- بقلم: فراس ياغي
في عالم السياسية بشقيّها المتعارف عليه، سياسة العُنف وسياسة الا عُنف هناك إستراتيجيات مُتعدّدة تُستخدم وفق طبيعة الظروف والمرحلة ووفق شكل التحالفات القائمة ومفهوم المصالح التي تَخُصّ الدول في صراعاتها وتناقضاتها وتعارضاتها المُتعددة الأوجه خاصة الإقتصادية والسياسية والمنطلقات الفكرية الإيديولوجية.
نحن في زمن اللا أيديولوجيا...وفي زمن اللا قومية، زمن تتشكل فيه العلاقات بين الدول والأفراد وفقا للمصالح فقط ووفقا للمنطلقات الإقتصادية وتقارب الأفكار، لذلك يحدث تشابكات يراها البعض مُستهجنة ولا يستطيع أن يتعاطى معها لطبيعته التقليدية من حيث التفكير السائد لدية ومن حيث المحور الذي ينتمي إليه.
لست من أصحاب الملايين ولا حتى من أصحاب الآلآف وليست لدي مصالح إقتصادية ولا سياسية شخصية، ومحاولاتي في هذا المقال نابعة من قراءة موضوعية وواقعية لما بين السطور لأنني أنظر لنصف الكأس المملوء لعلّ وعسى يكون الخروج من صندوق الشعارات وصندوق المواقف المُسبقة مُقدمة لنقاش فيه نضوج فكري وسياسي وفيه خروج عن المألوف الفلسطيني أولا وأخيراً، لكنه في نفس الوقت ليس محاباة ولا دعم ولا تطبيل وتزمير وتسحيج وتبرير.
القضية الفلسطينية ومنذ إتفاق "أوسلو" أخذت مُنحنى مُختلف كليا عن أي قضية وطنية تحرريّة أحرى، لأن هذا الإتفاق جاء في ظل موازين قوى راجحة بشكل واضح للجميع لصالح الإحتلال "الإسرائيلي" وجاء بعد تدمير "العراق" الداعم الكبير عربيا وماليا للقضية الفلسطينية وممثلها الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، وجاء أيضا من الباب الخلفي متجاوزاً الوفد الفلسطيني المفاوض بقيادة المرحوم "حيدر عبد الشافي"، أي أن هذا الإتفاق بما له وبما عليه كان وكأنه ضمن سياسة جديدة للقيادة الفلسطينية وتحت عنوان إستراتيجية الهجوم بالسلام لفرض وقائع جديدة على الأرض تفرض على المُحتل تغيير سياساته وأجندته.
فَشِلَ "أوسلو" أو بالأحرى تم إفشاله منذ إغتيال "رابين" رئيس وزراء الدولة المُحتَلّة، ودون الخوض فيما سبق الإنتفاضة الثانية وما بعدها وإغتيال الرئيس الشهيد "أبو عمار"، سنجد أننا ومنذ العام 2005 تغيّرت منطلقاتنا وإستراتيجياتنا الوطنية وأصبحت ردودنا على المُحتَل الذي يفرض وقائع على الأرض بالإستيطان والتهويد مزيداً من السلام ومزيداً من المفاوضات.
نقطة التحول المركزية في الواقع الفلسطيني كانت الإنسحاب الأحادي من "غزة" ومشاركة حركة "حماس" للإنتخابات التشريعية ووفقا لإتفاق "أوسلو" الذي ترفضه، وما تلاه من إنقلاب بالقوة عام 2007، بحيث أن ما تم بأيدي فلسطينية هو جزء من خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي "شارون" بفصل غزة عن الضفة والقدس للإستفراد فيها، ردة فعل القيادة الفلسطينية في حينها كانت وفق إتجاهين، الأول مزيدا من السلام والمفاوضات، والثاني تطبيق حرفي للشق الأمني في "خارطة الطريق" الأمريكية دون شِقها السياسي، إعتقاداً منها أن الهجوم بالسلام وتطبيق الإتفاقات من جانب واحد كفيل بكسب الموقف الدولي وإحراج المُحتَلْ لفرض السلام المُمكن عليه وفقا للشرعية الدولية، وفعلاُ النتيجة كانت مؤتمر "أنابوليس" والمفاوضات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي "أولمرت"، وحيث أن الأمور تُقاس بنتائجها فقد فشلت سياسة الهجوم بالسلام مع المُحتَل ولكنها نجحت في كسب تعاطف دولي وفي أخذ قرار من الأمم المتحدة "67/9" بإعتبار فلسطين دولة مراقب فيها وأيضا قرار في مجلس الأمن بعدم شرعية الإستيطان.
لكن بعد ذلك، حدثت نقطة تحول إقليمية كبرى عَصَفت بالواقع العربي ككل والقضية الفلسطينية بالأساس، وهي الخراب والدمار الذي حدث ويحدث في الكثير من الدول العربية وتحت مُسمى "الربيع العربي" الذي تحوّل إلى خريف مُستمر وكانت الأسلمة السياسية وعلى رأسها حركة "الإخوان المسلمين" رأس حربة هذا الدمار وتبدّلت تحالفاتها وتماهيها مع سياسة الرئيس الأمريكي "أوباما" أو بالأحرى سياسة الحزب الديمقراطي الأمريكي الذي وجد في حركة "الإخوان المسلمين" ملجأ لتطبيق الأجندة الأمريكية في المنطقة والتي تهدف لتجزيء المُجَزأ وعلى أساس الهويات المذهبية والطائفية والقومية وبالذات "الكردية"، ولتعزيز ذلك ظهرت "داعش" وأخواتها وبدأ الخراب يعم كل الدول العربية المركزية مما أدى لمحاور وصراعات عربية عربية تجلّت أخيراً بإصطفافات بين الداعم للأسلمة الإخوانية والمعارض لها وأخذت أبعاد مُتعددة أساسها التأثير في السياسة الأمريكية في المنطقة والحصول على الدعم الأمريكي بالأساس.
وللحصول على الدعم الأمريكي اللا محدود فهناك شروط أمريكية مركزها مدى القرب مع الحليف المُدلّل دولة "إسرائيل"، هنا وضحت الخطة، وظهرت الحقيقة بأن ما جرى من إنقلاب عام 2007 هو جزء من سياسة أمريكية إسرائيلية كانت دولة "الحَمَدين" عرّابتها، بل إنّ وزير خارجية قطر السابق إعترف بأن مشاركة حركة "حماس" في الإنتخابات التشريعية عام 2006 هي بقرار أمريكي وأنّ دولة "قطر" أخذت على عاتقها مهمة إقناع "حماس" بذلك، ردة الفعل الأخرى عربيا كانت بمواجهة سياسة "أوباما" لأنها إستشعرت الخطر الكامن على النظام العربي السياسي ككل وعلى حُكمها في دولها، فرحبت بفوز "ترامب" وتحالفت معه بقوة ودعمت سياساته الشرق أوسطية وخاصة بما يتعلق بالقضية الفلسطينية مع محاولة تعديل تلك السياسة المُفرطةُ في دعم اليمين الإسرائيلي وبالذات "نتنياهو" وضمن مقاربة الهجوم الإستراتيجي بالسلام وتطبيع العلاقات مع دولة الإحتلال.
ضمن ذاك المفهوم ووفقا للإستراتيجية الفلسطينية أساساً والعربية لاحقا فإن ظهور العلاقات السرية التطبيعة للعلن وإقامة العلاقات الدبلوماسية بين دولة الإحتلال وبعض الدول العربية والإتفاق الإماراتي – الأمريكي – الإسرائيلي أخيرا يَصُبّ في خانة إستراجية هجوم السلام، فإسرائيل إذا أخذت خطوات منفردة تُقَوّض عملية السلام، مثل "الضم" لحظتها سوف تخسر علاقاتها وتطبيعها مع الدول العربية سِرِيّا وعلنياً و "ألاردن" خير دليل على ذلك، والذي تصدّر مشهد مواجهة سياسة "نتنياهو" القاضية بفرض السيادة الإسرائيلية على أكثر من 30% من أرض الدولة الفلسطينية وفقا لقرارات الشرعية الدولية.
كما قًلت سابقا، لا أُبرر ولا أُبارك ولا أدعم ما جرى من إتفاق بين دولة "الإمارات" ودولة الإحتلال بواسطة "ترامب"، ولكني وكفلسطيني أرى أن العَطب الكبير والإستراتيجي الذي حدثَ عام 2007 من إنقسام وتمحور الإسلام السياسي في الإقليم ضد مصالح الكثير من الدول العربية وفي المركز منه حركة "حماس"، إلى جانب إستراتيجية السلام بلا أرجل تسندها وتدعمها للقيادة الفلسطينية، نتائجها تظهر بتسارع كبير في منطقتنا وأساسه خلق تحالفات ومحاور علنية في ظاهرها تتجاوز القضية الفلسطينية ولكنها قد لا تكون على حِسابها بل قد تكون في صالحها بدفن الإنقسام والوحدة الوطنية ووفق إستراتيجية سياسية جديدة لمواجهة خطر التصفية القادم للقضية الفلسطينية، أو بإستغلال العلاقات الجديدة لتحسين الشروط والخطط وبما يؤدي لمفاوضات وسلام مُثمر وطنيا يُحقق بالحد الأدنى البقاء على الخارطة السياسية والجغرافية لا سلام "الزبنائية" وسلام اللا سلام.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت