في خدمة الضم

بقلم: محمد السهلي

  • محمد السهلي

شكل الاعلان عن الشق السياسي لـ«صفقة القرن» رافعة مكنت نتنياهو من زيادة غلة  حزبه في الكنيست، وأفشل بالتالي محاولات إزاحته، ونال بدلا من ذلك على ائتلافا حكوميا برئاسته بعد انشقاق التحالف الصهيوني الرئيسي ضده.

حصل ذلك، لأن الإعلان عبر عن اتحاد عناوين مشروع نتنياهو الاستعماري مع رؤية إدارة ترامب ، وهو مافتح الباب أمام التقدم على طريق قيام دولة إسرائيل الكبرى من خلال ضم مناطق من الضفة الفلسطينية. 

ويدرك الليكود ورئيسه أن مخطط الضم جمع حولهما أوساط اليمين المتطرف وخاصة من بين المستوطنين، وبات هذا المخطط وتنفيذه مصدر قوة عززت موقع الحزب في مقدمة المشهد الإسرائيلي، ورئيسه كمرشح دائم لرئاسة الوزراء.

ولهذا السبب، من السذاجة الاعتقاد أن نتنياهو سيضحي بكل ذلك مقابل الجلوس العلني إلى جانب القيادة الإماراتية.

وبما أن خطة ترامب ـ نتنياهو تعتمد «الحل الإقليمي» للصراع الفلسطيني/العربي ـ الإسرائيلي، فإن تطبيع علاقات دول الإقليم مع دولة الاحتلال هو مدخل تطبيق هذا الحل. ولهذا السبب، انصبت ضغوط إدارة ترامب على أطراف النظام الرسمي العربي كي تقدم على خطوات التطبيع منذ اليوم الأول للإعلان عن عناوين «صفقة القرن» قبل نحو ثلاثة أعوام، مستثمرة تداعيات حالة الانقسام التي يعيشها هذا النظام على وقع الصراعات والحروب الدامية الدائرة في عدد من الدول العربية، ومستغلة تصاعد الانحياز للمصالح القطرية على حساب العمل العربي المشترك كما قررت أسسه جامعة الدول العربية.

 ومن نافل القول إن الإدارة الأميركية عززت هواجس إدارات هذه الدول وخوفها على استقرارها ممن يتربص بها في الداخل والمحيط، وكان تكريس إيران كعدو متربص في الجوار يخدم تحقيق ماتريده واشنطن من هذه الدول قبل مجيء إدارة ترامب بعقود.  

ومن الواضح أنه مع الإعلان عن اتفاق التطبيع الإماراتي مع إسرائيل أن المسار الإقليمي لـ«الصفقة» يقطع خطوات حثيثة، بعكس المسار الفلسطيني، بعدما أجمعت مكونات الحالة السياسية والشعبية الفلسطينية على رفض الصفقة، وتعزز هذا الإجماع وازداد رسوخا مع الاعلان عن مخطط الضم. ومع أن خطة «ترامب ـ نتنياهو» في شقها الفلسطيني ـ وفي المقدمة الضم ـ  تقوم بالأساس على خطوات أحادية الجانب، إلا أن إدارة ترامب تريد من الفلسطينيين «حضور جنازتهم» عبر المشاركة في تنفيذ «الصفقة».

ويمكن القول إن ثمة معادلة في جعبة الشريكين الأميركي والإسرائيلي تقوم على «معالجة» الرفض الفلسطيني عبر جبهتي حرب: الأولى الضغط المباشر عبر عقوبات وإجراءات مالية واقتصادية تصب الزيت على نار الأزمات الفلسطينية المتراكمة، والثانية عبر الضغط غير المباشر من خلال شطب أي إسناد رسمي عربي معنوي أو مادي للجانب الفلسطيني في مواجهة الإجراءات الاحتلالية الإسرائيلية والقرارات العدوانية التي تتخذها إدارة ترامب ضد حقوق الشعب الفلسطيني.

 ويأتي هذا الشطب عبر تسريع خطوات التطبيع وتعميمها، لتتحول ماكانت تسمى بـ«الحاضنة العربية»، إلى جبهة ضغط إضافية في وجه الفلسطينيين، وبالتالي عزل الموقف الفلسطيني من المشروع الأميركي ـ الإسرائيلي ومحاصرته، في الوقت الذي يضع فيه الفلسطينيون وأصدقاؤهم هدف عزل دولة الاحتلال على رأس أجندة نضالهم!؟.. وبما أن هناك دولا عربية أخرى مرشحة بقوة للانضمام رسميا إلى ركب التطبيع ، فهذا يعني أن تل أبيب وواشنطن تسعيان إلى إحكام الحصار حول الموقف الفلسطيني من «الصفقة».

وبعيدا عن حسابات الأرقام في إحصاء منافع الاحتلال الاقتصادية من وراء الاتفاق مع قيادة الإمارات ، يمكن القول إن عوائد هذا الاتفاق تصب في رصيد نتنياهو السياسي، وتبين ذلك مباشرة من خلال استطلاعات الرأي الإسرائيلي بعيد الإعلان عن الاتفاق. وقبل ذلك، كانت الاستطلاعات تعكس تدني شعبية الليكود ورئيسه بشكل مضطرد على خلفية تفاقم الأوضاع الاقتصادية في إسرائيل، واندلاع المظاهرات ضد نتنياهو وتحميله مسؤولية ذلك بسبب سوء إدارته لاستحقاقات الموجة الثانية من انتشار فيروس كورونا.

الأهم في هذا السياق، أن نتنياهو عند إعلانه عن الاتفاق أكد بشكل لا لبس فيه أنه لم «يتنازل» عن مخطط الضم. وهذا صحيح وتؤكده الوقائع على الأرض. فقد وجهت الحكومة الإسرائيلية معظم النشاط الاستيطاني في خدمة بناء البنية التحتية التي يستلزمها التطبيق العملي للضم على الأرض، ويلحظ ذلك في الأغوار ومحيط القدس والخليل، وكان لافتا للانتباه مؤخرا الاعلان عن إقامة كتلة استيطانية رابعة في الضفة الفلسطينية. أي أنه لا يوجد تأجيل أو تعليق أو إلغاء لهذا المخطط.

ولا يمكن عمليا ومنطقيا الحديث عن طرف عربي بمفرده (وفي هذه الظروف) يستطيع  فرض وقف أو تعليق مخطط الضم مقابل قبوله ترسيم علاقته مع دولة الاحتلال، لأن المعادلة القائمة هي وقوعه تحت سطوة الضغط الأميركي ـ الإسرائيلي الموحد وهو في الطريق إلى التطبيع ، فكيف سيكون وضعه بعد ذلك؟  وهذه المعادلة قائمة مع أي طرف رسمي عربي سينضم إلى ركب المطبعين، مع أنه من المتوقع أن يكثر كلامهم «المنتقد» لمخطط الضم مع كل خطوة جديدة في مسار التطبيع.

وقد بدأ الليكود منذ الآن في ورشة قطف ثمار الاتفاق. وكان هذا واضحا مع تصاعد حديثه عن انتخابات مبكرة رابعة على خلفية الأزمة  المتفاقمة مع شريكه في الحكومة «كاحول لافان» حول إقرار الميزانية. وفي حال مصادقة الكنيست على تأجيل البت في  الميزانية حتى 3 كانون الأول/ديسمبر المقبل، بدلا من الموعد المفترض في 25/ آب الجاري، فإن الفترة الفاصلة بين الموعدين ستشهد تصعيدا من الليكود ضد «كاحول لافان»، على قاعدة الاستعداد للانتخابات الجديدة.

ولاحظ المراقبون أن نتنياهو المنتشي بتصاعد شعبيته من جديد على خلفية الاتفاق مع الإمارات، بدا في تصريحاته الأخيرة كمن يتلو بيانا انتخابيا، يعزو فيه الفضل لنفسه في إبرام الاتفاق، الذي يكرر أنه لم يكلفه أي ثمن سياسي وخاصة في موضوع مخطط الضم. بل على العكس، يؤكد نتنياهو ـ كما نقلت أوساطه ـ أنه كلما قطع التطبيع مع الدول العربية شوطا إضافيا، كلما كان الطريق معبدا أكثر أمام تنفيذ مشروعه السياسي بخصوص مستقبل الأراضي الفلسطينية المحتلة الذي يرهنه بتحقيق مشروع دولة إسرائيل الكبرى.

 

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت