لم يكن من قبيل المصادفة اختيار طائرة "إلعال"، التي أقلت الوفدين الإسرائيلي والأميركي من تل أبيب إلى أبو ظبي في أول رحلة تطبيع مع الخليج، فالطائرة مزودة بمنظومة دفاع ضد الصواريخ، ومجهزة بنظام تشويش، ونظام حماية يدعى "درع السماء"، وهو صناعة محلية يُرجّح أن إسرائيل تنوي بيعه لدولة الإمارات. والأهم من كل ما تقدم أن اسم الطائرة "كريات غات"، وهو اسم ذو دلالة مأساوية للفلسطينيين.
حملت الطائرة في مقدمتها كلمة "سلام" بثلاث لغات، وفي الناحية السفلى "كريات غاد"، وهو الاسم الذي تم إطلاقه عليها تيمناً باسم هذه المستوطنة التي أقيمت على أنقاض القريتين الفلسطينيتين عراق المنشية والفالوجة، أخر قريتين سقطتا بأيدي اليهود عام 1949.
تعد قرية عراق المنشية من أواخر القرى التي سقطت بيد اليهود بعد عام كامل من إعلان دولة إسرائيل. وهي قد صمدت رغم القصف والدمار، بفضل أبناء القرية والجيش المصري والسوداني. وبعد اتفاقيات جزيرة رودس اليونانية قامت إسرائيل بهدم القرية. ثم شيدت على أنقاضها مستوطنة "كريات غاد" التي تعد من أكبر المدن الإسرائيلية. ثم تمددت المستوطنة لتشمل أيضاً أراضي قرية الفالوجة حيث حوصر الجيش المصري. ويعود اسمها إلى سيدي أحمد الفالوجي، العراقي الصوفي المهاجر من بلدة الفلوجة في العراق.
ويذكر أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي كان قد حارب في فلسطين، عام 1948، أطلق على ابنه البكر اسم خالد نسبة إلى خالد الطيطي، عميد تلك القرية، كما منحه فيما بعد وسام الاستحقاق.
ففي ذلك العام خاض الجيش المصري معركة شهيرة إلى جانب الفلسطينيين عُرفت باسم "حصار الفالوجة"، تواجه فيها مع القوات الإسرائيلية. وكان العرب بقيادة سيد طه بيه الذي عرفه الناس بلقب "الضبع الأسود"، وهو محارب سوداني قديم تلقى تدريبه في الجيش البريطاني، كان قائداً للواء الرابع في الجيش المصري. وتحت قيادة "الضبع الأسود" حارب البكباشي جمال عبد الناصر، الذي كان قائداً للكتيبة السادسة قبل أن يقود ثورة الضباط الأحرار على الملك فاروق، عام 1952، ثم يصبح رئيساً للجمهورية في مصر.
رفض سيد طه بيه الانسحاب من جيب الفالوجة أو إجراء مفاوضات. وخاض معركة شرسة في وجه القوات الإسرائيلية أطلق عليها الإسرائيليون اسم "حيتسول"، أي التصفية. واعتمدت الخطة على القصف المدفعي بالليل والقصف الجوي بالنهار. لكن القوات المصرية صمدت وكبدت الإسرائيليين خسائر لا يستهان بها.
واسدل الستار على إحدى أشد المعارك بعد نهاية الحرب، وانسحب المصريون بعد اتفاقيات وقف إطلاق النار في "رودس".
هذا عن طائرة "إلعال" التي حطت في أبو ظبي، أمس. أما عن بيع طائرات أف 35 الأميركية إلى دولة الإمارات العربية فإن أجنحة هذه الطائرة تصنع في إسرائيل التي تبيعها إلى الولايات المتحدة ودول أخرى عدا تركيا. وتم بناء مصنع لهذا الغرض في "كريات غاد"، من المنتظر أن يفتتح قريباً، بالإضافة إلى المصانع الأخرى المنتشرة في عدة مدن إسرائيلية والتي تقوم بتصنيع هذه الأجنحة. وهو رمز آخر لاسم الطائرة.
وتوجد في "كريات غاد" عدة مصانع أخرى مثل مصنع لألبان "نسله" أقيم أيضاً على أنقاض قرية عراق المنشية، ومصنع للإلكترونيات الدقيقة، ومصنع لأجهزة الحاسوب، ومنها "أنتل".حسب موقع إذاعة "مونتيكارولو دولية".