- محمد العبد الله*
مدخل
جاء انعقاد الاجتماع المشترك لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي وبغياب عدد من القوى والفصائل ، مساء يوم الخميس 3 / 9 / 2020 من خلال " الفيديو كونفرنس " في حلقتين، في بيروت ورام الله كحفلة تتويج للتوافقات التي تم الإعلان عنها في المؤتمر الصحفي المشترك " عبر الفيديو كونفرنس " لقياديين من حركتي حماس وفتح" صالح العاروري وجبريل الرجوب " يوم 2 / 7 / 2020 . وقد أجمعت كلمات كل من تحدث في بيروت ورام الله بمستويات متفاوتة على التأكيد بالتسليم لرئيس السلطة لقيادة المرحلة القادمة ، بل إن بعض الخطابات التي سمعناها وشاهدنا متحدثيها في بيروت، قد تماهت مع من تحدث في رام الله في كيل المديح للرئيس وتفويضه بالقيادة، ومبايعته!.
إن أية قراءة سياسية نقدية لمجريات المهرجان"مضمون الخطابات" وللبيان الختامي يجب أن تنطلق من الحرص الكامل على أن قضية شعبنا التحررية هي في إدامة الاشتباك مع الغزاة المحتلين، بعيداً عن الحسابات الفئوية والمحاصصة،خاصة، أن مشهدية صخب الضجيج الإعلامي والإعلاني عبرعدد من الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي وبعض البيانات الصادرة عن عدة هيئات حزبية وتجمعات المؤيدة لهذا اللقاء، حاولت أن تُغطي الجانب الآخر من المشهد. إن هذه المطالعة السياسية لما جرى تنطلق من الثوابت الوطنية الفلسطينية التي حكمت ومازالت الصراع التاريخي والأزلي مع الكيان الاستعماري في فلسطين ومع داعمية وحُماته في العواصم الغربية الإمبريالية، ومع الأطراف في كيانات ومحميات التبعية للمركز الإمبريالي.
كلمة رئيس السلطة
لم تحمل كلمته -التي قرأها وأضاف عليها شروحات من خارج الورقة - أية مفاجآت بخصوص الوضع الفلسطيني، بل كانت منسجمة وأمينة على تقديم النهج السياسي الذي التزمت به تلك السلطة ورئيسها منذ سنوات . لكن الملاحظ كان في النبرة الهجومية على الرئيس الأمريكي، وعلى الاتفاق الإماراتي مع كيان العدو في ظل الرعاية الأمريكية المباشرة . وإذا كان مفهوماً لكل المراقبين سبب الهجوم العنيف على السياسة الأمريكية وتعاملها مع السلطة ورئيسها ، ليس بمعنى تجاوزه فقط في كل مايتم بين أنظمة التبعية الخليجية وعلاقاتها الرسمية مع حكومة العدومن خلال الإدارة الأمريكية المتصهينة، بل وفي تهميش دور السلطة ورئيسها في الإطلاع على مايدور. أما الطعنة التي وجهتها العائلة الحاكمة في الإمارات للشعب الفلسطيني في فتح قنوات الاتصال والتفاهمات مع العدو، فلم تكن تحتاج لكل ذلك الإنفعال الذي قرأه المراقبون على أن دوافعه لاتتوقف عند التطبيع، الذي أقدمت عليه السلطة ذاتها وعدد من حكومات النظام العربي الرسمي، بل فيما يتم تحضيره من دور قادم داخل السلطة وحزبها، للقيادي السابق " محمد دحلان " الذي يشغل موقعاً هاماً في البنية الأمنية الإماراتية كمستشار للحاكم الفعلي للدولة " محمد بن زايد" .
في الإطار العام لخطاب رئيس السلطة، لاخروج على المألوف في مواقفه المعروفة تجاه العديد من القضايا الأساسية ، خاصة، استعداده للعودة للمفاوضات استناداً وانطلاقاً من قرارات الشرعية الدولية " نحن متمسكون بمبدأ الأرض مقابل السلام، وفي إطار زمني محدد، وتحت رعاية دولية متعددة الأطراف، الرباعية الدولية وبمشاركة دول أخرى". لكن اللافت كان في حديثه الخطير عن تبادل الأراضي" قلنا إذا يوجد تسوية حدود بالاتفاق بالقيمة والمثل لا مانع". وهنا كانت المفاجأة لكل من تابع اللقاء / المهرجان على الهواء مباشرة، بسبب عدم رفض كل المتحدثين في بيروت، بل تجاهلهم لإثارة هذه القضية الخطيرة والخلافية مع السلطة ورئيسها.
وقفة مع خطاب قادة الفصائل في بيروت
تفاوتت مستويات النقد مع نهج السلطة السياسي، لكن اللافت أن ماتضمنته كلمات عدد ممن وجهوا دعوتهم لإسقاط اتفاق أوسلو و إعلان التخلي عن العمل به وبملحقاته ، وبضرورة سحب الاعتراف بكيان العدو، والعمل على تطوير المقاومة بكل أشكالها وفي مقدمتها الكفاح المسلح، لم يجد انعكاساته في البيان الختامي. لهذا، فإن تجارب الحوارات واللقاءات السابقة الممتدة على سنوات عديدة، يجب أن تعلمنا أن النوايا الحسنة لوحدها لاتصنع " وحدة وطنية "، إذا لم تستند على تفاهمات مشتركة تنطلق من التقييم الوطني الثوري للمرحلة السابقة، خاصة، التوافق على سحب اتفاق أوسلو من التداول ووقف كل أشكال التنسيق مع كيان الاحتلال، لأن الأهم، أن يخلص المتحاورون إلى الاتفاق على برنامج العمل لإنجازمهمات المرحلة الراهنة في مواجهة جبهة الأعداء ،خاصة، وأن " المقاومة الشعبية بكل أشكالها " أصبحت لازمة تتكرر من أجل التغطية على الهدف الأكثر فاعلية " تطويرالمقاومة بكل أنواعها " وهنا يأتي النضال المسلح كأحد أرقى أشكالها وأكثرها تأثيراً في العدو.
قراءة في مضمون البيان الختامي
من الواضح أن جميع القوى المشاركة باللقاء/ المهرجان قد اطلعت على مسودة البيان الذي صاغته" فتح وحماس" ، بل أن بعض القوى قدمت ملاحظاتها قبل تلاوة البيان بصيغته النهائية كما رشح عن بعض القوى التي حضرت اللقاء. وقد أعلنت حركة الجهاد الإسلامي في بيان لها بعد الإعلان الرسمي عن البيان الختامي تحفظها على نقطتين " تؤكد الحركة على موقفها الثابت برفض حل الدولتين واقتصار حقنا على دولة على حدود 67، وإن موقف الحركة الثابت هو العمل على تحرير فلسطين كاملة من البحر إلى النهر وعدم التفريط بأي ذرة من ترابها المقدس .كما تدعو الحركة إلى إعادة بناء وتفعيل (م.ت.ف) وفق أسس نتفق عليها لتشمل وتمثل جميع القوى الفلسطينية. كما تعلن الحركة تأكيدها على كل الخطوات العملية التي وردت في البيان الختامي للاجتماع، وضرورة انجاح تلك الخطوات".
وكما تعودنا في كل البيانات الصادرة عن اللقاءات والاجتماعات السابقة، فقد تضمنت بعض الفقرات في البيان الختامي عبارات ومصطلحات مكررة في بيانات سابقة صدرت عن أكثر من لقاء مشترك للفصائل، لكنها بقيت في الأدراج بعيداً عن الترجمة العملية الميدانية.
نقرأ في إحدى الفقرات "...ومن أجل تحقيق أهدافنا الاستراتيجية لإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، يتوجب علينا الإسراع في إنهاء الإنقسام وتحقيق المصالحة والشراكة الوطنية. وفي هذا السياق، وكشعب واحد وموحد، نعيش في وطنٍ حرٍ واحد، توافقنا على ضرورة أن نعيش في ظل نظام سياسي ديمقراطي واحد، وسلطة واحدة، وقانون واحد...". هنا، لامجال للالتباس في تفسير مانقرأ، لهذا يُصبح مشروعاً السؤال : هل يعيش شعبنا في وطن حر؟! يعيش في مدن وبلدات محتلة من جيش الاحتلال وتتم استباحتها بآلياته وجنودة كلما دعت الضرورة، ناهيك عن تحكم العدو في حركة التنقل والسفر. كما أن قوات أمن السلطة تعمل من جهتها على قمع الاحتجاجات المطلبية وتكميم الأفواه واعتقالات النشطاء والناشطات في النضال السياسي المقاوم ، أو في فضح شبكات الفساد. كيف سنعيش تحت ظل سلطة واحدة وقانون واحد في ظل برنامجين ؟ لأن هناك فارق كبير مابين الرؤية والنهج الذي يقوم على تطوير قدرات الأجنحة العسكرية وتعزيز ترسانتها الصاروخية، والنهج الآخر القائم على المقاومة السلمية بعيداً عن حواجز الاحتلال ومطاردة واعتقال المقاومين الناشطين في الكتائب والأجنحة العسكرية في الضفة الغربية . وهذا يأخذنا إلى سؤال مباشر : كيف ستكون هناك سلطة واحدة، وقانون واحد يعملان وينظمان ذلك التعايش بين تلك الرؤيتين والنهجين؟ لأن السلطة ومؤسستها الرئاسية تؤكدان في كل مناسبة "أن هناك سلاح شرعي واحد" في أيدي قوات الأمن السلطوية المُنضبطة باتفاقيات أوسلو وملحقاتها، خاصة، التنسيق الأمني واللجان الأمنية المشتركة، وأي سلاح آخر بيد أعضاء التشكيلات العسكرية التابعة للفصائل سيكون سلاح غير شرعي ! .إن فوضى السلاح التي تنتشر في مدن وبلدات الضفة تتحكم بها مافيات المخدرات، والمخبرين الذين ينشطون في أكثر من اتجاه، ومن الواضح بعد الحوادث التي شهدتها منطقة نابلس أن بعض عناصر السلطة والتنظيم ليست بعيدة عنها.
خاتمة
_ إن المشهد البانورامي الذي تابعناه على أكثر من فضائية مساء يوم الخميس الثالث من الشهر الحالي لايمت بصلة لصيغة وشكل الاجتماع ،لأننا لم نر أوراقاً يتم تداولها لتفتح نقاشاً بين الحضور، أو نتابع حواراً ، بل سمعنا خطاباتٍ، وأسماءً لقادة الفصائل يتلوها رئيس السلطة ،رئيس الجلسة / المهرجان يطلب منها التحدث !.
_ كنا نأمل كغيرنا أن تدعو الفصائل التي تمسكت على مدى السنوات السابقة بموقف نقدي ليس لاتفاق أوسلو ووثيقة الاعتراف المتبادل، بل لكل النهج السلطة السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي ، لعدد من الكُتَّاب والناشطين/ الناشطات والشخصيات الوطنية والأكاديمية، والهيئات كأمثلة وليس للحصر" لجنة المقاطعة بي دي إس و شبكة صامدون ولجان / إطارت حركة اللاجئين في أوروبا والأمريكيتين" لورشة عمل تتم فيها مناقشة الوضع الفلسطيني والإقليمي والدولي، بهدف سماع رأي كتلة وازنة في المجتمع بالقضايا الراهنة والحوار معها بشأن تقييم ونقد المرحلة السابقة ليتم بناء على ذلك صياغة رؤية سياسية وبرنامج عمل مقترح للمرحلة الراهنة ينطلق من تعزيز وتطوير وحماية المقاومة في غزة، والتحضير لانتفاضة شعبية واسعة بالضفة والقدس وصولاً لحالة العصيان المدني الشامل التي تتلازم مع مهام عسكرية/ فدائية يبتدع أشكالها ويحدد توقيتها قادة الكتائب والسرايا. وانطلاقاً من ذلك، تتم دعوة عدد من المشاركين / المشاركات في تلك الورشة لأية لقاءات وحوارات داخلية فلسطينية تهدف لتعزيز الوحدة الداخلية أو رفع درجة التنسيق بين القوى السياسية والهيئات الشعبية والفصائل كخطوة ضرورية تُمهد للوحدة . إن توسيع دائرة النقاش بإشراك قادة جماهيريين وصُناع رأي سيساعد على نقل مستوى المشاركة الشعبية وسماع رأيها إلى مرحلة جديدة في مسار النضال السياسي . لهذا، ليس مسموحاً لأحد أن يُمررمقولة "عفا الله عما مضى ونحن أبناء اليوم " لأن مامضى هو من أوصلنا للكارثة وتجب محاسبته، لأن القطع مع سبب الخراب والانقسام والانتكاسات " اتفاق أوسلو وملحقاته" هو الخطوة الصحيحة على طريق الألف ميل.خاصة، وأن يوم 13 / 9 / 2020 كما يتم تداوله سيكون يوماً لتوقيع اتفاق حكومة الإمارات مع حكومة العدو وبرعاية أمريكية شاملة، وفي هذا الاختيار دلالة قاسية تقول : أن الفلسطينيين، أصحاب القضية هم من جعلوا من ذلك التاريخ والمكان علامة بارزة لبداية التنازلات!.
_ إن شرعية مؤسسات السلطة ليست مرتبطة فقط بفترتها الزمنية التي انتهت منذ سنوات، بل، إن شرعية وجدارة أي هيئة ومؤسسة تكون بمقدار التزامها بالرواية الوطنية الفلسطينية والقومية للصراع وبالثوابت الوطنية والقومية التي تضمنها الميثاق القومي الذي صاغه وكتبه المؤسسون .وفي هذا المجال، فإن إخراج كل المؤسسات القيادية من هيمنة المحتلين وسيطرتهم، تصبح واحدة من الخطوات الضرورية والملحة.
إن حراكاً نقدياً لما حصل مساء يوم 3 / 9 بدأ يظهر في عدد من الكتابات والبيانات والعرائض ، كتعبير عن الصدمة التي أعادت تنشيط الذاكرة الفلسطينية لكل ماانتهت إليه حوارات واتفاقات القاهرة والدوحة ومخيم الشاطئ في غزة. لهذا، فإن المراجعة الضرورية لفشل تلك الحوارات وعجزها عن ترجمة نتائجها على الواقع هو الذي يؤسس لأرضية صلبة يقف عليها وينطلق منها أي حوار داخلي فلسطيني .
*كاتب فلسطيني
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت