تطبيعهم ومقاومتنا

بقلم: صلاح صبحية

صلاح صبحية
  •  بقلم : صلاح صبحية

 لم يكن التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني سوى مقدمة لمزيد من الانهيار الفكري والسياسي والثقافي لبعض السياسيين والإعلاميين والمثقفين وخاصة في منطقة دول الخليج العربي ، فبين الحين والحين يخرج علينا أحدهم وكأنه يلقي حكمة أو موعظة أو يلفق كلاماً منزلٌ عليه من أسياده الأمريكان والصهاينة ، غير مدركين أنّ الحقيقة ليست ملك عقلهم ولسانهم حيث يحرفون الكَلِمَ عن مواضعه ، وذلك فيما يخص القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، فينفون التاريخ والجغرافية ، ويبدلون أسماء الأشياء بما يرضي العدو الأمريكي الصهيوني الذي يحتل الأرض العربية احتلالاً مباشراً لجزء منها هي فلسطين ، واحتلال غير مباشر للعديد منها في منطقة الخليج وغيرها .
 حقائق التاريخ المعاصر تنفي كل أكاذيبهم وتلفيقاتهم حول الصراع العربي الصهيوني إذا جاز أن نسميه كذلك بعد خروج العديد من الدول العربية من دائرة هذا الصراع ، هذا الصراع الذي لم يكن يعنيهم منه سوى تثبيت الوجود القومي اليهودي على أرض فلسطين ، ألم يقل مليكهم مخاطباً أن اليهود المساكين يستحقون وطناً لهم في فلسطين ، إنه الاعتراف العربي الرسمي بالكيان الصهيوني على أرض فلسطين منذ وعد بلفور قبل أكثر من مائة عام ، فليس غريباً عليهم اليوم التطبيع العلني لبعضهم والتطبيع الموارب للبعض الآخر .
هم اليوم بتناغم أو عبر اتفاق ما مع العدو الأمريكي الصهيوني يشددون الحصار على الشعب الفلسطيني وقيادته بهدف دفعهم للقبول بما يعرض عليهم من فتات التسوية المزعومة ، ولكن الشعوب دائماً هي الأقوى والأكثر وضوحاً في مواجهة الاحتلال ، والشعوب دائما أكبر من قياداتها كما كان يردد الشهيد ياسر عرفات ، حيث ترفض المساومة على حقوقها وعدم الخضوع لجبروت العدو الأمريكي الصهيوني، هذا العدو الذي ما فتأ ينادي بالسلام المزعوم الذي هو الاستسلام بعينه والخضوع إلى إدارته .
 والسؤال الذي يطرح نفسه هل من مصلحة الشعب الفلسطيني وقيادته معاداة أي نظام عربي ، إن من يفكر بهذا الاتجاه لا يقرأ الخارطة الديمغرافية الفلسطينية اليوم ، حيث يتواجد الفلسطينيون في كل الدول العربية ، وقد اعتدنا على اختلافات الدول العربية فيما بينها ونتائج هذا الاختلاف الذي يحوّل الدول العربية الشقيقة إلى الدول العربية المتعادية فيما بينها ، حيث تصل حالة العداء بين بعضهم أكثر من حالة العداء مع الكيان الصهيونى، فكيف سيكون الحال عند معاداة الفلسطينيين الدول العربية بسبب مواقفها من القضية الفلسطينية وعدائها لها ؟ وقد عانى الفلسطينيون معاناة شديدة في الدول العربية نتيجة لمواقف فلسطينية ميزت فيه بين الحق والباطل .
إن الحكمة الفلسطينية تقتضي التصرف مع المطبيعن العرب بعقلانية الحرص على مصالحنا التي تخدمنا في صراعنا مع العدو الأمريكي الصهيوني، فليس من الحكمة الفلسطينية توسيع دائرة الصراع الفلسطيني الصهيوني ليشمل صراعاً حاداً مع بعض الأنظمة العربية الذي نحن بغنى عنه في ظل توقع انهيارات الدول في وادي التطبيع مع العدو الأمريكي الصهيوني ، فالقضية لدى البعض أصبحت مجرد مصالح خاصة .
إنّ التفاف الفلسطينيون حول بعضهم البعض ، والاستظلال بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لكل شعبنا العربي الفلسطيني هو البناء المتين للصمود الفلسطيني في مواجهة التطبيع العربي الصهيوني ، كل الموقف المطلوب فلسطينيا هو التمسك بالهوية الوطنية الفلسطينية التي تجسدها منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد لكل الشعب الفلسطيني أينما كان تواجده ، فالوحدة الوطنية الفلسطينية اليوم هي مطلب كل الشعب الفلسطيني ، وهي الدرع المتين لعدم اختراق هؤلاء المطبعين جسدنا الفلسطيني والعمل به فتكاً وتجريماً .
إننا اليوم علينا إعادة الاعتبار الجدي والفعلي لمقاومة الغزو الصهيوني لبلادنا بما هو متاح لدينا من امكانات مادية وسياسية وبما يجعل المطبعين العرب في حيرة من أمرهم أمام شعوبهم ، أهم مع المقاومة الفلسطينية للاحتلال الصهيوني أم مع التطبيع العربي الذي يسلب الفلسطينيين حقوقهم ، إنّ الاشتباك الفعلي الفلسطيني مع الاحتلال وحده القادر على تعرية هؤلاء المطبعين السياسيين والمفكرين والمثقفين والإعلامي بشكل يجعلهم يحددون موقفهم الحقيقي من نضال الفلسطيني ومن الوجود الكلي للعدو الصهيوني فوق أرض فلسطين ، حيث لا يمكن أن نواجه هؤلاء المطبعين إلا بتصعيد مقاومتنا للاحتلال الصهيوني وإجبارهم التراجع عن مواقفهم أو على الأقل تحييدهم في صراعنا مع العدو الأمريكي الصهيوني.
 ٢٠٢٠/١٠/١١ صلاح صبحية

المصدر: -

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت