قصة فلسفية: نبيل عودة
(“التشابه الجزئي” هو التفسير العربي لكلمة (Analogy – انالوجيا)
*******
دفع الفشل السياسي زعيما حزبيا إلى الانتحار. بعد دفنه أعاد له جبرائيل نبض القلب والروح، ففتح عينيه متسائلا عما حدث. شرح له جبرائيل انه انتحر وبما انه إنسان مستقيم قرر جبرائيل ان ينصفه حسب تقليد سماوي باختيار شخص كل 100 سنة يخير بين الجنة وجهنم. قال له أيضا انه من حيث عقيدته الإلحادية مكانه في جهنم، أما من حيث نواياه الطيبة ونضاله من اجل حياة حرة كريمة ومساواة بين الناس، مكانه يناسب ان يكون في الجنة. لكن هناك إشكالية يجب حلها. طلبوا الإذن من رب العالمين ان لا يصدر حكما قاطعا عليه بل يعطيه الفرصة ليختار بين جهنم أو الجنة. وهذا الخيار لا يحظى به إلا شخص واحد مرة كل 100 سنة ولحسن حظه وقع الخيار عليه.
هذا ما كان. قال له جبرائيل سنرسلك ليومان إلى جهنم وبعدها يومان إلى الجنة، ثم تقرر أي مكان تراه الأنسب لك. هذه خطوة لم يحظى بها أحد من قبلك منذ مائة سنة.
عندما وصل إلى جهنم تفاجأ. كان مرعوبا من القصص التي تروى عن عذاب جهنم. لقي أصحابه القدامى، كانوا يشربون الخمر ويغنون ويرقصون، وتحيط بهم نساء جميلات، يلقون الخطابات الثورية كعادتهم قبل الموت، يتناولون الطعام الفاخر ويقوم الشيطان نفسه على خدمتهم. سر جدا بلقائهم وشاركهم بما هم فيه وقضى يومين ممتعين.
بعد يومان أخذه جبرائيل إلى الجنة، كانت هادئة، بحث عن أصحابه فلم يجد أحدا، كلهم طويلي اللحى يقضون جل يومهم بالركوع والصلاة مما يبعث على الملل. من الصعب إيجاد شخص يمكن الحديث معه عن الفكر والسياسة، الطعام عادي، ولا شيء إلا صوت موسيقى هادئة ويقضي الآخرون معظم أوقاتهم بألعاب الورق والشيش بيش. شعر بالملل من الساعة الأولى، ما ان لمح جبرائيل في اليوم الثاني ركض نحوه طالبا إعادته إلى جهنم حتى قبل ان يسأله جبرائيل عما اختار.
– فكر جيدا .. هذا هو خيارك النهائي؟
– أجل.. فكرت وقررت.
– لن تكون لك فرصة خيار أخرى.. هل قرارك صادر عن منطق عقلي ام مجرد حماس ليومين عابرين في جهنم قد لا يتكررا...؟
– قراري نهائي .. الجنة ليست لي. هنا كل شيء ممل!!
– لن تحظى بفرصة خيار أخرى.. هل فكرت بذلك؟
– قراري نهائي .. ارجو نقلي فورا الى جهنم!!
أخذه جبرائيل عائدا به إلى جهنم، ما ان فتح باب جهنم حتى التقطه الشيطان بقوة وزج به إلى الداخل بعنف، كان أصحابه حزانى بملابس رثة ينظفون الأرض، ويشوطوهم بالكرابيج إذا تماطلوا عن جمع القاذورات عن الأرض. أعطوه كيسا وأمروه ان يتحرك للعمل معهم، ولوحوا بالسوط.. مهددين بضربه إذا تماطل. لكنه نظر إلى الشيطان وطلب ان يسمح له بسؤال واحد.
– قل ما لديك ولا تماطل كثيرا.
– قبل يومين كان الوضع مختلفا، مطعم وبار ومشروبات ورقص وغناء ونساء، ما الذي تغير ؟
– قبل يومين كنا قبل الانتخابات، اليوم نحن بعد الانتخابات. كسبنا صوتك وفزنا… ألا تعلم ان وعود قبل الانتخابات تذروها الريح؟ ها هم أصحابك يلمون قمامة الوعود، هذا تعلمناه منكم أيها السياسيون، تحرك لجمع القمامة قبل ان نضربك بالسوط!!
حول القصة: “التشابه الجزئي” هو التفسير العربي لكلمة (Analogy – انالوجيا) لا اعرف مدى صحة الترجمة، لكن القصد الوقوع بخطأ في القرار، بسبب ظاهرة قد تكون عابرة.. توهم الانسان انها ظاهرة دائمة ولن تتغير. يستعمل الإنسان التشابه الجزئي بشكل واسع في حياته. نلاحظ ذلك مثلا بالمقارنة بين الأسعار في المجمعات التجارية. مقارنة بين الجودة في البضائع والأسعار، مقارنة بين طبيب وطبيب في أساليب العلاج، احيانا المقارنة بين عدة أشياء. حتى المقارنة مثلا بين رؤساء حكومات ووزراء أو رؤساء سلطات محلية .. الخ!!
لماذا تشابه جزئي وليس تشابها فقط؟ ما هي كمية التشابه؟ ما هو الاختلاف؟ حسب الفلسفة من المستحيل ان يكون تشابها مطلقا بين عنصرين من نفس النوع، فكيف بين عنصرين مختلفين؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت