اللاجئون الفلسطينيون شركاء في الكارثة اللبنانية

بقلم: معتصم حمادة

معتصم حمادة
  • معتصم حمادة

ندعو لبرامج إغاثة ملحة بشراكة بين دائرة اللاجئين، ووزارة التنمية الاجتماعية، في السلطة ووكالة الأونروا

كارثة لبنان، في إنفجار مرفأ بيروت، حدث مروع بكل المقاييس، له تداعياته الكبرى، على أكثر من صعيد، ولفترة زمنية يصعب أن نرسم سقفها.

المرفأ هو قلب الاقتصاد وعندما يتوقف القلب عن العمل، يموت الاقتصاد، أو تشل أقسام واسعة منه إعادة إعمار المرفأ ليست مسألة فنية بل ترافقها ملابسات ومداخلات وتداخلات سياسية وغيرها، في ظل وضع سياسي مضطرب يعيشه لبنان منذ زمن.

الاقتصاد اللبناني عند حافة الهاوية:

المرفأ إلى جانب موقعه الاقتصادي هو المعبر الذي يستورد خلاله لبنان أكثر من 90% من حاجاته الغذائية، في مقدمها القمح. هو مؤسسة تشغيل آلاف الموظفين والعمال وشركات التحميل والتخليص الجمركي، ومصدر غني لضرائب الدولة من رسوم جمركية ورسوم ترانزيت وإيواء بواخر، وتزويدها بالخدمات. تعطله يعني تعطيل كل هذا.

التقارير تتحدث عن دمار شامل لقطاع السياحة بعدما دمرت الفنادق والمطاعم وشركات السياحة وغيرها من المؤسسات الفاعلة في هذا القطاع.

عدد كبير من المستشفيات خرج من الخدمة الفعلية بسبب ما أصيبت به من أضرار وخسائر بشرية من أطباء وممرضين داهمتهم الكارثة وهم في الخدمة.

كمية القمح والطحين أصبحت مصدر قلق لدى عموم السكان، رغم طمأنة الجهات المختصة بقرب حل هذه القضية.

خسائر بمليارات الدولارات،  من دمار شبه شامل في بعض الأحياء، وفي بعض القطاعات، فضلاً عن آلام ذوي الضحايا، التي لا تقدر بثمن، وما سوف يخلفه الدمار من حالات معاقة، تركت الجروح في أجسامها آثارها الدائمة.

دون أن نتجاهل الأزمة السياسية التي تعانيها البلاد، زادت من حدتها حاجتها إلى المساعدات الخارجية الطارئة فوراً، ومتوسطة وبعيدة الأجل، ما يضعف القرار السياسي المحلي، ويبقيه خاضعاً لضغوط خارجية، سيجد نفسه مرغماً على التفاعل معها، بالطريقة المناسبة، لأنها الطريقة الوحيدة للحصول على المساعدات، إن عبر صندوق النقد الدولي، أو عبر الدول والمؤسسات والصناديق المانحة، ما يعني في السياق العام أن أمام اللبنانيين فترات من المعاناة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. في ظل أفق معبأ بالغيوم السوداء.

*   *   *

ليس اللبنانيين وحدهم هم من سوف يعانون. بل وكذلك كل من هو مقيم في البلاد، وفرضت عليه ظروفه العيش فيها، من نازحين سوريين ولاجئين فلسطينيين وعمال أجانب. هؤلاء جميعاً سيدفعون الثمن لأنهم شركاء للبنانيين في الكارثة وفي المعاناة.

يهمنا هنا، الفلسطينيون في مخيماتهم الذين عبروا منذ اللحظة الأولى عن شراكتهم في المأساة، من خلال العمل على تقديم كل واجبات التضامن مع المنكوبين. وسوف يطالهم، ما سيطال باقي السكان من أذى اقتصادي واجتماعي، ونفسي. خاصة وأن المخيمات تشكو في الأساس من انسداد (أو ندرة) فرص العمل خارجها، وضعف خدمات الوكالة، وتفتقر إلى خدمات الدولة والبلديات المجاورة (خلافاً لما هو عليه الوضع في مخيمات سوريا والأردن على سبيل المثال) ثم جاءت جائحة كورونا لتلقي بثقلها المرهق على كاهل اللاجئين الفلسطينيين، وقد بدأت تتسرب إلى صفوفهم باعتراف وكالة الغوث (الأونروا) آخر ما كشفت عنه حالتان في عين الحلوة (11/8/2020) ما يفرض على اللاجئين من إجراءات وعادات مستجدة، كالكمامات والتعقيم الدائم بالمطهرات، وغيرها من ضرورات التحوط الصحي، وهي كلها تندرج في لائحة المصاريف الجديدة على موازنة العائلات الفقيرة أو ذات الدخل المحدود جداً، ولا تتوفر لها الضمانات الصحية الكافية. دون أن نتجاهل الغلاء الفاحش في الأسعار، والارتفاع الجنوني في سعر الدولار الأميركي، والهبوط المروع في القيمة الشرائية لليرة اللبنانية، وامتناع المصارف عن الإفراج عن ودائع المواطنين، وانتهاز الصيارفة الفرصة للتلاعب بالدولار، وانتهاز كبار التجار (وكذلك صغارهم) للتلاعب بأسعار المواد الغذائية. أي، باختصار، إن النار التي كانت تكوي الشعب اللبناني، كانت في الوقت نفسه تكوي اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والنار التي فجرتها فاجعة المرفأ، امتد لهيبها إلى المخيمات، التي بإمكاننا أن نصفها أنها شريكة في المأساة، وحق لها وأن تكون شريكاً في برامج المساعدات والإغاثة.

*  *  *

من الطبيعي أن نستدير، في هذه اللحظة الصعبة، إلى وكالة الغوث (الأونروا) المعنية بتوفير الحماية الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين، وإلى دائرة شؤون اللاجئين في م.ت.ف، باعتبارها الذراع السياسية والاجتماعية للمنظمة بما يتعلق بملف اللاجئين.

المطلوب من الوكالة، في مثل هذه المناسبات المفجعة أن تضع برامج الإغاثة الطارئة، وأن تطلق نداءاتها إلى الجهات المعنية لتمويل هذه البرامج. بما في ذلك دعوة اللجنة الاستشارية. وممثلي الدول المضيفة، لإشراكهم في المسؤولية، وصولاً إلى تحرك الأمين العام للأمم المتحدة وكبار مساعديه، لتحمل المسؤوليات الملقاة على عاتقهم جميعاً، في توفير حاجات اللاجئين، صوناً لكرامتهم الإنسانية، ولكرامتهم الوطنية في الوقت نفسه.

أما دائرة شؤون اللاجئين فلا نعتقد أن بياناً للتضامن مع اللاجئين في لبنان، هو ما يجب أن تقوم به. البيان هو إعلان نوايا. لكن لا قيمة للنوايا إذا لم تترجم إلى برامج وأفعال.

نحن لسنا على إطلاع على الأوضاع الداخلية لدائرة شؤون اللاجئين. كم هو عدد الموظفين فيها، أو الموظفين على ملاكاتها؟ ماذا يفعلون؟ ماهي تقسيماتها الداخلية؟ هل فيها قسم للدراسات، وقسم لحالات الطوارئ، وقسم للعلاقات العامة. كلها أسئلة تحتاج من الدائرة أن تجيب عنها. ثم، وهذا هو الأهم، ماهي الأطر التي من خلالها تنسج الدائرة علاقاتها مع المخيمات في سوريا، أو في لبنان، أو في الأردن، أو في الضفة والقطاع، والقدس. مثلاً في  سوريا، لا نتلمس للدائرة أدنى وجود في المخيمات.

من هنا ننطلق لندعو الدائرة لتعيد النظر في أوضاعها، ونعتقد أن كارثة لبنان فرصة لمثل هذه المراجعة. يجب أن يشعر اللاجئون بوجود الدائرة في مخيماتهم، ليس من خلال مكاتب للبيروقراطية الجامدة، بحيث يتم تنصيب هذا أو ذاك من موقع الاستزلام والاسترزاق، والادعاء بعدها أن للدائرة وجوداً في المخيمات.

المطلوب من الدائرة برامج وخدمات ومساعدات. ولا يجوز القول هنا إنها تفتقر إلى الموازنات. فليس من العدالة بشيء أن توفر وزارة التنمية الاجتماعية في السلطة الفلسطينية المساعدات لعشرات آلاف العائلات الفقيرة في الضفة والقطاع، ولا تشتمل هذه المساعدات فقراء اللاجئين في الخارج (ومعظمهم أيها الأخ العزيز الدكتور أبو هولي، باعتراف "الوكالة"، فقراء). لذا نرى، في هذا السياق، أن تكون للدائرة موازنة كموازنات وزارة التنمية الاجتماعية، أو أن تشارك دائرة اللاجئين الوزارة في موازنة المساعدات، بحيث توزع في مخيمات الشتات. وحتى لا تتكرر مهزلة توزيع المليون دولار في سوريا بعد النزوح من المخيمات، وحتى نغلق الباب أمام الهيمنة والتسلط والامتيازات للبعض وإلحاق الظلم بالبعض الآخر، نرى أن وكالة الغوث (الأونروا) هي الأجدر بتوزيع هذه المساعدات على أبناء المخيمات والتجمعات الفلسطينية. فأياً كانت ملاحظاتنا على الوكالة، إلا أن الجميع يشهد لها أنها نجحت في توزيع المساعدات على اللاجئين في لبنان وسوريا، بكفاءة وجدارة.

فللتعاون إذن دائرة اللاجئين، ووزارة التنمية الاجتماعية، ووكالة الغوث في تحمل المسؤولية نحو اللاجئين في لبنان وسوريا وباقي الشتات، كحد أدنى، وبحيث يتلمسون حقيقة أنهم جزء من الوطن.

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت