- بقلم : محـمد علوش
تشهد الحركة النقابية عربياً وفلسطينياً حالة متردية وتراجعاً كبيراً على مستوى دور ومكانة التنظيم النقابي ومتابعة قضايا وهموم العمال ، ففي السنوات الماضية وعلى أثر ما سمي بالربيع العربي تراجعت وانحصرت مكانة الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ومقره دمشق والذي يضم في عضويته أغلبية التنظيمات والاتحادات العمالية والنقابية في العالم العربي ، وقد شهدت الأحداث الجارية في المنطقة العربية انحصارا للقوى النقابية بشكل كبير أدى الى انزياحات كبرى كما جرى في السودان وما تعرض له الاتحاد العام لنقابات عمال السودان وهذا الاتحاد كان له حضور وطني كبير في الساحة السودانية وله حضوره العربي والإفريقي والدولي المتميز كونه مؤسسة نقابية متجذرة الهوية وقد تعرض لإجراءات قاسية من قبل المجلس الانتقالي الذي يتولى الحكم انتقاليا في الخرطوم منذ الاطاحة بالنظام السابق .
وهناك وقائع وتحديات تواجه معظم المنظمات النقابية في اتحاد العمال العرب وان كان هناك مظاهر ايجابية تمثلت بقدرة الاتحاد العام لنقابات عمال العراق على عقد مجلسه المركزي مؤخراً في اطار البحث والمراجعة ومحاولة استنهاض مكانة الاتحاد ، وكذلك الاتحاد العام للعمال الجزائريين الذي تمكن من استعادة الأنفاس بعد الأحداث التي عصفت بالجزائر ليشكل عنواناً أصيلاً وطليعياً لعمال الجزائر ، وكذلك قدرة الاتحاد العام لنقابات عمال سوريا على مواجهة التحديات الكبرى التي واجهتها سوريا وقدرته الجبارة على عقد أكثر من مؤتمر مؤخراً في دمشق وتحشيد القوى النقابية العربية والدولية لمشاركة لافتة في تلك المؤتمرات التي تؤكد المكانة المميزة لاتحاد عمال سورية ودوره في معركة الصمود السوري أمام العدوان الكوني الذي يستهدف هذا البلد العربي .
هناك تحديات جمة تواجه الحركة النقابية العربية ، ورغم ذلك هناك نشاط لافت للاتحاد العام لنقابات عمال مصر على كل الأصعدة وقد برز مؤخراً النشاط التحضيري لخوض انتخابات مجلس الشعب بقوائم عمالية وهذا مؤشر هام على المكانة التي يحظى بها الاتحاد المصري كممثل للطبقة العاملة المصرية ، وفي البحرين هناك نشاط متواصل وايجابي للاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين ، وفي تونس هناك تعددية نقابية مميزة للحركة النقابية التونسية وأبرز اتحاداتها وأكبرها الاتحاد العام التونسي للشغل والذي خرج من الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب ليلتحق بالاتحاد العربي لنقابات العمال ومقره في عمان الى جانب بعض الاتحادات وأبرزها الاتحاد العام لنقابات عمال الأردن والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين .
في تونس هناك عدة منظمات نقابية وبرز مؤخراً دور كبير للمنظمة التونسية للشغل التي استطاعت أن تعقد مؤتمرها العام الاستثنائي وانتخاب قيادة نقابية جديدة في ظل ظروف وتحديات استطاعت المنظمة تجاوزها نحو تكريس الديمقراطية والاستقلالية النقابية .
في المغرب هناك أكثر من اتحاد نقابي لهم امتدادات عربية ودولية في أكثر من اتجاه ، وفي ليبيا وبعد ما شهدته من أحداث كبيرة أسقطت النظام السابق شهد الاتحاد العام للمنتجين الليبيين انقسامات وولاءات جديدة وغياب للقيادات النقابية التقليدية وتشكيل اتحاد جديد هو الاتحاد الوطني لعمال ليبيا والذي يضم قيادات مجربة ولها حضورها الوطني والقومي وقد التقينا بهم في أكثر من مؤتمر ولقاء عربي .
أما في الصومال فهناك الاتحاد العام لعمال الصومال بقيادته الشابة التي تسعى لتكريس حضورها في اتحاد العمال العرب ، وفي الكويت هناك الاتحاد العام لعمال الكويت وله مكانة محترمة في الداخل الكويتي مع ملاحظة وجود تراجع في مكانة وعلاقات هذا الاتحاد على الساحة العربية ، وفي موريتانيا هناك أكثر من اتحاد ولكن الحضور الأكبر للاتحاد العام لنقابات عمال موريتانيا وقد التقينا ببعض القيادات النقابية خلال السنوات السابقة ووجدنا فيهم محبة ورغبة في ترسيخ العلاقات النقابية عربياً في اتحاد العمال العرب وأفريقيا من خلال المنظمة الافريقية النقابية .
في لبنان هناك تعددية نقابية ويعمل في الساحة النقابية أكثر من اتحاد وعلى رأسها الاتحاد العمالي العام في لبنان والذي واجه عدة مشكلات كادت أن تحطم هذه المؤسسة العريقة ولكن بحكمة وتلاحم القادة النقابيين استطاعوا أن يحافظوا على وحدة ومكانة اتحادهم كقائد للحركة النقابية .
في فلسطين هناك واقع نقابي غير مستقر وهناك أكثر من اتحاد نقابي رغم عدم وجود قانون للتنظيم النقابي حتى الآن ، وأكبر الاتحادات والأكثر تمثيلاً في اللجان الثلاثية وفي الواقع العمالي النقابي هو الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين وكذلك الاتحاد العام لعمال فلسطين الذي شهد تراجعاً كبيراً بعد مؤتمره الأخير وإغلاق مكاتبه في المحافظات واقتصار عمله على العلاقات العامة العربية والدولية ، وقد بذل هذا الاتحاد محاولته لإعادة تنظيم العمال الفلسطينيين في الخارج والقيام بتشكيل لجان تحضيرية مهمتها الاعداد لعقد مؤتمرات لفروع الاتحاد في الخارج ، وهذا الاتحاد يشهد تراجع ملحوظ على مستوى الأداء والعلاقات والأوضاع الداخلية ، وتشكلت خلال الفترة الماضية اتحادات جديدة كاتحاد النقابات العمالية الجديدة والاتحاد الوطني لعمال فلسطين وكذلك اتحاد النقابات المستقلة الذي تنحصر نشاطاته في رام الله كمركز عمل لهذا الاتحاد .
شهدت الحركة النقابية الفلسطينية حالة من الانقسامات العميقة والشرذمة والتراشق الاعلامي والتدخل في شؤونها من قبل الحزب المسيطر على مقاليد النقابات من خلال " مفوضية المنظمات الشعبية " كون الحركة النقابية الفلسطينية غير مستقلة وتسود فيها التوافقات الفصائلية ، فكل حزب لديه اطاره النقابي الخاص وهذا يشكل خصوصية في الحالة الفلسطينية تكاد لا تكون في بلد آخر اذا استثنينا من ذلك لبنان وتونس التي تشكل فيها الاحزاب السياسية أذرع نقابية تمثلها في هذا الاتحاد أو ذاك .
النقابات الفلسطينية تحتاج الى مواجهة لظروفها والتحديات التي تواجهها وتحقيق الوحدة العمالية والنقابية في اطار الحفاظ على التعددية النقابية والذهاب نحو مؤتمر توحيدي كما اتفقت عليه كافة القوى السياسية والنقابية الممثلة في الاتحادين الرئيسين الاتحاد العمال للنقابات والاتحاد العام للعمال وتشكيل اتحاد كونفدرالي نقابي موحد لعمال فلسطين وفق ما اتفق عليه في " وثيقة وحدة الحركة النقابية الفلسطينية " في العام 2015 ليشكل ذلك ضمانة لاستمرارية العمل النقابي المنظم تحت راية الكونفدرالية ومن شأن هذا التوجه التصحيحي أن يؤسس لمرحلة جديدة للحركة النقابية لتنطلق انطلاقة صحيحة وفق رؤية وبرنامج عمل شامل وعلاقات متوازنة ومكانة راقية يستحقها التنظيم النقابي الفلسطيني الذي كان له البدايات المضيئة على المستوى الدولي والعربي حيث كانت نواة التنظيم النقابي الأولى من خلال جمعية العمال العرب في حيفا في العام 1925 وتشكل مجمل أطراف الحركة النقابية الفلسطينية روافد وامتدادات لهذا التنظيم العريق الذي كانت له مشاركة لافتة في تأسيس الاتحاد العالمي للنقابات .
يبدو أن البعض غير معني في انجاز اتفاق الوحدة وفرض أجندات أخرى غير ما توافقت عليه كافة الأطراف النقابية وبدعم ومباركة كافة فصائل العمال الوطني ، وهذا يتطلب حواراً جدياً وشاملاً للحفاظ على مكانة وتاريخ ومنجزات الحركة النقابية وما حققته من نجاحات خلال مسيرتها الطويلة والتي أنتجت علاقات عالمية وعربية واسعة سواء في الاتحاد العالمي للنقابات والاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب من خلال الاتحاد العام لعمال فلسطين والمنظمات الأخرى ذات العلاقة كالاتحاد الوطني لعمال فلسطين والائتلاف العمالي النقابي ، وكذلك العلاقات الكبيرة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين في اطار الاتحاد الدولي للنقابات والاتحاد العربي لنقابات العمال والعلاقات الأخرى الثنائية والواسعة مع الاتحادات في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا والأمريكيتين ، وكل ذلك ينبغي أن يصب في المصلحة الفلسطينية على مستويات سياسية ونقابية وتفعيل التضامن الدولي مع شعب وعمال فلسطين وتوسيع دائرة الرفض للاحتلال الاسرائيلي وسياساته وإجراءاته العدوانية وتوسيع دائرة حركة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها .
أوضاعنا النقابية كما ذكرت غير مستقرة وهذا ينعكس على واقع العمال وظروفهم والتحديات التي تواجههم وحجم الأضرار التي يتعرضون لها نتيجة لإجراءات الاحتلال وما يعانونه فيما يسمى " سوق العمل الاسرائيلي " والواقع والظروف القهرية التي يواجهونها في " سوق العمل الفلسطيني " وغياب التطبيق الفعلي والجاد لقانون العمل والقوانين والتشريعات المتعلقة بالعمال كالحد الأدنى للأجور وغياب الضمان الاجتماعي وقانون الصحة والسلامة المهنية وعدم الجدية في الحوار الاجتماعي بين أطراف الانتاج الثلاث المتمثلة بالعمال وأصحاب العمل والحكومة .
واقعنا العمالي والنقابي الفلسطيني وبعد كل تلك المقدمة التي تحدثت فيها حول واقع الحركة النقابية العربية ، يتطلب ورشة عمل مفتوحة ومراجعة نقدية شاملة لمختلف القضايا ومعوقات العمل النقابي والظروف التي تعصف بحركتنا النقابية بكافة أطيافها ، وهذا يتطلب مواقف بناءة ودراماتيكية ومرنة للقيادات النقابية وتقديم التنازل مقابل البناء والتجديد وترسيخ آفاق المستقبل نحو حركة نقابية موحدة وقوية وفاعلة بارتباطاتها العربية والدولية والتي تعززت على مدار عقود طويلة من النضال والعلاقات الراسخة التي حققها القادة النقابيون الاوفياء بما يخدم المصلحة الوطنية والنقابية وتعميق الصلات بين عمال فلسطين وعمال العالم .
وفي الواقع العربي هناك ضرورة ملحة للبدء بخطوات عملية للتحضير لعقد المؤتمر العام الثالث عشر للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب والبدء بحوارات نقابية بين مختلف المنظمات في الوطن العربي بحيث يكون حواراً هادئاً للتفكير في آليات استنهاض واستعادة دور ومكانة الاتحاد الذي تتهدده مخاطر جمة ، وأن يتم توفير كافة مقومات وعوامل دعم صمود ورسالة الاتحاد ليبقى اتحاداً قومياً عربياً يمثل عمال الوطن العربي من المحيط الى الخليج .
والشيء بالشيء يذكر فان علينا جميعاً أن نعمل وأن نوحد الجهود من أجل دعم مسيرة اتحاد النقابات العالمي والذي يحتفل هذه الأيام بالذكرى الـ 75 لتأسيسه كاتحاد عمالي عالمي يمثل العمال حول العالم ويواجه الامبريالية والصهيونية والرأسمالية المتوحشة ويمثل مبادئ وقيم الديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية ونصرة قضايا الشعوب وحقوقها العادلة وفي طليعتها القضية الفلسطينية .
اتحاد النقابات العالمي يحتاج الى تكاتف كل الجهود من المنظمات كافة حول العالم والتحضير لعقد مؤتمره العام ليشكل حلقة مركزية في مسيرة الاتحاد وديمومته والإقلاع نحو تجديد العزيمة والإصرار على ديمومة العطاء والنضال من أجل مصالح وحقوق الطبقات العاملة حيث يمثل الاتحاد أكثر من 130 مليون عامل حول العالم .
كاتب ونقابي من فلسطين
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت