- ثائر محمد حنني الشولي
إن ما تمر به أمتنا العربية وقضيتها المركزية (فلسطين) في هذه الأثناء لم يكن البتة محض صدفة وإنما تطور دراماتيكي لسيناريو قذر برزت ملامحه الكارثية مع نشوء وتأسيس الحركة الصهيونية العنصرية في الساحة الأوروبية نهاية القرن التاسع عشر, وتناغم الحكومات الغربية مع فكرتها الإستيطانية في المشرق العربي والتي تداعت تباعاً لعقد المؤتمرات التاّمرية على الوطن العربي بدءاً بمؤتمر كامبل عام 1905م , ومروراً بسايكس بيكو وسان ريمو التي هدفت بمجملها تفتيت الجسد العربي لأسباب تاريخية ودينية وإستعمارية ووضع حدود مصطنعة بين أقطاره تكريساً لقرار التقسيم وتمهيداً لزرع الكيان الفاشي الصهيوني اللقيط في ذلك الجسد إمعاناً في تمزيقه وإماتته ومنع نهوضه وإستئناف مسيرته الحضارية والرسالية , مما شكل حالة تكاملية تشابكية جمعت المصالح الأمبريالية الإستعمارية بالمصالح العنصرية الصهيونية في إستهداف الوطن العربي برمته من محيطه الى خليجه, وإغراقه بجملة من المخططات والمؤامرات الغير مسبوقة في التاريخ الإنساني تجلت بردود فعل جنونية على البؤر المضيئة في عالمنا العربي ممثلةً بثورتي فلسطين المباركة وتموز العراقية المجيدة اللتين شكلتا معاً حالة من النهوض والضياء والوعي الثوري العربي في مواجهة كل المشاريع الإستعمارية والصهيونية , ورأينا بأم أعيننا حجم الإستهداف الصهيوأمريكي للعراق بهدف تدميره وإجتثاث ثورته وحضارته وبنائه الحضاري وتالياً ثورة الشعب الفلسطيني ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية قائدة النضال الوطني والقومي الفلسطيني عملاً بنصيحة الكاهن الأمريكي الخبيث العجوز (كيسنجر) الذي دعى الجيش الأمريكي والجيوش المتحالفة معه لتدمير بغداد بهدف تركيع القدس. وبعد إحتلال العراق عام 2003 م الذي شكل طيلة عقود صمام أمان وعمق إستراتيجي للأمن القومي العربي تفتق أخيراً عن العقلية الصهيوأمريكية فكرةً جهنمية جديدة (مشروع الفوضى الخلاقة) كوصفة مميتة للحالة العربية من خلال تغذية النزعة الطائفية الجاهلية المقيتة تمهيداً لتمرير الصفقة الصهيوأمريكية الكبرى بشان الوضع العربي وقضيته المركزية فلسطين ..
تلك الصفقة التصفوية التي تجسدت معالمها بوضوح في صفقة القرن (صفقة ترامب) التي أجهزت تماماً على الحق العربي في فلسطين حاضراً ومستقبلاً لصالح المشروع الكولونيالي الإحلالي الصهيوني ..
هذه الصفقة التي جاءت تتويجاً لصفقات ومؤامرات دولية وإستعمارية أجهزت على المشروع القومي العربي النهضوي الثوري وجعلت من الأقطار العربية بمجملها فريسةً سهلة للأطماع الإمبريالية وغيرها والتي أحكمت السيطرة على ثروات ومقدرات الأمة إما من خلال الإحتلال المباشر كما الوضع في العراق وسوريا , وإما عن طريق الوكلاء والحكام الضعفاء الذين خضعوا تحت طائلة التهديد والإبتزاز وسلموا ثروات ومقدرات بلدانهم للقوى الإستعمارية لقاء الحفاظ على كراسيهم ومصالحهم الأنانية.
وعليه فإننا نقول ونشير الى أننا أمام مرحلة صعبة جداً وكارثية حيث تتواتر السياسات الإجرامية للإحتلال الفاشي الصهيوني بحق شعبنا العربي الفلسطيني والتي كان اّخرها مشروع ضم الأغوار الفلسطينية التي تشكل ثلث مساحة الضفة الغربية الى جانب المستوطنات ومناطق (ج) التي لا تبقي لحل الدولتين وما يسمى التسوية السلمية سوى كانتونات وجزر سكانية تربطها طرق إلتفافية معقدة وتخضع للرقابة والسيطرة الإحتلالية مستثمرين الحالة العربية المزرية والتي يشكو العديد من أقطارها تحديات لا تقل خطورة عن تحديات الحالة الفلسطينية.
وإزاء هذا المشهد القاتم الحالك السواد لا بد من بارقة أمل في نهاية النفق تتجلى روحها وعنفوانها في ثورة شعبية قومية عارمة ينفجر بركانها في فلسطين ويسمع صداها في العراق والأحواز والشام, ويسير قطارها تباعاً في كافة العواصم والأقطار العربية من المحيط الى الخليج...
تطيح بالصهيونية وتقتلعها من جذورها ومعها كل الإحتلالات في كافة أجزاء الوطن العربي ..وتطيح أيضاً بكل مخرجات مؤتمر كامبل وسايكس بيكو وسان ريمو ومشروع الفوضى الخلاقة وكل المؤامرات والمشاريع التصفوية التي إستهدفت قضيتنا وأمتنا وصولاً الى شاطيء الحرية وبر الأمان نحو أمة موحدة ودولة حرة عربية ديمقراطية واحدة من المحيط الى الخليج تسودها قيم الحرية والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص...
متجاوزين على الطائفية اللعينة والنزعات القطرية الضيقة والعصبية المناطقية والعشائرية بما يكفل درء المخاطر عن حياض أمتنا ومجابهة التحديات الجسام التي تواجه مستقبل أجيالنا وأبنائنا وأحفادنا وبما يضمن لهم الأمن والإستقرار والتقدم والإزدهار .
بقلم : ثائر محمد حنني الشولي بيت فوريك – فلسطين المحتلة تموز - 2020
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت