقعة العربية والإضرار بمصالحها التي قدّ تهدّد الأمن القومي والمائي أهمّه على المدى البعيد.  

[email protected]

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت