* عبدالحميد الهمشري
بداية يمكنني القول أن ما حققه سادة البيت الأبيض في عهد الرئيس الأمريكي ترامب بالنسبة لإهدار الحق الفلسطيني لم يكن أكثر من مسرحية عبثية جرى ترتيبها في البيت الأبيض - مسرح الدعارة السياسية الأمريكية ابنداء من التضييق على الفلسطينيين في محاولة يائسة لعزلهم عن محيطهم العربي ، ومن ثم صفقة القرن فعمليات الترويج للتطبيع الرسمي العربي مع الكيان العبري المحتل للأرض الفلسطينية .. لكن واهم كل من اعتقد بأن مآل القضية الفلسطينية إلى زوال .. وليعلم الجميع ، شاء من شاء وأبى من أبى أن النصر إن عاجلا ام آجلاً حليف الشعب العربي الفلسطيني المقاوم ، فما تمارسه الولايات المتحدة الأمريكية من ضغوطات وتسويات عبر مساومات لن تجدي نفعاً في تثبيت كيانها السرطاني الصهيوني في جسد الأمة ، لأن الغلبة في النهاية محسوم أمرها لهذا الشعب المقاوم الذي لم ولن يستكين على مدى ما يزيد عن قرن من الزمان ، والشباب العربي الثائر في عالمنا العربي في العراق ولبنان ومختلف أقطاره سيبقى سنده في حلحلة عقد متسلسلة من التآمر على قضية كل عربي الأولى حيث سيبقى السند والعون له وسيسقط كل ما يحيكه مسرح الدعارة السياسية - البيت الأبيض الأمريكي المتصهين.
فالبيت الأبيض الأمريكي الذي شارك في وضع الصيغة النهائية لوعد بلفور وأسهم في إعلان قيام الدولة الصهيونية على الثرى الفلسطيني وقدم لها كل دعم ممكن عسكرياً ولوجستياً وأسهم بتفتيت أي قوة عربية نهضوية أو أي جهد عربي فاعل لنصرة القضايا العربية الفلسطينية منها على وجه الخصوص ونشر الفوضى في كل الأقطار العربية لخلخلة الجبهة الداخلية في كل منها لتبقى الدولة العبرية الدولة المهيمنة على المنطقة ، هذه الممارسات تدخل في باب المماحكات أو العهر أو الدعارة السياسية ، فمن تعاقبوا على استلام زمام الأمور في البيت الأبيض سعوا جاهدين منذ ما بعد حرب حزيران 1967 لفرض قبول هذا الكيان على المستوى الرسمي العربي وحققوا اختراقات في الجسد العربي ابتدأوها بمصر السادات عام 1978حيث كبل مصر بمعاهدة اعتراف وتبادل دبلوماسي مع العدو الصهيوني ، لا مناص لمصر من التخلص منها إلا بإعلان حرب تكون فيها النتائج محسومة لصالح العدو الصهيوني .. وهو الآن يحقق نجاحات مماثلة على دول عربية تسير في فلكه لتطبيع نظامها الرسمي مع دولة الاحتلال الصهيونية سياسياً وتجارياً واقتصادياً وقد أسهمت الماسونية العربية في ‘نجاح المسعى الأمريكي في هذا الاتجاه .
كل هذا يجري من أمريكا على حساب الحقوق الفلسطينية استرضاء للعدو الصهيوني كإنجاز سياسي حققه ترامب ليكون بمثابة دعاية انتخابية لتجديد الولاية له للمرة الثانية على التوالي ودعماً لليمين الصهيوني بقيادة نتنياهو الذي يسعى ليكون ملكاً متوجاً على اليهود في دولتهم الكبرى من الفرات إلى النيل.
لقد تمكن ترامب من كشف الحقيقة بعد أن سقطت ورقة التوت التي كان الكثيرون يتدثرون بها وبانت حقيقة ما كان يحاك في الغرف المغلقة بالخفاء تظهر إلى العلن حيث لم تعد إمكانية تغطيتها بغربال ، فذاب الثلج وبان ما كان يستر المرج ، فالسلوك الذي بان وانكشف يظهر بوضوح انتهاك كل شيء فمن تحليل الحرام إلى تحريم الحلال فتدمير الشرعية وتزوير التفويض الممنوح من الشعب للقيمين على الأمر بأمانة المسؤولية بالحفاظ على الأرض والكرامة العربية .. حيث جرى تعليق القوانين والعدالة لتحل مكانها شريعة الغاب فسقوط المؤسسات والثوابت والتسليم بالواقع المصطنع الذي أهدر كرامة أمة فكان السقوط مدوياً ومروعاً . .
فاصبح الفساد والدعارة السياسية وبيع الضمائر منتشرة في كل مكان وزمان, بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ العرب لا القديم ولا المعاصر. وما يدمي القلب الترويج من خلال ممارسة الدعارة الفكرية لما يتم التوافق على التوقيع عليه في بيت الدعارة السياسية قبل الإعلان الرسمي عنه وكيل المديح له مسبقاً على الورق والصحف وفي وسائل الاعلام من قبل قادة الرأي والفكر الذين وثق فيهم الرأي العام, واعطاهم المصداقية, وتوهم انهم منزهون عن بيع الافكار وتزييفها وبيعها وعن الارتشاء, فأصبحوا بصنيعهم هذا في خدمة الدعارة السياسية فخانوا المصداقية التي منحت لهم مقابل أثمان بخسة مهما علا ثمنها.
ولو عدنا للوراء قليلاً لوجدنا أن العالم العربي قد شهد تحولاً جذرياً على غير ذي بال منذ نكسة حزيران 1967 ، حيث جرى عربياً اعتماد أنصاف الحلول وتسويات منقوصة وتحايل على التصدّي للمشكلات بالالتفاف حولها كما فعل أنور السادات عندما فكر بدفع الدولة العبرية للانسحاب من سيناء وحدها بحرب تحرك الوضع العسكري على الجبهة المصرية برعاية بيت الدعارة السياسية الأمريكية التي قادها عرابها هنري كيسنغر وتبع ذلك توقيع اتفاق برعاية أمريكية بين مصر والدولة العبرية تمخض عنه اعتراف متبادل بين الدولة المصرية والدولة العبرية وتبادل السفراء بينهما دون النظر لشريكته في الحرب التحريكية سوريا وكذلك الأردن والعراق والمغرب والجزائر التي شاركت قواتها ولو بصفة رمزية في الحرب وحقوق الشعب العربي الفلسطيني الذي كان قطاع غزة قبل حرب حزيران أمانة في كنف الدولة المصرية ، ما أضعف الموقف العربي ودفع كلا من الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية لتوقيع معاهدة وادي عربة وتفاهمات أوسلو التي كانت شبكة عنكبوتية معقدة وقع في حبائلها الفلسطينيون وتنكرت لما جاء فيها أمريكا والعدو الصهيوني ..
وبعد أحداث "11 سبتمبر" في 2001، اختار العرب أيضاً الوقوف منتصف الطريق، فكل ما حدث كان لا يعدو أكثر من أن الحكومات العربية رفضت ربط الإرهاب بالمسلمين والعرب، لكنها في ذات الوقت انصاعت ورضخت وعن طواعية للضغوط الأميركية حول إجراءات الأمن والتتبع وتبادل المعلومات لدرجة أنه جرى تتبع أفراد لا ناقة ولا بعير لهم فيما حصل ويحصل عربياً بناء على تقارير استخبارية أمريكية استهدفت المعارضين لوجودها ولعبثها والعدو الصهيوني في المنطقة ..
ولا يخفى على أحد أن معظم الحكومات العربية تدير شؤونها الداخلية بمنطق خطوتين إلى الأمام وأخريين إلى الخلف حيث تذهب حكومات وتأتي غيرها بالشعارات ذاتها عن التغيير والإصلاح وإدراك ما فات لكنها وفي منتصف الطريق لا تلبث وأن تتوقف أمام مطالب البنك وصندوق النهب الدوليين لتتمكن من مواصلة التزاماتها أمام شعوبها وعلى حساب أمنها الاقتصادي القومي-. بعبارة أخرى تعيد أنتاج الأوضاع السابقة إلى ما هو أسوأ منها أو التوقف في مكانك راوح فتكون كالمنبت الذي لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع أي أنها لا هي قامت بتغيير شامل ولا هي استكملت ما بدأته حكومات سابقة . كلمة أخيرة أود قولها .. إن كانت واشنطن قد تمكنت وحليفتها الدولة العبرية وأتباعها في المنطقة من التحكم في مجريات الأحداث وتحويلها لصالح الهيمنة الصهيو امريكية فإن على الجميع أن يعوا أن لا حق يضيع ووراءه مطالب وأن المقاومة ستسقط في نهاية المطاف كافة المشاريع الصهيو أمريكية التي يجري الترتيب لها عبر بيت الدعارة السياسية – البيت الأبيض، فالمقاومة لا تؤمن سوى بحرية الوطن في العراق ولبنان وسوريا وفي كل قطر عربي يهان وأن فلسطين ستبقى عصية على الدولة العبرية وأعوانها . . فالشعب الفلسطيني منذ قرن ونيف رغم ضراوة المؤامرات وشدة الهجمات لم يتوان ولو للحظة واحدة عن النضال وقدم وما زال يقدم قوافل الشهداء .
[email protected]
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت