طائرةُ، كريات غات في الإمارات، مُفخَّخةٌ بالمدلولات!

بقلم: توفيق أبو شومر

طائرةُ، كريات غات
  •         توفيق أبو شومر

أشار كثيرون إلى مدلولات اسم الطائرة الرئاسية الإسرائيلية الأولى الناقلة للوفد الإسرائيلي الأمريكي إلى الإمارات عبر أجواء المملكة العربية السعودية. قالوا: إن اختيار اسم الطائرة، (كريات غات) له مدلول سياسي مهم، حيث أن للاسم ارتباطا بمعركة الفالوجة، بين الجيش المصري والإسرائيلي، وأن التسمية مقصودة للتدليل على الانتصار الإسرائيلي.

التحليل السابق صحيحٌ، لكنه يحتاج إلى مدلولات أخرى تُضاف إليه، لأن إسرائيل بارعة في استخدام وتوظيف مدلولات التسميات، بخاصة لأن هذه الطائرة الرئاسية الإسرائيلية طائرة جديدة، نقلت على متنها وفدين، إسرائيلي وأمريكي فما السرُّ؟

 إليكم تكثيفا وتحليلا آخرَ يُضاف إلى التحليل السابق في مغزى تسمية الطائرة الإسرائيلية الأولى، كريات غات، لأن التسمية (مُفخَّخةٌ) بكثيرٍ من المدلولات:

طائرة، كريات غات، تدلٌّ على اتفاقية الهدنة، (رودس) عام 1949، أي اتفاقية المهزوم والمنتصر، وقعت بين خمسة بلدان عربية، مصر، سوريا، الأردن، لبنان، العراق، هذه الاتفاقية كانت اتفاقية عسكرية، وقعتها إسرائيل مع كل دولة عربية (على حِدة) لهذا مدلولٌ يماثل مدلول اتفاقية الإمارات مع إسرائيل، حيث وُقِّعتْ اتفاقية، رودس، مع مصر يوم، 24-2-1949م، ثم مع لبنان يوم 23-3-1949م، ثم مع الأردن، والعراق، سوريا يوم 3-4-1949م، ثم أخيرا مع سوريا يوم 20-7-1949م، ظلت هذه الاتفاقية صامدةً حتى عام 1967م!

هذه الاتفاقية وُقِّعتْ بضمانةِ ثلاثة دول، وهي، أمريكا، بريطانيا، فرنسا!

إن سفر مستشار الأمن القومي الأمريكي، براين، بصحبة، جاريد كوشنر، مع الوفد الإسرائيلي، الذي يرأسه، مستشار الأمن القومي الإسرائيل، مئير بن شبات للإمارات، ليس صُدفة، وإنما هو مقصودٌ، فالضامن الأمريكي للاتفاقية موجودٌ بالفعل!

كما أن بقية الضامنين سينضمون فيما بعد، في صورة ممثلين عن الحكومة البريطانية والفرنسية، وحشدٍ كبير من الدول الأخرى، وكثيرين من العرب لضمان اتفاق الإمارات إسرائيل، أي اتفاق الهدنة الجديدة، بصيغة جديدة!

من أبرز الرموز كذلك، زوال عصر الاتفاقيات العسكرية الغابرة، هذه الاتفاقية إذن هي نموذج لاتفاقيات الألفية الجديدة، اتفاقيات عصر العولمة، (سلام مقابل سلام)، أي أنَّ أبرز رموزها؛ التخلص من كل الإيدلوجيات البائدة، والأفكار القومية، وعلى رأسها، قضية فلسطين قضية عربية، والقدس عاصمة فلسطين، والحق العربي والفلسطيني المسلوب، ليصبح الشعار الجديد، شعار المصالح المشتركة، والتعاون في مجالات، التجارة، والصناعة، والزراعة!

تكثيفا لهذا التحليل، فإنني سأذكر قصة (النموذج الجديد)، أي اسم الطائرة الرئاسية الأولى، مدينة، كريات غات:

 أصبحت هذه المدينة نموذجا لمدن العولمة الجديدة، كريات غات المقامة على أنقاض القرى الفلسطينية بخاصة، عراق المنشية، والفالوجة، سكنتهْا الجالية المغربية السفاردية اليهودية، بعد تهجير سكانها الأصليين، ظلتْ هذه الجالية تشتغل بالزراعة حتى سبعينيات القرن الماضي، ثم تحولت من قرية زراعية إلى مدينة صناعية، عام 1972م، أصبحت ثالت أكبر مدينة صناعية إسرائيلية، مختصة بصناعة النسيج، مصانع (بولغات)!

في عام 1990م بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، سكنها اليهود الروس، أصبحوا ثلث سكانها، ظلت هذه المدينة (الرمز) تعاني من نسبة البطالة العالية، غير أن الحكومة الإسرائيلية نجحت في تحويل المدينة من مدينة صناعية، إلى مدينة تكنلوجية.

 بعد عام 1990، دخلت المدينة عالم السيلكون، وإنتاج الحواسيب، واستُحدثت فيها شركتان رقميتان كبريان بخاصةٍ، انتاج (الفلاش ميموري)، وهو أهم المنتجات الضرورية في كل دول العالم!

وفي عام 2019م افتَتحتْ في كريات غات شركةُ، إنتل العالمية للحواسيب الإلكترونية أولَ شركة عالمية، بمبلغٍ، قدره أحد عشر مليار دولار، فأصبحت مدينة عالمية!

إن سيرة هذه المدينة، تشبه سيرة التطور العالمي، من مُدنٍ زراعية، ثم صناعية، ثم رقمية، تَستثمر فيها الشركاتُ الكبرى الموازناتِ الكبيرة، وفق مسيرة العولمة الجديدة!

إذن لهذه المدينة مدلولات تتوافق تماما مع الحاضر.

 كريات غات إذن، ليست اسما، وإنما هي مُلَخَّصٌ لإسرائيل كلها، لا تُشير فقط إلى انتصار جيش إسرائيل على جيوش العرب، عام 1949م في رودس، وعقدها اتفاقات منفصلة مع كل دولة عربية على حِدة، بل هناك مدلولات أخرى، هي رمز لحركية المدن والقرى، وانتقالها من حالةٍ إلى حالة أخرى جديدة تتوافق مع التطور الرقمي الحديث، هذا النموذج هو المطلوب للتخلص من كل متعلقات القضية الفلسطينية.

أخيرا، لا تنسَوا (رمزية) رقم رحلة طائرة، كريات غات إلى الإمارات، فهو الكود الدولي للإمارات، أي 971 وأن كود إسرائيل الدولي هو 972 وأن رحلة العودة النهائية سيكون رقمها 972، مع العلم أن 970 ما أخره صفر، هو كود الضحية، قضية فلسطين!

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت