عاد الهدوء إلى قطاع غزة بعد إعلان تفاهمات جديدة لاحتواء التصعيد بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل بعد نحو ثلاثة أسابيع من التوتر الميداني والتحذيرات من الانزلاق لمواجهة شاملة.
وترى أوساط سياسية فلسطينية وإسرائيلية أن انتشار مرض فيروس كورونا الجديد داخل قطاع غزة والتطورات الإقليمية فيما يتعلق باتفاق التطبيع بين الإمارات وإسرائيل شكلت كوابح للذهاب إلى تصعيد أكبر.
وأعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) يوم الإثنين الماضي، التوصل إلى "تفاهم لاحتواء التصعيد" مع إسرائيل في قطاع غزة بوساطة من دولة قطر.
وقالت الحركة إن التفاهم الجديد يتضمن الإعلان عن عدد من المشاريع التي تخدم سكان قطاع غزة، وتساهم في التخفيف عنهم في ظل موجة مرض كورونا التي حلت بالقطاع.
ولاحقا أعادت إسرائيل فتح معبر كرم أبو سالم التجاري مع قطاع غزة والسماح باستئناف إدخال الوقود لمحطة توليد كهرباء غزة وعمل الصيادين في البحر قبالة ساحل القطاع.
ووضع ذلك حدا لتوتر ميداني بدأ مطلع أغسطس الماضي بإطلاق بالونات حارقة بشكل مكثف وقذائف صاروخية بشكل متقطع من غزة باتجاه إسرائيل التي ردت بغارات موضعية على أهداف ومواقع لحماس، إلى جانب فرض إجراءات عقابية على القطاع.
ويقول المحلل السياسي من غزة هاني حبيب لوكالة أنباء (شينخوا)، إن اتفاق التهدئة الجديد لا يبدو أنه يختلف عن التفاهمات السابقة بما يشمل خطوات لتسهيلات إنسانية لصالح سكان القطاع.
وأشار حبيب إلى أن الاتفاق المعلن عنه تضمن تزويد قطاع غزة بمعدات وأجهزة مكافحة انتشار مرض كورونا والتزام إسرائيلي بتنفيذ مشاريع البنية التحتية، إلى جانب زيادة قطر المنحة المالية لدعم سكان القطاع المنهكين اقتصاديا.
لكنه يبرز غياب وجود "ضمانات" بشأن التزام إسرائيل بالتفاهمات المعلن عنها بما يتضمن تحركا جديا لتحسين الظروف المعيشية والمضي قدما لتنفيذ المشاريع الدولية في القطاع.
ويشدد حبيب على أن تفاهمات التهدئة المتكررة في غزة تبقي تنحصر في العوامل الإنسانية والإغاثية دون أن يشكل العامل السياسي مركز هذه الحالات وجوهرها وهو ما يثير تساؤلات بشأن إمكانية صمودها.
وأعلن عضو المكتب السياسي لحماس خليل الحية، أن الحركة أمهلت إسرائيل مدة شهرين لتنفيذ التفاهمات المتفق عليها، مهددا بالعودة للتصعيد في حال عدم الالتزام بذلك.
وخاضت إسرائيل وحماس ثلاث مواجهات مفتوحة خلال الأعوام من 2008 إلى 2014، فيما توصل الطرفان إلى تفاهمات للتهدئة بعد أكثر من 15 جولة توتر عقب ذلك بوساطة مصر وقطر والأمم المتحدة.
وتفرض إسرائيل حصارا مشددا على قطاع غزة الذي يقطنه زهاء مليوني نسمة منذ منتصف عام 2007 على إثر سيطرة حركة حماس على الأوضاع في القطاع بالقوة.
ويقول المحلل السياسي من غزة عدنان أبو عامر لـ (شينخوا)، إن التطلعات من سكان القطاع وفصائله تبقي "تركز على حياة كريمة وإنهاء للحصار دون الحاجة لتوتر أمني، اضطرت له الفصائل بعد "تعنت" إسرائيل في التجاوب مع الوسطاء".
وأشار أبو عامر إلى أن الفصائل في غزة حريصة على شعبها، وترى وتسمع وتعاين كل معاناته، وربما كان التوتر سيأخذ أشكالا أخرى لولا دخول مرض كورونا غزة، فكان يستحيل خوض معركتين على جبهتين في آن واحد.
وينبه إلى أن إسرائيل تراجعت عن تهديداتها بشن حرب مفتوحة على قطاع غزة واضطرت للاستجابة لمطالب فلسطينية تتعلق بتخفيف الحصار رغم عدم تطور التوتر الميداني إلى دوائر أوسع.
ويخلص أبو عامر إلى أنه في المواجهات غير المتناظرة بين حركات المقاومة والجيوش النظامية، لا مجال لهزيمة الاحتلال بالضربة القاضية، بل نقاط يتم تسجيلها بين جولة وأخرى، وبالتراكم تظهر النتيجة.
وفي المقابل يرى الكاتب عاموس هرئيل في مقال له نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية أن إسرائيل خشيت من أن يغطي التصعيد في قطاع غزة على خطوات تطبيع العلاقات مع الإمارات وسعيها لمزيد من الخطوات المماثلة مع دول عربية أخرى.
ويقول هرئيل "كالعادة هذه صفقة متواضعة نسبيا قد تصمد لفترة محدودة، وإلى أن يأتي سبب آخر للاشتعال، ستواصل قطر إحضار الأموال في كل شهر وستتعهد إسرائيل برفع قيود عن مشاريع للبنى التحتية وستتوقف حماس عن إطلاق البالونات المتفجرة والصواريخ".
وأشار إلى أن قيادة حماس وجدت نفسها على خلفية الاكتظاظ والظروف الصحية الصعبة في ظل انتشار مرض كورونا داخل غزة في حالة ضغط كبير وقلق من إمكانية تفشي المرض ما جعلها غير راغبة بمزيد من التصعيد مع إسرائيل.
وينبه هرئيل مع ذلك إلى أن التفاهم على احتواء التصعيد مجددا في ظل أزمة مرض كورونا قد تفتح ثغرة جديدة لبحث ملف الإسرائيليين الأسرى لدى حماس التي عرضت سابقا مفاوضات كبادرة إنسانية "،حيث أصبحت الحاجة الآن أكثر إلحاحا كما يبدو".
ويبقي أن تجارب السنوات الأخيرة وتكرار الحديث عن اتفاق تهدئة طويل الأمد ومن ثم اختفائه يعزز الفرضية الأكثر ترجيحا في غزة وهي البقاء في مربع الوسط بين لا هدنة طويلة ولا مواجهة واسعة مدمرة مع إسرائيل.