- اشرف صالح
في زمن الإحتلال والإنقسام والقبلية , وصعود نجم الأحزاب السياسية في سماء المجتمع الفلسطيني , يجد الفن الفلسطيني صعوبة في طريقه نحو التغيير , كونه يخضع للرقابة الأمنية والسياسية والعرفية , إضافة الى أنه يعاني من الفقر, بسبب أنه على هامش أعمال الدولة الرضيعة , فغالب المخرجين والكتاب الفلسطينيين يدفعون من جيوبهم كي يخرج عملهم الى النور , وغالب الفنانين يعملون دون مقابل كي يشعرون بأنهم فنانين , ومن هؤلاء من يأسوا من مشوار الفن الطويل , وتحولوا الى بائعين على الأرصفة , بهدف الحصول على قوت أطفالهم , ومن هؤلاء من إستمروا في معركة الفن والسياسة , وحاولوا مرة تلو الأخرى حتى وصلوا الى مرادهم , ومن هؤلاء الفنانين المقاتلين , المخرج الفلسطيني مصطفي النبيه , والفنانة المبدعة لينا العاوور , حيث إلتقيا مصطفي وتلميذته لينا في المونودراما المسرحية بعنوان "إرجموا مريم" وكنت من الحضور , وسعدت باللقاء معهم , وشاهدت على ملامحهم علامات الحرص الشديد على بقاء فنهم وإبداعهم وسط زحام السياسة , وما أسعدني أكثر عندما حاول المخرج الفلسطيني مصطفى النبيه أن يجمع في قاعته ما بين أنصار الفن وأنصار السياسة , حيث قام بإرسال دعوة للإخوة في حركة فتح إقليم الشمال , منطقة الشهيد أحمد أبو بطيحان , لحضور المونودراما المسرحية , وبالفعل لبوا دعوته , لدرجة أن قاعة المسرح كادت أن لا تتسع , و كانت الفنانة لينا أكثر إبداعاً في أداءها , وخاصة أن المونودراما "إرجموا مريم" تحاكي معاناة المرأة الفلسطينية في المجتمع القبلي..
بعد تحيتي الكبيرة الى المدافعين عن الفن الفلسطيني أمثال مصطفى ولينا , وطاقم العمل المميز , وكل فنان فلسطيني , أود أن أعقب في مقالي على رسالة المونودراما للمجتمع الفلسطيني بأكمله , حيث حاول مصطفى النبيه أن يقول ككاتب ومخرج من خلال عمله , أن المرأة الفلسطينية محاصرة من عدة زوايا , وهي الدين والقانون والعرف , وهذا ما جعله يعالج هذه القضية بجراءة أكثر من ما ينبغي , حيث تم الخلط ما بين التشدد الديني , والقانوني والعرفي , ومن هنا فأنا أرى ككاتب ومتابع للمونودراما أنه يجب التركيز بما يتعلق بحرية المرأة على العرف ثم العرف ثم العرف , وذلك كي تتم معالجة هذه القضية بسهولة , لأن القانون الفلسطيني يعامل المرأة دون تفرقة بينها وبين الرجل , والسبب لأنه قانون وضعي يخلط بين القانون البريطاني , والقانون المصري , والقانون الأردني , والقانون العثماني , ويراعي أيضاً خاصية المجتمع الفلسطيني القبلي ليعطي المرأة بحبوحة تحت غطاء تسوية القضاياً بشكل ودي عن طريق دائرة العلاقات العامة في الشرطة وبحضور أولياء الأمور , ودون الوصول الى النيابة أو المحكمة , ومن هنا أرى أن القانون الوضعي الفلسطيني يعطي المرأة حقها كالرجل تماماً .
أما بالنسبة للدين فأنا أعتقد أننا كدولة ديمقراطية مدنية مؤسساتية , ليس لنا علاقة بأحكام الشريعة الإسلامية , وذلك بإستثناء قضايا الأحوال المدنية والخاصة , مثل الزواج والطلاق والميراث وما شابه , ومن هنا فالقانون الوضعي والذي هو دستور الدولة لا يلزم المرأة الفلسطينية بما ينص عليه القرآن الكريم والسنة النبوية , فمثلاً حكم المرأة الزانية المتزوجة في الشريعة الإسلامية , هو الرجم حتى الموت , وفي حال أنها شاذة , تلقى من أعلى جبل , وهذا بالفعل ينطبق على الرجل , ولكن القانون الوضعي الفلسطيني لا يعاقب المرأة الزانية إلا في حال تقديم شكوى رسمية من قبل زوجها , أو رفع دعوى قضائية في المحكمة , وفي حال تمت العقوبة , فهي ستكون السجن وليس الرجم حتى الموت , ولهذا أرى أن عنوان المونودراما "إرجموا مريم" يركز على الشريعة الإسلامية , وكأننا في فلسطين نطبق الشريعة ونرجم المرأة الزانية أو الرجل الزاني .
إن المتهم الأول في رجم مريم , هي ألسنة الناس , فهي التي ترجم الأعراض دون شفقة ولا رحمة , أو حتى دليل قاطع , وهذا بحد ذاته ينفخ الهواء على نار القبلية والعرف كي تتوهج أكثر وأكثر , وتلتهم أحكام القانون المدنية , وأحكام الشريعة الإسلامية , لتكون هي المسيطرة على المجتمع الفلسطيني , فإذا غابت الشريعة الإسلامية السمحاء , والتي تعتمد على الأدل القاطعة قبل تنفيذ القصاص , وإذا غاب القانون والذي هو أفضل بكثير من العرف القبلي , حينها سترجم مريم آلاف المرات , وتحت غطاء القبلية , فهذا ما كنت أود أن أوضحه بما يخص معاناة المرأة نتيجة القبلية , ومن هنا أضم صوتي الى صوت المخرج الفلسطيني مصطفى النبيه , والى صوت كل فنان فلسطيني حر ومقاتل ومدافع عن بقاء الفن "لا ترجموا مريم بألسنتكم" , فهي تستحق الحياة .
كاتب صحفي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت