- بقلم : صلاح صبحية
وانتهى مجلس الجامعة العربية على مستوى وزارء الخارجية إلى بيان طويل يحمل في طياته كل مجازات اللغة العربية وتأويلاتها ، بيان يدعم عملية السلام وفق المبادرة العربية التي تؤكد على قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار ١٩٤ ، هذا البيان الذي صيغ بلغة توحي بأن الدول العربية ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المركزية ، في حين أن البيان لم يجرؤ على رفض البيان الثلاثي الإماراتي الصهيوني الأمريكي الذي كان المدخل السيادي لدولة الإمارات لتطبع مع الكيان الصهيوني بدافع أنها أرغمت الكيان الصهيوني على وقف اجراءات الضم التي كان أعلن عن تنفيذها في بداية شهر تموز الماضي ، دون إدراك من دولة الإمارات أنّ ايقاف اجراءات الضم كانت نتيجة جهود الديبلوماسية الفلسطينية على مساحة العالم كله .
وإذا كان بيان الجامعة العربية قد حدد مرجعيات عملية السلام وأن المبادرة العربية أحد مرتكزاتها ، فإنّ البيان خلا من التأكيد على أنّ التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني هو آخر مرحلة من مراحل المبادرة العربية وليس أول مراحلها وهذا يؤكد على موافقة مجلس الجامعة العربية في دورته الأخيرة ضمناً على خطوة دولة الإمارات العربية المتحدة في إقدامها على التطبيع الذي اعتبرته مقدمة لابرام معاهدة سلام إماراتية صهيونية والذي هو في رأيها خطوة عربية على طريق حل القضية الفلسطينية بما يحقق المصالح الصهيونية في المنطقة العربية .
بكل أسف ومنذ إعلان البيان الثلاثي لم تجرؤ أي دولة عربية على رفضه رفضاً صريحاً أو ضمنياً حتى دولة الأردن وهي الدولة الثانية المتضررة بعد فلسطين لم تعلن رفضها للبيان ورفضها للتطبيع ورفضها لمعاهدة السلام الإماراتية ، وقد اتخذت الدول العربية موقفاً موارباً من خلال تأكيدها على عملية السلام دون اقحام نفسها في رفض علني صريح للبيان الثلاثي ولعملية التطبيع .
هل هو السقوط العربي في صفقة القرن ، أم هو امتداد للانهيار العربي الذي بدأ منذ معاهدة كمب ديفيد وخروج مصر من دائرة الصراع العربي الصهيوني وتغلغل العدو الصهيوني في الجسد العربي ، بل هو أكثر من ذلك فهو زمن فقدان الهوية القومية العربية وجودها وإلغاء نظرية الأمن القومي العربي تحت عنوان حق السيادة الوطنية ، فهل يحق للسيادة الوطنية أن تعبث بالأمن القومي العربي فإذا كان ذلك جائز فأنه لم يعد أي مبرر لوجود الجامعة العربية على حد قول الدكتور رياض المالكي وزير خارجية دولة فلسطين .
هل أدخلنا بيان الجامعة العربية إلى عنق الزجاجة العربية وأغلقها علينا وحاصرنا بحق السيادة الوطنية ، أم أننا نملك القدرة على الخروج من الحصار العربي الذي تزيد حلقاته ضغطاً علينا ، وكأننا أمام السؤال التقليدي ما العمل ؟ نعم ما العمل ؟
إنّ المطلوب عمله فلسطينياً قد حدده اجتماع الأمناء العامين يوم الخميس الماضي الذي أكد على أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية وتشكيل قيادة وطنية للمقاومة الشعبية وهذا تحديد للهدف والأداة وإعادة الروح النضالية الفلسطينية إلى واجهة الإعلام العربي والدولي ورفضاً مطلقاً للتطبيع العربي المجاني مع الكيان الصهيوني، وإعادة الروح النضالية الفلسطينية تنفيذاً لنتائج اجتماع الأمناء العامين يتطلب عقد اجتماعات على كل المستويات الفلسطينية في كل اماكن تواجد شعبنا داخل الوطن وفي الشتات وذلك غراراً على اجتماع الأمناء العامين الذين أكدوا على وحدانية التمثيل والعنوان لشعبنا الفلسطيني المتجسد في منظمة التحرير الفلسطينية والإطار الجامع لكل مكونات شعبنا ، فكل إطار غير ذلك يعني استمراراً في الانقسام والتفرق والتشتت وبقاءً في عنق الزجاجة العربية خدمة لأهداف العدو الصهيوني .
فما بين بيان مجلس الجامعة العربية وبيان مجلس الأمناء العامين هو ما بين السراب والوهم من جهة وبين الحقيقة والفعل من جهة ثانية ، لذلك علينا التخلص اليوم من وهم مساندة ودعم العرب لنا ، لنذهب إلى فعلنا النضالي الفلسطيني على الأرض لأنه الرسالة الحقيقة لمجلس جامعة الدول العربية بأنّ النضال الفلسطيني لن يتوقف وسيتصاعد في مواجهة صفقة القرن ومفرزاتها ، فحقنا واضح جلي في إقامة دولتنا الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها عام ١٩٤٨ ، ولن نسمح لأي أحد مهما كانت صفته أن يعبث بحقوقنا الوطنية التي هي جزء من السيادة الوطنية الفلسطينية على أرضنا الفلسطينية ، ولن يجبرنا العرب على البقاء في عنق زجاجتهم مهما عبثوا بالأمن القومي والوطني من خلال تطبيعهم اليومي مع الكيان الصهيوني.
٢٠٢٠/٩/١١
صلاح صبحية
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت