- بقلم عدنان الصباح
قد يتفق الجميع أن العالم ذاهب إلى مرحلة جديدة من علاقات الإنتاج وان علينا أن نسعى لاستشراف شكل ونمط هذه العلاقة وما مبرر الانتقال إليها ومن هي الجهات التي ستشكل أطراف العملية الإنتاجية وما هو المنتج السلعي نفسه وأي شكل سيأخذ وما هي آليات عمل هذه الأطراف وتأثيراتها على مكونات العملية الإنتاجية والبنى الاجتماعية في العالم الجديد والذي أسميته عصر الإمبريانولوجيا في أكثر من مقال سابق, الأسئلة كثيرة عن تركيبة الطبقات ومكانتها ودورها وعلاقتها بالإنتاج وعن شكل الإنتاج نفسه وطبيعة السلعة الأكثر رواجا وعن فائض القيمة والوفر والربحية, أسئلة كثيرة بحاجة لإعادة تعريف أو حتى تأكيد هل سننتقل إلى نمط إنتاج جديد بعد المشاعية البدائية والعبودية والإقطاع والرأسمالية وهل كانت هناك حلقة مفقودة بين أعلى قمم الرأسمالية والاشتراكية وصولا الى الشيوعية.
وقد يكون هذا السؤال ضروري للإجابة على سؤال لم يتم الحصول على إجابة شافية عنه حتى اليوم وهو لماذا استطاعت الرأسمالية الصمود والتنامي حد الاستغوال والقدرة على الانتقال إلى أنماط جديدة من الإنتاج تبقيها قادرة على المواصلة أكثر وأكثر بينما انتكست كل التجارب الاشتراكية أو ما قبل الشيوعية وتراجعت إلى الوراء بشكل يكاد يلغي في الظاهر إمكانية حصولها أو نجاحها.
لقد كانت العبودية أول نمط ضروري لعلاقات الإنتاج التي ظهرت مع ظهور الملكية الخاصة للأرض والزراعة وبدء النزاعات حول ملكية الأرض سواء للرعي أو للزراعة وبالتالي شكلت النزاعات الحربية على الملكية الخاصة تلك أساس ظهور العبودية حيث تحول الانتصار في الحرب من اعتباره سيطرة على الملكية المتنازع عليها كمادة وثروة مادية إلى اعتبار المتنازع معه نفسه بعد هزيمته مملوكا بالمعنى الكامل للمنتصر وتحول المهزوم بالتالي إلى جزء من مكونات الثروة إما باعتباره منتجا لها بجهده الجسدي أو باعتباره نفسه سلعة قابلة للتداول.
طويلا امتدت مرحلة العبودية حد أن دولة مثل موريتانيا لا زال بها حالات عبودية كثيرة رغم الإعلان الرسمي عن إلغاء الرق والعبودية عام 1981م ونقلا عن الجزيرة نت من منشور بتاريخ 1/12/2019 بعنوان " العبودية في موريتانيا مأساة لم تنتهي " فان " الناشط الحقوقي علي البكاي في منظمة نجدة العبيد –وهي إحدى أعرق منظمات الدفاع عن العبيد في موريتانيا- لم يخفِ امتعاضه من تعامل الدولة مع قضايا الاسترقاق، متهما إياها بأنها لا تظهر الجدية في التعامل مع ممارسي العبودية, وأضاف البكاي في تصريح للجزيرة نت "نحن لدينا ما يناهز 20 ملفا لقضايا عبودية في مدينة النعمة وحدها، تخص أكثر من 60 شخصا، بعضهم لا يزال مع أسياده،ولم يحكم فيها القضاء حتى الآن" وهو ما يؤكد أن صفحة العبودية لم تنطوي وما يظهر في موريتانيا لا يعني أبدا أن العبودية منتشرة لدى القبائل والشعوب الفقيرة بل إن التعبير الأبشع والأكثر وضوحا يظهر هناك إلا أن أشكال العبودية لم تنتهي على الإطلاق ويكفي القول أن العمل مدفوع الأجر هو شكل من أشكال الاستعباد المؤقت.
لقد شكلت الحروب المصدر الرئيسي للعبودية بداية التاريخ بعد الملكية الخاصة والسعي لمراكمتها ولم يعد للعمل هدف القوت فقط بل هدف تكديس الثروة والتي سببت أصلا وجود الحروب التي سهلت إمداد سوق العمل بالعبيد كأرخص عمالة ممكنة لا تكلف صاحبها إلا الحد الأدنى للتكلفة وهي تكلفة إعادة إنتاج القدرة على العمل أي الغذاء والماء والملبس والمسكن كلها بحدها الأدنى الذي يكفي فقط لمواصلة العبد للعيش ليعمل ويعمل فقط إلى أن تطورت وتعددت أدوات الاستعباد ومصادره لتشكل الأحكام ضد المجرمين أو المدانين الغير قادرين على سداد الدين مثلا أحد مصادر العبودية فيتحول المدين نفسه إلى عبد للدائن الذي قد يستخدمه أو يبيعه لسيد آخر وهكذا لتظهر تجارة العبيد ويتحول العبد نفسه إلى سلعة إنسانية تنتج سلعة مادية قابلة للتداول في الزراعة والبناء وغيرها.
في ظل العبودية كانت الأمور مقلوبة كليا فكان السيد هو مالك قوى ووسائل الإنتاج بالكامل أي العبد الذي كان يباع ويشترى هو وقوة عمله أو قدرته على العمل تماما كالآلة في العصر الرأسمالي بما يعني أن العبد هو نفسه الآلة وكما أن الآلة مملوكة بالكامل لصاحبها كان العبد مملوك بالكامل لسيده وما تحتاجه الآلة من ضرورات تشغيل تحصل عليها كالوقود أو الكهرباء وما يحتاجه العبد من ضرورات تشغيل يحصل عليه كالماء والغذاء.
إذن كانت مرحلة العبودية كنمط إنتاج بدائي هي مرحلة توحيد قوى الإنتاج ووسائله في شخص العبد كون الأرض أو التربة أو الطبيعة هي العنصر المستقل الذي اعتبره السيد الأقوى مملوكا له كالعبد بالضبط وبالتالي صارت جميع أسس العملية الإنتاجية وتشكيلاتها قائمة على إرادة السيد فلم يكن صحيحا أصلا أن السيد قدم رأس مال للإنتاج ولا حتى قدم للعبد ما يحتاجه بل إن العبد نفسه أنتج قوته وقوت غيره وبالتالي كان فائض القيمة غير ظاهر للعيان لصعوبة الفصل بين المنتج وقوى ووسائل الإنتاج.
في ظل نظام العبودية كانت السلعة تنتج سلعة فالعبد نفسه سلعة وهو الذي يقوم بتحويل المادة الخام الى سلعة جديدة بأشكال مختلفة وأولية كالبناء والحفر وما شابه ذلك وحين صارت الارض مصدرا رئيسيا للسلع وصار استغلالها ممكن على نطاق واسع وبات من الضرورة الاستحواذ على عدد اكبر من العبيد وحتى لا يتحول العبد الى عبء على سيدة للحاجة لأعداد اكبر من العاملين المملوكين صار من الضرورة تخفيف قيود العبودية من مطلقة الى جزئية بحيث حل القن محل العبد ومنح بعض الامتيازات الخاصة لتشكيل أسرة خاصة به وصار يمكنه مبادلة جهده مطلق الاحتكار ببدائل مادية الى ان صارت الحاجة للسلع التجارية اكبر وبات السوق أوسع فصارت الحاجة لعبودية وقتيه او زمنية كبديل للعبودية المطلقة بحيث يحصل الرأسمالي على وقت محدد من العامل مقابل صناعة السلعة القابلة للتبادل وتبلورت جيدا على يد كارل ماركس موضوعة القيمة وفائض القيمة التي منحت للرأسمالي القدرة على كنز السلع ومن ثم كنز المال ومواصلة استمراره أكثر فأكثر الى ان ظهر الذهب كمعادل للقيمة وبات احتكاره احتكار لمجمل السلع لقدرته على التحول من السلعة واليها دون ان يفقد شيئا من قيمته وتواصل النزاع على فائض القيمة من يملكها وكيف يمكن تحويلها الى حق لأصحابها " العمال والفلاحين " وجاءت الاشتراكية وفكرة الشيوعية لتحاول الوصول الى ذلك وكانت لثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى نقطة الانطلاق في الذهاب الى هناك كصانعة للضرورة في التحول الاقتصادي الاجتماعي من التشكيلة الرأسمالية الى التشكيلة الاشتراكية كمقدمة للتشكيلة الشيوعية كصيرورة حسب اعتقاد أصحابها.
الحقيقة ان صيرورة الضرورة كما جاءت في الرؤية الشيوعية لدول وأحزاب المنظومة الاشتراكية لم تأت وظلت خطوات الضرورة تراوح مكانها غير قادرة على تحويل فائض القيمة الى أصحابها الحقيقيين وبدل الرأسمالي الفرد جاءت الدولة او الحزب وبالتالي لم يشعر العامل بتغيير يذكر على حياته سوى بالشعارات وبانجازات دولة الحزب وقيادته وبدل ان تعود فائدة فائض القيمة على صاحبها بالخير وجدت الطبقة العاملة نفسها تدفع من وقت وجهد أعضائها ثمنا جديدا لصناعة الثورة المنشودة والتي تحجرت عند الدولة فلا هو وصل الى الرخاء ولا نمط الحياة الفردية تغير وبدل الثورة في سبيل الثروة لصانعيها صارت الثورة في سبيل الثروة للحزب والدولة والفقر للأفراد والجماعات.
تطورات العصر الحديث جعلت الرأسماليين يدركون ضرورة وأهمية تحييد اليد البشرية والإبقاء على الفم بمعنى تحييد أهمية اليد كمنتج صانع للقيمة وفائضها والإبقاء على الفم كمستهلك وشكلت الثورة الرقمية نقطة تحول في آلية صناعة القيمة وفائضها وبعد ان كان ألف عامل ينتجون سلعة ويهددون رب العمل بقوتهم وعددهم بات عامل فني واحد يدير مصنعا بواسطة الآلات الرقمية وعبر أجهزة الكمبيوتر وأصبح خطر تواجد عدد كبير من العمال تحت سقف واحد غير قائم وبالتالي أصبح صاحب الفضل في القيمة وفائض القيمة المبرمج والمشغل والمسوق والآلة وتم تحييد العامل بعيدا وانتقل الى مستهلك يمنحه من بات يسمى بدافع الضرائب في الدول الرأسمالية الكبيرة قوت يومه وهذا الرأسمالي دافع الضرائب هو نفسه من يكنز الثروة ويسرقها عبر ملكية السلعة التي تملك القدرة على الاستبدال أي الذهب والنقود فيما بعد والتي منعت صغار المنتجين من حق مبادلة منتجاتهم والتحكم بأسعارها والمقصود هنا بصغار المنتجين أي صغار الفلاحين والحرفيين ممن استحال عليهم منافسة الإنتاج الصناعي الرقمي ومن ثم المعرفي مع تطور وتقدم الثورة الرقمية وصولا الى الانترنت وتداعياته كسلعة هلامية غير ملموسة وغير محددة القيمة الا حسب إرادة من يملكها بالملموس باعتبار ان العامة لا يملكونها بالملموس وان كانوا يملكون أدوات استخدامها فجهاز الحاسوب او الأجهزة اللوحية او الهواتف الذكية هي صناعات سلعية ملموسة لكنها بدون قيمة على الإطلاق دون تفعيل المغذي والمشغل وهو خيوط الانترنت المنتشرة في الهواء.
قبل الانترنت كان الهاتف أيضا سلعة والفاكس مثلا لكنهم كانوا بحاجة لعمال الحفر وفنيي تمديد الخطوط في الارض او على أعمدة ليعمل الهاتف وهو ما تم اعتباره اليوم في عداد الماضي بعد الهواتف الذكية والنقالة والشركات العملاقة التي تجني مليارات الدولارات من بيعها للهواء لمستهلكيه " أصحابه " باعتبار ان هواء الارض هم ملك لأهلها كما هو حال الماء.
السلعة المادية كانت بكلفة عالية بموادها الخام وجهد صانعيها أما سلعة المعرفة فهي بلا كلفة مادية حقيقية بعيدا عن أدواتها التي
سبق وذكرتها وبدل ان يكون هناك فائض للقيمة بات لدينا القيمة الفائضة أي ان كل السلعة قيمة فائضة ففي عصر العبودية كان الإنسان مملوكا وفي الإقطاع بات الإنسان والأرض " سلعة واحدة " وفي الرأسمالية باتت السلعة هي البديل وصارت ملكيتها من تتحكم برقاب البشر وقدرتهم على الحياة وهو ما جعل من إمكانية الثورة لدى صانعي فائض القيمة ضد سارقيها من الرأسماليين ممكنة وقادمة لا محالة وبعد ان استطاعت الرأسمالية رشوة العمال في بلادها وشراء سكوتهم بالرواتب والخدمات والضمانات والتأمينات وما شابه عبر نقل الاستغلال الى الشعوب الفقيرة والبعيدة عن التطور الصناعي المالكة للمادة الخام والفم المستهلك باتت قدرة الرأسمالي وقوته قادرة على نهب فقراء الغير ورشوة فقراء الذات بحيث غاب الفقر والعوز عن شعوب الدول الغنية وصار حكرا على شعوب الدول البعيدة والفقيرة والجاهلة الخاضعة لإرادة اللصوصية الرأسمالية وحتى يتخلص هؤلاء من سطوة وقوة هذه الشعوب حين تصحوا كان لا بد من بديل عن سلعة فائض القيمة سواء بالمعنى اليدوي او بمعنى الملكية كثروات الشعوب وصارت الضرورة بإيجاد سلعة جديدة لا يستطيع احد من العامة الادعاء بحقه بها ولا بأي شكل من الأشكال الملموسة وباتت الفكرة هي السلعة وهي غير قادرة على الظهور والتحول الى سلعة بقيمة الا بإرادة محتكري الثروة والقادرين على تحويل الفكرة الى سلعة وصارت حتى السلع المادية الرديفة لاقتصاد المعرفة مرتبطة بإرادة وسطوة مالكي الفكرة المشغلة فمصانع الأدوات الرقمية الذكية كالحاسوب واللوحيات والهواتف الذكية ستبقى سلعها بلا قيمة ان لم تمنحها الروح إرادة مشغلي الانترنت أي اصطحاب سلعة القيمة الفائضة بالمطلق فهي سلعة دائمة غير ملموسة لا تكلفة حقيقية لإنتاجها وكل ما توفره أنها تضخ المليارات والمليارات الى جيوب محتكريها بحث انتقل المواطن العادي من استهلاك منتج الخبز الملموس وضروراته ممن كان يصنعها ويصنع موادها الخام الى مستهلك غبي لهوائه نفسه الذي لا احد يملكه سواه فهو القيمة الوحيدة المملوكة للكل الإنساني ولا مولد لها سوى الطبيعة او الله حسب معتقد الأديان جميعا وفي كلا الحالتين فان المستفيد هم سكان الارض او عباد الله جميعا لا فئة من محتكري الثروة والقوة فعلى سبيل المثال فان موقعي فيس بوك وأمازون.
كانت فائض القيمة ملك لصانعها العامل أو القن أو العبد في حين ان القيمة الفائضة ملك لكل الناس بلا استثناء بما في ذلك الفكرة نفسها حين تتحول الى سلعة تملك قيمة حصلت عليها من خلال الحاجة المصنوعة لاستهلاكها فصاحب الفكرة إنسان ومانحها قيمتها كل الناس وما بينهما يأتي اللصوص الرأسماليين الذين احتكروا الفكرة والقدرة على تشغيلها وبالتالي ملكوا قيمتها الفائضة لهم وحدهم وهو ما يمكن تسميته الوفر المتأتي عن الفرق بين احتياجات صاحب الفكرة وصاحب المال التأسيسي المشغل للفكرة وهو ما ينبغي له ان يكون من حق الجميع بلا استثناء بعيدا عن أي تمايز طبقي أو قومي أو أيا من الفوارق الأخرى التي تصنع أيا من أنواع التمايز بين إنسان وآخر.
الرأسمالية استغلت جيدا الثورة الرقمية بتحويلها أولا إلى حاجة قبل أن تعلن احتكارها المطلق لها وهو ما تمكنت من فعله بعد أن أرست أسس هذا الاقتصاد وباتت وسائل الاتصال والتواصل ليست ترفا للأغنياء بل حاجة لكل البشر وظهر الاحتكار البشع على حقيقته وتضخم بشكل خرافي سوق اقتصاد المعرفة فقد بلغت ايرادات موقع أمازون عام 2017 فقط أكثر من 177 مليار دولار وسجل ترتيبه كرابع اكبر شركة في العالم بينما بلغ دخل مؤسس فيس بوك " مارك زوكيربرغ " 6 مليون دولار يوميا.
في لمراحل الأولى لظهور الثروة والسلطة او الثروة والقوة كان من الضروري امتلاك الإنسان العبد لتحقيق النمو الممكن للثروة ومن ثم صارت الأرض المصدر الأول فتم امتلاكها وبقي للإنسان القن الدور الضروري لنمو الثروة وعند ظهور الآلة صار امتلاكها الأهم وظلت يد العامل ضرورية لتشغيل الآلة وتكديس اكبر للثروة وصار لفائض القيمة الظهور الأبرز بالتاريخ وانتقل وصار تركيز هذا الفائض ينحصر بأيدي القلة القلية من البشر وبات الاستعمار ضرورة لسرقة المواد الأولية وفتح الأسواق وظلت القيمة موجودة للمال والمواد الأولية لكن على قاعدة ان هذه القيمة ميتة بدون يد العامل الصانع الأول لفائض القيمة الضرورية للسيطرة والاحتكار وتكديس الثروة وظل هذا سائدا بكل أشكاله المعروفة ووسائل الحصول على الثروة سلما او حربا وتعاظمت صناعة الحروب وأدواتها وصارت أكثر الصناعات رواجا لكن بدايات القرن الواحد والعشرين فتحت أعين العالم على صناعة جديدة صار الذكاء هو الأساس فيها عبر تطوير وتشعب منتجات وتجليات الثورة الرقمية وبالتالي وجدت الرأسمالية ضالتها للتخفيف من شكلها العنيف والأعنف من ملكية الإنسان الى ملكية موته بصناعة وترويج السلاح الى الاكتفاء بملكية العقل ومنتجاته وهو الأقدر على صناعة قيمة فائضة بالمطلق تقريبا دون أن يشعر بأهميته في الخطوة القادمة فأنت تدير وتبيع وتنتج وتسوق الوهم لا أكثر ولا اقل فمن يدفع لموقع فيس بوك دولارا في اليوم أو لموقع أمازون لا يدري ولا شعر بحجم الاستغلال الواقع عليه وهو ما يمكن إذن تسميته الاستعباد عن بعد فأنت خاضع كليا لإرادة الرأسمالي الذي يحركك عبر الإعلام الرقمي والتفاعل الرقمي والاقتصاد الرقمي دون حتى ان تلتقيا وجها لوجه فأنت تحولت إلى جزء من عالم افتراضي فيما يخصك وهو مادي حي فيما يخص الرأسمالي البعيد الذي بات يجني الأرباح دون أن يطلبها بل بات المواطن العادي والفقير يدفع له بملء إرادته ودون أن يشعر بالفرق.
مليارات البشر يدفعون يوميا ثمن الهواء لمحتكرين غير مرئيين باتوا يملكون القيمة الفائضة تماما وتنازلوا لمن هم اقل درجة منهم عن فائض القيمة فيما يخص السلعة المادية وباتت سلعة الوهم الأقدر على الرواج وتحقيق الكسب الخرافي وتحول الإنسان العادي إلى مستعبد عن بعد دون ان يشعر بذلك فمليارات البشر باتوا خاضعين لإرادة ورؤية مواقع التواصل الاجتماعي والتجارة الالكترونية والإعلام الرقمي الذي بات الأقدر على صياغة الرأي العام بين البشر وهو ما جعل من القدرة على السيطرة عليهم الأسهل وفتح الأبواب لطرق واليات سيطرة جديدة وصلت اليوم إلى شريحة التحكم بالإنسان ذاته عبر تقنيات شرائح السيطرة المزروعة في الإنسان وسيجد الإنسان نفسه غدا منقاد بالمطلق لإرادة مالكه وسيعود عبدا من جديد لكنه هذه المرة مسلوب الارادة ولن تعود ارادة العبيد الاوائل بالثورة وهو ما سيوفر للمالك السيد كل القدرة على تحريك البشر والسيطرة عليهم لصالحه فقط.
العودة بنا إلى العبودية من جديد هو ما تسعى إليه الرأسمالية الأسفل منذ بداية التاريخ فلم يستطيع المالكين الأوائل أن يحدوا من قدرة العبد على الثورة ولا التحكم به وبجسده مما وفر القدرة للطبقات الفقيرة للثورة على مستغليهم وناهبي خيراتهم كمالكين حقيقيين للأرض وظلت لديهم القدرة على تغيير علاقات الإنتاج وبالتالي فأن ما تسعى الرأسمالية الأقذر منعهم اليوم من القدرة على ذلك بسعيها للسيطرة عليهم كبشر وتحويلهم إلى أجهزة مستعبدة عن بعد وبلا ادنى تكلفة مما يسهل السيطرة عليها كما يحدث مع الهواتف الذكية عبر شرائح تزرع في جسد الإنسان ليصبح عبدا لمركز التحكم الذي يسيطر عليه الرأسمال بطبيعة الحال وبدل أن يكون هناك عبيد وأسياد وعامة سيصبح الجميع عبيد لحفنة من الأشرار المالكين لثروة الأرض بلا مقابل حتى ولن يستطيع العبيد حتى التدخل بأي إجراء يقرره هؤلاء الأشرار حتى فيما يخص حياتهم الجسدية مما سيعني الغياب التام للحياة الروحية للبشر وتحويل الإنسان إلى آلة لا يحق لها الشعور والإحساس وقد لا يصبح من حقها الحياة ما دامت تخضع للسيطرة عن بعد بما يعني انه في حال قرر تحديد عدد سكان الأرض والتخلص من الفائض البشري الذي لا يرغب به فسيصبح ذلك بإمكانه بكل بساطة.
هناك حركات اجتماعية تنبهت إلى أهمية التحولات الاقتصادية في العالم وما لذلك من تأثيرات اقتصادية ومن بين هذه الحركات حركة زايتجايست والتي تقول في دعوتها على رأس صفحتها على موقع فيس بوك مثلا " لم تعد طريقنا الحالية في الحياة تتناسب مع قدراتنا الواقعية, لدينا الموارد والتكنولوجيا والعقول تكفي لتوفير أرقى مستويات المعيشة لجميع سكان الأرض وإقامة حضارة إنسانية جديدة تتجاوز الفقر والمجاعات والحروب وتعتني بكل أشكال الحياة على سطح كوكبنا " وهي إضاءة واعية لمستقبل البشرية كما ينبغي له ان يكون وتدعو الحركة إلى " مجتمع إنساني متحضر على كوكب الأرض " وحركة " روح العصر ترى أن مجتمع الوعي الجديد ممكن عبر ثورة في الوعي البشري وأرى أن أضيف لما ترتئيه تلك الحركة " روح العصر " أن العودة بالوعي البشري إلى إدراك أهمية الروح في صياغة مجتمع جديد يربط بين قمة التكنولوجيا والتطور وسمو الروحانيات والعلاقات الإنسانية وتضمين الروح بكل أشكال الاقتصاد الجديد على قاعدة أن الإنسان كانسان هو محور الكون الذي نعيشه وهو ما دعوت إليه عبر أهمية إيجاد آليات لصياغته على قاعدة الانتقال باقتصاد المعرفة إلى اقتصاد الروح كي لا يتحول الإنسان إلى آلة تدار بإرادة مالكها ومن ثم إلى عبد مملوك بكل المعنى الأسوأ من مفهوم العبودية القديمة وهو ما يعني ثورة على إرادة الرأسمالية الأقذر في التاريخ والساعية إلى تحويل كل المجتمع الإنساني إلى مستعبَدين عن بعد ودون إدراك ذلك بالملموس المباشر وذلك يجري على وجه الأرض الآن عبر محاولة السيطرة التامة على العقل البشري بإعادة إنتاجه من جديد بواسطة إعلام وتكنولوجيا وأدوات تواصل مرهونة برؤية وإرادة الرأسمالية الأقذر.
إن لدى البشرية ما يكفي من القوة السلمية لردع الرأسماليين الأخطر والأقذر في التاريخ عن المضي بسعيهم نحو مجتمع العبيد الجديد أو مرحلة امبريالية المعرفة " امبريانولوجيا " وتكفي قوة إرادة البشرية الموحدة لتفعل ذلك دون اللجوء لأي نوع من أنواع العنف وفقط إن قرر فقراء الأرض التوقف عن القيام بدور القاتل المأجور لذواتهم عبر تنفيذ إرادة مستعبديهم سيجد رأسماليو المعرفة أنفسهم منبوذين ومجبرين على القبول بمكانتهم كبشر لا ميزة لهم عن أبناء جلدتهم بمطلق تعريف الإنسان كإنسان بدون أي تمييز طبقي أو عرقي أو ديني أو جنسي أو أيا من أنماط وأنواع التمييز التي لا تخدم إلا سعاة تحويل المجتمع الإنساني إلى مجتمع من العبيد وهذا يعني بوضوح ثورة كل البشر السلمية على حفنة من الأشرار تسعى لاستعبادهم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت