إذا كانت الفصائل مهتمة فعلا بالمقاومة الشعبية فبامكنها قراءة كتابي “المقاومة الشعبية في فلسطين” (نشر مؤسسة وطن – رام اللة) أو على الأقل بحثي بعنوان “دروس من المقاومة في فلسطين الى الربيع العربي” (جزء من الربيع العربي من منظور حفوق الإنسان ) ويمكن تحميله هنا https://www.palestinenature.org/research/B31.-Durous.pdf .. فالدروس مهمة لأن العقبات أمام المقاومة الشعبية الناجحة لا تزال قائمة. والرجاء بعد أن تقرأ – اخي القارئ – هذا المقال أن تعطي رأيك مثلا: هل هذا الوقت المناسب للدفع بقوة باتجاه الرجوع لميثاق المنظمة لدولة واحدة؟
أنا بلغت من العمر بما يكفي لأشهد فلسطين تختنق ببطء، على مدى العقود شهدت الكثير واصدرت أبحاثا وكتبت كتبًا عنها بما فيها فساد القادة العرب وغدرهم منذ أمد بعيد. هذا الشهر وتواريخه المختارة بدقة من توقيع اتفاقيات العار في البيت الأبيض (بدءا من أوسلو وآخرها مهزلة توقيع البحرين والإمارات والحبل عالجرار) بالتزامن مع ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، وذكرى المحاولة الأولى للاستيلاء على حائط البراق 1928 (أدت لهبة شعبية – الإنتفاضة الخامسة) وبداية ثورة 1936 وبداية انتفاضة 1987 وأيلول الأسود 1970. تخبرني والدتي البالغة من العمر 88 عامًا (التي سبقت شهادة ميلادها الفلسطينية هذه الدولة العنصرية) أن العالم سيستمر في التغيير بطرق جيدة وسيئة (تتذكر صديقتها هيا بلبيسي التي استشهدت في دير ياسين على يد العصابات الصهيونية). وجهها الهادئ المتجعد يؤكد لي أن السلام ليس وجهة … السلام هو الطريق. أنا ممتن لأنني وعائلتي وملايين آخرين من أجيال عديدة نبقى أوفياء لضميرنا ونقاوم الاستبداد والظلم ولا ننضم إلى صفوف المنافقين و “صانعي الصفقات” في عالمنا . إن رؤية الكثير من الأشخاص الطيبين يفعلون الشيء الصحيح هو بحد ذاته انتصار رائع.
هل يجوز لـ 7.5 مليون فلسطيني أن يظلوا لاجئين حتى في الوقت الذي يتم فيه دعم الطغاة ويطلق على مجرمي الحرب اسم صانعي “السلام”؟ لماذا يعتقد أكثر من نصف الجمهور الأمريكي أن ترامب كاذب ولكن لا يرفضون أكاذيبه حول دولة الفصل العنصري؟ أكاذيب مثل صنع السلام بين الدول (التي لم تكن في حالة حرب أبدًا وكانت دائمًا في نفس المعسكر تقاتل حقوق تقرير المصير في فلسطين واليمن وسوريا ومصر وغيرها). أكاذيب مثل أن إسرائيل تريد السلام عندما يمكن بسهولة معرفة أن هذا أربح احتلال بالتاريخ. أكاذيب مثل ان الفلسطينيين ليسوا على استعداد للتنازل أو قبول مبادرات السلام في حين قبلت قيادتنا استيلاء “إسرائيل” على 78٪ من فلسطين، وكانت على استعداد لتسوية تشمل دولة منزوعة السلاح على 22٪ من الأرض وحتى بدون عودة اللاجئين. أكاذيب مثل أن الولايات المتحدة كانت تقدم الكثير من الأموال للفلسطينيين الذين عاملوا الولايات المتحدة بعد ذلك بعدم احترام (يتم تمويل الولايات المتحدة حول العالم لتعزيز المصالح الأمريكية الإمبريالية بما في ذلك مساعدة إسرائيل). أكاذيب مثل مساواة مقاومة الاستعمار بـ “الإرهاب” أو “معاداة السامية”، وإدراج جميع الجماعات التي تناضل من أجل تقرير المصير والحرية في العالم العربي وخارجه على أنها إرهابية. أو الانخراط في حرب اقتصادية ضد دول مثل فنزويلا وإيران لمجرد دعم حق تقرير المصير.
لقد كانت الحقيقة الوحيدة التي قالها ترامب في لحظة غير مكتوبة (زلة) عندما صرح بأن الولايات المتحدة متواجدة في الشرق الأوسط ليس من أجل النفط ولكن لمساعدة إسرائيل، ولهذا السبب تم توجيه معظم جهود وزارة الخارجية الأمريكية إلى تعزيز الهيمنة الاقتصادية والسياسية الصهيونية في جميع أنحاء العالم (على سبيل المثال ابتزاز السودان وإخبارهم أنه سيتم إبقائهم عن قائمة الدول التي “ترعى الإرهاب “إلا إذا طبعوا مع إسرائيل).
المهزلة أن نرى الصهيوني اليهودي وولف بليتسر من CNN وهو يجري مقابلة مع اليهودي الصهيوني جاريد كوشنر. مهزلة أن نسمع المستعمر فريدمان ينظر عن القيادة الفلسطيني. ومهزلة أن نتنياهوا يستلم مفتاح للبيت الأبيض (طبعا للإرسال رسالة للفلسطينيين حول مفاتيحهم!) ونرى ممثلي البحرين والإمارات يبتسمون مثل الحمقى بينما يقول نتنياهو وترامب علانية أن القدس يمكن أن يزورها المسلمون (تحت الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني) إلى الأبد، وهم يعلمون أن الملايين من المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين الأصليين لا يمكنهم زيارة قدسهم ومقدساتهم. مهزلة أن نتنياهو يقول صراحة إن القوة ما أوصلتهم إلى هذه المرحلة وستحقق المزيد. كم من الدول العربية سيتم نهبها وإفقارها بعد الإمارات والبحرين؟ (يقول ترامب 5 قريبا). وهل سيكون مصير هؤلاء القادة (بما فيهم من آل سعود) مختلفًا عن أولئك الذين سبقوهم في العمل لصالح إسرائيل؟ يمكنك الإنضمام إلى جانب الطغاة ومجرمي الحرب (ملوك الخليج + نتنياهو + ترامب) الذين يشنون حربًا على الإنسانية وتقرير المصير والعدالة أو تجد البديل لك من خلال العمل من أجل الإنسانية وتقرير المصير والعدالة. التاريخ سيحكم. قد يكون قوس الكون الأخلاقي طويلاً ولكنه ينحني نحو العدالة. الكرة في ملعبنا ومن المهزلة أن تبقى قيادتنا تحت المستوى المطلوب في هذه المرحلة التاريخية.
أنا كبير في السن بما يكفي لأذكر الحياة والعمل لفلسطين عندما عشت في الولايات المتحدة (على الرغم من العنصرية والتمييز هناك أيضًا) وكيف تركت ذلك للعودة إلى فلسطين (عودة من أرض محتلة إلى أخرى) عام 2008. كل حياتي تدعوني للأمل. طبعا أتمنى مزيدا من الصبر على الأشياء التي لا أستطيع تغييرها والشجاعة لتغيير الأشياء التي يمكنني تغييرها (على سبيل المثال من خلال عملنا في الزراعة والبيئة والتأثير بشكل خاص على الشباب – أنظر https://youtu.be/uMQ9Rs85CjQ ) والحكمة لمعرفة الفرق. ولكن لا زلت أشعر أنني وجميعنا مقصرون في حق فلسطين – أمنا الكنعانية. يا ريت أسمع من القراء رأيهم. مثلا هل هذا الوقت المناسب للدفع بقوة باتجاه الرجوع لميثاق المنظمة لدولة واحدة؟
أ.د. مازن قمصية
جامعة بيت لحم
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت