- بقلم عدنان الصباح
من يستمع إلى قادتنا وسياسيينا عند حديثهم عن الذات الفردية أو الجمعية في الخطاب العلني يعتقد أنناأكثر شعوب الأرض نزاهة وقوة ووحدة وخلقا وقيما على وجه الأرض وان انتصاراتنا تطال عنان السماء وان ما يجمعنا من حب يكفي لتوزيعه على كل بقاع الأرض وحين تطفو خلافاتنا على السطح تسمع منا ما لا يحتمله عقل ولا تستسيغه أذن في وصفنا لبعض من أوصاف تبدأ بالتخوين والتكفير وتنتهي بالدعارة مرورا بالفساد واللصوصية وكل الجرائم.
غريب أمرنا في العنتريات على بعضنا ورفضنا الانصياع أو التنازل لبعضنا حتى ولو كانت مصلحتنا ومصلحة الوطن تتطلب منا ذلك والأغرب في الأمرأن تعاملنا مع بعضنا يتصف بالمطلق بمعنى أن على الآخر الفلسطيني أن يخضع لإرادتي وما أريد وما أفكر ولا يجوز له أن يكون موجودا ولا أن يشاركني حتى الكفاح ضد الأعداء.
في خطابنا ضد الاحتلال عادة ما نستخدم اللغة التالية " إن عدتم عدنا ... " وهذا يعني أنكم ايها المحتلون إذا لم تبادروا بالهجوم فنحن ملتزمون وفي خطاب آخر نهدد الاحتلال انه إذا فكر بالهجوم فسيجد ردا قاسيا لن يحتمله, وفي حالات وحالات نعلن عند استشهاد احد القادة ان الثأر سيكون قاسيا ومجلجلا وهل نهب الارض والقتل اليومي ومواصلة وجود الاحتلال لا يستدعي ردا وكان علاقتنا بقضيتنا تبدأ وتنتهي عند اجراءات الاحتلال لا عند وجوده, وهذا يعني انه إذا لم يهاجم فلا شيء لدينا ضده لنهاجمه وفي كل الحالات فالاحتلال يهاجم ونتكبد كل الخسائر ثم نحتفل بالانتصار دون ان يدري احد أي انتصار وما هي الانجازات التي تحققت ودون أن يفكر احد بإحصاء خسائرنا وخسائر العدو المادية والمعنوية فالاحتلال يحصي من أصيبوا بالهلع ونخجل نحن من الإتيان على ذكر ذلك حتى في سرنا وكان الأمر عيبا ونقيصة.
منذ كانت الثورة الفلسطينية في ذروة عزها وقوتها وسمعتها التي جابت الأرض كل الأرض كانت خلافاتنا متواصلة بكل أشكال العنف وقد وصلت حد القتل في حالات كثيرة قتل فيها أبناء الفصائل رفاق سلاحهم في الفصائل الأخرى وجرى اغتيال العديدين بأيدي فلسطينية أحيانا بدون إعلان عن ذلك وقد تواصل ذلك حد القطيعة أو الانقسام أو الحسم أو الانفصال أيا كانت التسميات فالنتيجة أن غزة تدار وتحكم من قبل حركة حماس بينما تدار الضفة وتحكم من قبل حركة فتح مهما كانت التسميات الأخرى مع إدراك الجميع أننا نتحدث عن حكم لا يحكم إلابإرادة الاحتلال فغزة محاصرة بالكامل والضفة مقطعة الأشلاء حسب الحروف الأبجدية ومع ذلك لا زلنا ننفخ في قربة الأنا ونتوعد ونتحدث عن حرمة الدم الذي نريقه بأيديناإما باقتتال فصائلي كما حدث في غزة أو باقتتال عشائري كما يحدث يوميا في كل مكان في كل فلسطين ويبدو ذلك بأبهى صوره في الأراضي المحتلة عام 1948م.
حال من التمزق وتشتيت الموقف في غزة والضفة والداخل وقضايا لم تعد موحدة بل ولا تشبه بعضها فغزة تغني بواد الحصار واحتياجات أهلها حد صارت اللغة هناك تطال الهموم اليومية والالتزام بالتهدئة وشروطها مطلبا وطنيا وأصبحت شنطة قطر بوابة الأمللأهلنا هناك والضفة بلا رواتب لكل موظفيها وتعاني من كورونا أكثر من أي بلد آخر من دول المحيط والشتات يبحث عن مكان له بعيدا عن فلسطين وصارا سمهم مغتربين لا لاجئين وصار هم الحصول على أي جنسية بديلا لحلم العودة والتحرير وفي الداخل المحتل عام 1948م حدث ولا حرج ولا احد يعنيه أمرهم بعد ان صاروا رعايا لدولة الاحتلال بقبولنا وفي هذا الخضم البشع يظل الانقسام أبشع ما لدينا مع كل محاولاتنا لتجميل صورتنا أمامأنفسنا كذبا مع إدراكنا لهذا الكذب فالجميع يتحدث عن الوحدة ويمارس الفرقة والجميع يتحدث عن مواجهة الاحتلال ومقاومته في حين نواجه بعضنا ونقاوم بعضنا الجميع يبحث عن حلفاء في حين نواصل فقدان الأصدقاء.
قبل أوسلو وإثناء الانتفاضة كان اسم فلسطين وشعبها يجوب الأرض مدويا وعاليا ومحترما وقد يصل حد القداسة لدى شعوب الأرض كل الأرضوكان صوت الشعب والثورة مهابا ومحترما بحب يصل احيانا حد القداسة الى ان تمكنا وبأيدينا منذ واوسلو الى ان نجحنا بجعل الدولة الغير قائمة دولتان والوطن اوطان نقتتل وننقسم ونختلف على الوهم تاركين الاحتلال يفعل بارضنا وشعبنا ما يريد دون ان تهتز لنا رقبة لتصبح الأنا الفردية أو الحزبية فوق أي اعتبار بما في ذلك اعتبار القضية ففي دولة الاحتلال تحقق حكومتهم يوميا انتصارات ويتظاهر ناسهم لإسقاط رئيس وزرائهم لفساده, في حين تنتفخ انانا كذبا ويتم تسخيف قضيتنا على الارض.
من يسمع تصريحاتنا عن محاصرة امريكا ودولة الاحتلال والانتصارات الدبلوماسية التي تطوف الدنيا يعتقد اننا اصبحنا بين ليلة ضحاها ورثة الاتحاد السوفياتي طيب الذكر, وان الحرب الباردة مع امريكا وزمن القطبين قد عاد من جديد, والقدس لازالت عصية وحيفا عادت بيافا لرفح وجنين, ولندن مضرب لخيلنا وبيوت العرب لا تستقبل نتنياهو وتنسانا, ولن يجرؤ العرب حتى اللحظة على رفض مطلب لنا لإدانة لفظية لعلاقة جديدة مع دولة الاحتلال وترتعش ابو ظبي والمنامة ومسقط والدوحة والخرطوم خوفا من غضبنا ولا يجرؤ عربي على استقبال قادة الاحتلال او مصافحتهم لعلمهم انه لا زال بإمكان الغضب الفلسطيني ان يشعل غضب تميم بقضها وقضيضها دون ان تدري لماذا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت