لبنان في وجه العاصفة…. والعدو الصهيوني وإيران وفرنسا يسرحون فيه *

بقلم: عبد الحميد الهمشري

عبدالحميد الهمشري
  •  عبدالحميد الهمشري

منذ تشكل لبنان الكبير بتوافق فرنسي بريطاني وعلى مضض عثماني في العام 1842م وأزمات تلاحقه حيث لم تكن الدولة العثمانية حينها قادرة على ردء الأخطار المحدقة في بلاد الشام ” سوريا ، لبنان ، الأردن ، وفلسطين ” ، ومصر من التدخلات الأوروبية ، وفي كل أزمة يدفع شعبه العربي من مختلف مكوناته وأطيافه وطوائفه خسائر بشرية ومادية جسيمة ، ناهيك عما تعرض له وما زال من نكسات اقتصادية تلحق الجوع بأغلب سكانه ، منها ما حصل خلال الفترة الممتدة من عام 1915- 1918 أي خلال الحرب العالمية الأولى وما بعد الحرب العالمية الثانية وما يتعرض له حالياً من أزمة اقتصادية خانقة ، زاد الطينة بلة فيها وباء الكورونا الذي يفتك بالمجتمع اللبناني ، ناهيك عن الخلافات القائمة بين مختلف طوائفه وأحزابه والتي دفعت الشباب اللبناني الخروج للشارع للتعبير عن غضبه من هذا الحال المهين الذي يسهم فيه الخلاف السياسي القائم فيما بين الأحزاب المتصارعة على تنفيذ أجنداتها والتي لا تصب في صالح لبنان كدولة راعية للتوافق الطائفي وفق ما رسمه كل من بشارة الخوري ورياض الصلح اللذين وضعا أسس التوافق اللبناني اللبناني، حيث هناك أكثر من دولة في داخل الدولة اللبنانية والكل يعلم أن أزمات لبنان يقودها سياسيون يسعون لخدمة تسيدهم في الساحة اللبنانية حتى وإن كان على حساب الدولة والشعب اللبناني.
 لبنان ومنذ العام 1958 وهو يعاني من خلافات بين مكوناته السياسية قادت لأزماته التي يعاني منها ، حيث لم يشهد استقراراً سوى لسنوات معدودة أسهم العدو الصهيوني في الكثير منها ، لأنه يسعى لإفشال التوافق بين طوائفه خدمة لدولته القومية اليهودية الخالصة ، حيث أنه يشهد منذ إقرار العدو لدولته القومية المزيد من التصدع ، والمشهد المسرحي الأخير بالتفجير الذي أنهى مرفأ بيروت من الوجود عملياً يتوقع أن يعقبه المزيد من تفجير الأوضاع التي تحول دون التوافق اللبناني اللبناني في حال استمر سياسيو لبنان على مواقفهم التي تتناقض والصالح اللبناني الوطني .
فما جرى في اللحظة الأخيرة من تفجير كارثي في ميناء بيروت ، لم يدم لأكثر من دقائق معدودة هز خلالها أركان العاصمة اللبنانية وحراكها السياسي وترددت أصداؤه في المدن والبلدات المحيطة على مسافة 40 كيلومتراً ، يحتمل له سيناريوهات متعددة ، ربما الهدف من ورائها تشتيت الجهود للحيلولة دون الكشف عن الفاعل الحقيقي للانفجار ، في حال وجود فاعل ، ولست أدري فيما إذا كان هناك تظاهر بعدم توجيه الاتهام لطرف بعينه القصد من ورائه عدم رفع وتيرة الخلاف والاختلاف في لبنان في هذا الظرف العصيب الذي لم يعرف لبنان فيه طعماً للهدوء منذ العام 1958 سوى لسنوات محدودة بفعل التدخلات الغربية والإيرانية التي تسعى لإخراجه من محيطه العربي ، وانصبت التكهنات بأن وراء الانفجار عوامل عديدة لكن الأصابع تركز على سيناريوهات ثلاثة إحداها وفق ما حلله مصدر مسؤول في الحكومة اللبنانية يعود لمواد متفجرة مخزنة منذ العام 2014 في مرفأ بيروت بعد أن صودرت ، والثاني وراءه هجوم تم بتوجيه الاستخبارات الصهيونية بدليل ما رجحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال مؤتمره الصحفي في 4 أغسطس من أن ما جرى ناجم عن هجوم ، وكذلك ما جاء في الرسالة التي وجهها نتنياهو لحزب الله اللبناني بالقول ضربنا من استهدفنا وعلى حزب الله أن يعي الرسالة ، كما أعلنت هاآرتس عن قيام الدولة العبرية بهجوم على مرفأ بيروت ، وبعد أن تبين حجم الكارثة تنصل العدو الصهيوني من أي اعتداء على لبنان معلناً أن لا علاقة له بالحدث ..
 أما الثالث فإنه يحمل ما جرى لحزب الله اللبناني بحجة امتلاكه 2750 طناً من نترات الأمونيوم شديدة الانفجار، والتي وفق ما يعتقد أنها كانت وراء الانفجار. وأيا كان السيناريو المفترض وراء ما حدث فإنه شكل صدمة قوية في لبنان ومحيطها العربي ، وبدأت سيناريوهات فرنسية أمريكية صهيونية ترتب لتفجير الأوضاع اللبنانية لتزداد سوءاً وإنقاذ العدو الصهيوني من ورطته الفعلية التي تسببت بالانفجار وبخسائر لبنان المادية التي تقدر بستة مليارات من الدولارات حيث أتى الانفجار على ما مساحته 80 % من مساحة المرفأ والمباني المحيطة وعلى بعد عدة كيلومترات ناهيك عن الخسائر البشرية بالأرواح الذين بلغوا بالمئات والمصابين الذين بلغوا بالآلاف ، والمطلوب أمام هذا الحال ، تدارك الأمر والعمل على تلافي تأجيج الموقف بالحد من التوترات لصالح لبنان والإقليم العربي ، خاصة وأن إيران تحاول جهدها أن تكون لها موطئ قدم فيه من خلال شيعة لبنان.
خاصة إذا علم أن هناك تحركاً دولياً يجري على قدم وساق من قبل فرنسا وبالتنسيق مع أمريكا والعدو الصهيوني منذ أن زار الرئيس الفرنسي لبنان واطلع على حجم الدمار الذي خلفه التفجير حيث نقلت قناة العربية عن مصادر عليمة في قصر الإليزيه أن هناك مطالب للرئيس الفرنسي ماكرون تتعلق بالوضع اللبناني أهمها : إعلان بيروت مدينة منزوعة السلاح خاصة من ميليشيا حزب الله ، تفكيك جميع مخازن ومؤسسات الحزب من بيروت والضاحية الجنوبية ، تسليم مطار بيروت لقوات مشتركة دولية برئاسة ألمانيا ، انتشار اليونفيل في بيروت وجبل لبنان وتثبيت طرادات بحرية قبالة بيروت وصولا” للجنوب ، تفكيك جميع منظومة الصواريخ والأسلحة للحزب في الجنوب وتسليم المراكز لليونفيل ، استقالة مجلس النواب وعلى رأسهم نبيه بري والحكومة وإجراء انتخابات سريعة ينتج عنها انتخاب رئيس للجمهورية فورا” ، طرد لائحة بالأسماء الأمنيين المشبوهة انتماءاتهم وتطهير الأجهزة ، وفي حال رفض المسؤولين هذه المطالب السعي لاستصدار قرار صادر عن مجلس الامن خلال 10أيام يقضي بتكليف حلف الناتو تولي فرض الأمن في لبنان وتنفيذ النقاط أعلاه .
والسؤال الذي يطرح نفسه أليس يعتبر هذا تدخلاً فرنسياً مباشراً بالشأن اللبناني الآن ، كونه يؤدي وفق ما هو متوقع لتفجير الساحة اللبنانية تقدمة لتفجير الأوضاع في المنطقة لتنفيذ خطة ترامب التصفوية للقضية الفلسطينية وتقسيم سوريا والعراق لأنه من غير المنطق أن يترك السلاح الفتاك وأسلحة الدمار الشامل مع العدو الصهيوني وينزع من الأيدي العربية لتبقى الدولة العبرية المستأسدة على الجميع ، فرنسا عادت لنغمتها العنصرية مطالبة بحماية مسيحيي لبنان وفق ما رسمته في العام 1842 و1861 و1946 . فاين هم العرب ؟ لماذا لا يحزمون أمورهم ويحترمون أنفسهم ويحولوا دون تدخل أجنبي ، أم أنهم سيبقون كالنعامة يضعون رؤوسهم في الرمال ، ويتركوا الطامعين بأرضهم يسرحون ويمرحون فيها ويتحكمون بمصائرهم وفق ما يبتغون وتشتهي سفنهم ؟ ويتركوا لبنان أسيراً في وجه العاصفة .. ويمنحوا العدو الصهيوني وإيران وفرنسا الفرصة ليسرحوا فيه وهم غايبين فيلة ؟
! [email protected]

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت