- * عبد الحميد الهمشري
وجد العرب أنفسهم في بلاد الشام والعراق بعد نهاية الحرب العالمية الأولى دون راع يقودهم لتأسيس دولتهم العربية بعد انفكاكهم عن تركيا، باحتلال فرنسي بريطاني بغيض، فرض بانتداب عليهم من عصبة الأمم حيث قسمت بلاد الشام لدول أربع هي سوريا ولبنان فكانتا وفق معاهدة سايكس بيكو من حصة فرنسا، والأردن وفلسطين من حصة بريطانيا، ومعهما العراق، وقد فرض هذا الانتداب على سبيل تأهيل كل شعب لإدارة شؤون نفسه بنفسه باستثناء فلسطين التي فرض عليها لتمكين اليهود وفق وعد بلفور من اغتصاب الأرض الفلسطينية وقد كان ذلك في العام 1948 وفق قرار تقسيم صدر عن هيئة الأمم. التآمر على الأقطار العربية لم يتوقف، بل ظلت وتيرته في تزايد مضطرد وكان أشدها دعم الكيان الغاصب ليبقى الميزان العسكري يميل لصالحه على الدوام، وتوسيع هوة الخلاف بين الأقطار العربية التي شكلت وفق معاهدة سايكس بيكو، لهذا وقفوا بشدة ضد وحدة مصر وسوريا التي قامت في العام 1958 ولم تدم لأكثر من 3 سنوات شاركت في دعم الانفصال الذي حصل دول عربية، وبقي الحال العربي مائلاً خاصة بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع العدو الصهيوني، فكان الانهيار الأول لقلعة الصمود العربي في مواجهة شرذمة الصف العربي والذي صب لصالح العدو الصهيوني، أعقبها اجتياح العدو الصهيوني للبنان حتى بيروت وفرض إرادته بإخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في العام 1982، ومنذ ذلك الحين والضغط الأمريكي ما يزال قائماً للنيل من الحقوق العربية والشعب العربي في فلسطين.
وجاء وقف المد النهضوي العراقي باحتلاله في حربين في عام 1991 و2003، وفرض دستور جديد عليه يدعم العملية التي اعتمدتها تمهيداً لتمزيقه ونهب ثرواته بالاشتراك مع إيران والنخب من شركاء العملية السياسية فيه وتجويع شعبه وإعادته إلى الحال الذي كان عليه بعد الاجتياح التتري لبغداد.
ومنذ ذلك الحين والعبث في أمن واستقرار الأقطار العربية مستمراً تارة من خلال شركاء أمريكا في حرب أفغانستان الذين فرخت عنهم القاعدة وتنظيمات أخرى إرهابية تخدم نهجها التدميري للبلدان العربية، كداعش وجند الشام أو جبهة النصرة التي تعبث في ليبيا وسوريا والعراق واليمن مع تنظيمات أخرى كالحشد الشعبي والحوثيين الموالية لإيران، وتارة أخرى من خلال فرض أتاوات وقرارات عليه تنفيذها لصالح العدو الصهيوني أو احتلال وتدمير كما يحصل في سوريا والعراق واليمن وليبيا ولبنان، كل هذا يصب في مصلحة العدو الصهيوني الذي يطمح في تطبيع علاقاته مع العرب لعقد تحالفات معهم ضد إيران ظاهرياً، لأن العدو الصهيوني حقيقة يهدد إيران لكن تهديداته هذه تبقى ضحك على الذقون، فما يهم العدو الصهيوني هو الوصول لمراميه في "إسرائيل الكبرى" من الفرات إلى النيل، وهذا ما تسعى الولايات المتحدة لتحقيقه، وبالتخريف الذي حصل من قبل تنظيمات معينة ركبت موجة ما أطلق عليه الربيع العربي في سبيل التخريب على الدعوات الصادقة لتحسين حال المواطن العربي.
ما بعد مرحلة التطبيع بدأ العد العكسي بضربات استباقية للمرافق الاقتصادية الهامة في المنطقة العربية، ابتدأتها بعد النجاح في تدمير البنى التحتية في ليبيا وسوريا ولبنان والعراق واليمن، بهجوم تكتيكي نووي على ميناء بيروت وفق تقديرات استخبارية عالمية تحول في طرفة عين لركام ونال من المنطقة السكنية المحيطة به فألحق بلبنان ضرراً وخسائر تعدت الـ 6 مليارات ومزق جبهته الداخلية والتي يترتب على تداعياته حرب أهلية، أتبعتها بضربة لخط أنابيب الغاز في سوريا أوقفت الكهرباء في كل أنحائها لساعات عديدة، وبطبيعة الحال هذا يلحق الخسائر بالحركة الاقتصادية والصناعية فيها ولا يترك مجالاً للمشافي لتقوم بدورها في علاج واستقبال المرضى.
كل الدلائل تؤكد أن من قام بهذين الهجومين وفق تقديرات استخبارية عالمية العدو الصهيوني، الذي يسرح طيرانه ويمرح في سماء كل الأقطار العربية كما يحلو له، فهل هذا يعني أن الضوء الأخضر قد منح لنتنياهو من البيت الأبيض والسي آي إيه ليبدأ بضربات تكتيكية ضد مواقع اقتصادية عربية هامة يجري اختيارها بإتقان لإلحاق الضرر باقتصاديات الدول العربية جراء مواقف الشعب العربي الرافض للتطبيع مع عدو العرب أجمعين؟ وهل سيتطور ذلك في حال نجاح المأمول من تلك الضربات ويمتد ليطال تجمعات سكانية في مدن عربية كبيرة أسوة بما قامت به أمريكا في هيروشيما وناغازاكي؟ المطلوب في ظل هكذا واقع تشدد عربي إسلامي بفرض شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل بما فيها الأسلحة النووية، وأن ترعى المنظمة الدولية تجريد كل دول المنطقة وعلى الأخص العدو الصهيوني، لا تجريد الدول العربية والإسلامية من هذه الأسلحة فقط دون العدو الصهيوني.
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت